أبحاث


كتب فاطيمة طيبى
13 مايو 2021 8:20 م
-
الصين: السكك الحديدية ثاني أكبر شبكة في العالم بعد الأمريكية ونفوذ اقتصادي جديد

الصين: السكك الحديدية  ثاني أكبر شبكة في العالم بعد الأمريكية ونفوذ اقتصادي جديد

اعداد ـ فاطيمة طيبي

في عام الوباء فضلت سلاسل التوريد خاصة الصينية السكك الحديدية على غيرها من وسائل النقل، سواء في الهواء أو الماء أو الطرق، فالنقل بالسكك الحديدية أكثر ملاءمة في مواجهة الوباء، إذ يتطلب قوة بشرية أقل ويقطع مسافات أطول، كما أنه يتطلب اتصالا أقل عند المعابر الحدودية من النقل البري.

ولم يقف الامر عند هذا الحد لنجد ايضا ان وباء كورونا ضرب شركات الطيران مما ادى الى افلاس البعض منها، كما تراجعت التجارة الدولية فخسرت شركات الشحن وتعطلت الموانئ وباتت خطوط الملاحة البحرية في ورطة حقيقية، وعليه كثيرا من وسائل النقل والمواصلات تضررت بسبب الوباء إلا السكك الحديدية.

ـ ارتفاع حجم النقل بالسكك الحديدية بين الصين وأوروبا:

 أصبح النقل بالسكك الحديدية في أوراسيا جزءا مهما ومتطورا من مبادرة الحزام والطريق الصينية، وفي عام الوباء أيضا تضاعف حجم النقل بالسكك الحديدية بين الصين وأوروبا، وخلال الفترة من شهر يناير  إلى   شهر  نوفمبر  من العام 2020  قام القطار الصيني ـ الأوروبي بأكثر من 3400 رحلة أي ضعف الرحلات التي قام بها 2019.

قد تبدو الصورة الأولى أن السكك الحديدية تسهل حركة الأشخاص والبضائع حول العالم، ما يمكن أن يعزز نشاط السوق ويدفع بالتنمية الاقتصادية، لكن بالنسبة للصين، فإن الأمر يتجاوز ذلك لتصبح "دبلوماسية السكك الحديدية" آلية رئيسة تستخدمها بكين لتطوير البنية التحتية للسكك الحديدية في جميع أنحاء العالم، لتمنح الصين فرصة فريدة لتعزيز علاقاتها الإقليمية وجني فوائد اقتصادية وسياسية في آن واحد .

ـ سكك حديدية عالية السرعة:

 المهندس أي بي دان من هيئة البنية التحتية الوطنية في المملكة المتحدة يشير إلى أن وجود الصين في مشاريع إنشاء السكك الحديدية في الخارج، جاء كنتيجة للتوسع السريع والمتزايد لشبكة السكك الحديدية المحلية في الصين. وقال انه بين عامي 2008 و2019 بنت الصين ما يعادل 5464 كيلو مترا من السكك الحديدية سنويا، أي ما يعادل المسافة من نيويورك إلى لندن، وما يقرب من نصف الخطوط الجديدة، التي تضاف سنويا عبارة عن سكك حديدية عالية السرعة.

حاليا تعد شبكة السكك الحديدية عالية السرعة في الصين والتي يبلغ طولها 35388 كيلو مترا الأكبر في العالم، وإذا أضفنا إليها السكك الحديدية غير عالية السرعة، فإن نظام السكك الحديدية الصينية سيكون ثاني أكبر شبكة في العالم بعد السكك الحديدية الأمريكية".

بالطبع لا يمكن أن ينسب الفضل في إنشاء نظام السكك الحديدية الصينية لشركة واحدة، وإنما لمجموعة من الشركات المملوكة للدولة، التي أسست لمسارات السكك الحديدية وللبنية التحتية الضرورية لها، كما أن الشركة الوطنية الصينية لصناعة قاطرات السكك الحديدية، التي تعد أكبر شركة لتصنيع عربات السكك الحديدية في العالم من حيث الإيرادات، لعبت دورا مهما في توفير العربات والقاطرات، التي تعمل على المسارات المختلفة للسكك الحديدية.

مشاركة تلك الشركات في تطوير البنية التحتية المحلية للقطارات مكنها من امتلاك قدرة صناعية كبيرة ومعرفة متطورة في كيفية إنشاء وتأسيس نظم السكك الحديدية، وبامتلاكها تلك القدرة سعت بكين بشكل متزايد إلى استخدامها خارج الحدود وتصديرها إلى الخارج، وبين عامي 2013 و2019 وقعت الشركات الصينية عقودا دولية لإنشاء السكك الحديدية بقيمة نحو 62 مليار دولار، وقد اجتذبت البلدان متوسطة الدخل معظم العقود الصينية بنحو 44 مليار دولار.

ـ عقود بناء السكك الحديدية:

على الرغم من التوسع الصيني على المستوى العالمي، فإن القارة الآسيوية لا تزال تمثل النطاق الإقليمي الأساسي لها، فقد تركز نحو 47 % من عقود بناء السكك الحديدية الصينية في آسيا، وذهبت حصة الأسد من تلك العقود إلى تسع دول في جنوب شرق آسيا، وكانت:

ـ  ماليزيا: المستفيد الأول، إذ تعاقدت الصين معها على بناء خط سكة حديد يمتد 640 كيلومترا بتكلفة تبلغ 10.6 مليار دولار.

ـ إفريقيا: جاءت في المرتبة الثانية، إذ حصلت على أكبر عدد من عقود السكك الحديدية بين عامي 2013 و2019 بقيمة 20.8 مليار دولار، وعلى غرار القارة الآسيوية تركزت العقود الإفريقية في عدد محدود من الدول أبرزها نيجيريا.

وفي مقابل "دبلوماسية السكك الحديدية" تصف الدكتورة صوفي تشارلز أستاذة العلوم السياسية في جامعة لندن الوضع في مجال الاستثمارات الخارجية في مجال السكك الحديدية بـ "حرب القطارات".

وتقول : "الصين ليست الدولة الوحيدة، التي تساعد على بناء البنية التحتية للسكك الحديدية في الخارج، فقد قامت اليابان بدور مهم في هذا المجال في جنوب شرق آسيا، وفي 2017 فازت بمناقصة لتطوير جزء من السكك الحديدية بين أكبر مدينتين في إندونيسيا جاكرتا وسورابايا، ما مثل هزيمة للصين حينها.

كما أنه في العام 2020  أعرب المسؤولون في إندونيسيا عن اهتمامهم بدمج هذا المشروع مع مشروع يقوم به الصينيون من خلال كونسورتيوم من الشركات الصينية واليابانية، والمنافسة أيضا موجودة في إفريقيا، ولكن بين الصينيين والفرنسيين، الذين وقعوا مع كينيا عقدا بقيمة 2.3 مليار دولار عام 2019 لتطوير البنية التحتية، وتضمن العقد خط سكة حديد من العاصمة نيروبي إلى المطار،  ضمن الجهود الفرنسية لتعزيز العلاقات الاقتصادية والعسكرية والثقافية مع شرق إفريقيا في محاولة للحد من المد الصيني.

بالنسبة للصين، فإن مشاريع السكك الحديدية عنصر مهم وأساسي في مبادرة الحزام والطريق، لربط الاقتصاد الصيني باقتصادات الدول المشاركة في هذا المشروع العملاق، الذي يضم 138 دولة يبلغ الناتج المحلي الإجمالي لها مجتمعة 29 تريليون دولار، ويمثل عدد سكانها 4.6 تريليون نسمة.

ـ النفوذ الجيوسياسي والجيو اقتصادي للصين:

يعتقد عديد من الخبراء أن نجاح سياسة السكك الحديدية الصينية على المستوى الخارجي سيعزز النفوذ الجيوسياسي والجيو اقتصادي للصين، وسيمكنها من دعم اقتصادها المحلي، سواء عبر زيادة التدفقات السياحية أو فتح أسواق جديدة للشركات الصينية، فعلى سبيل المثال استفادت شركتان صينيتان على وجه الخصوص من مشاريع بناء السكك الحديدية في الخارج، فقد وقعت شركة "سي آر سي سي" الصينية عقدا بقيمة 19.3 مليار دولار لإنشاء السكك الحديدية أي نحو ثلث الإجمالي العالمي لإنشاء السكك الحديدية بين عامي 2013 و2019.

كما وقعت شركة هندسة السكك الحديدية الصينية 19 عقدا بقيمة 13 مليار دولار أي نحو خمس قيمة جميع العقود الدولية خلال الفترة نفسها، كما أن تأسيس الصين لمشاريع سكك حديدية في الخارج يجعل اقتصادات تلك البلدان مرتبطة بالاقتصاد الصيني، سواء على المستوى التجاري أو أن يزيد من التبعية المالية لها للصين، نظرا لأن أغلب مشاريع السكك الحديدية مكلفة للغاية، وتتم عبر قروض تمنحها الصين لتلك البلدان.

ومع هذا لا يخلو الأمر من مصاعب تواجهها بكين من حين لآخر في هذا المجال، إذ يقول : التن لويز الخبير في الشأن الصيني "الصين من حين إلى آخر تواجه مصاعب في مجال تأسيس مشاريع السكك الحديدية في الخارج، ما يؤدي إلى إلغاء تلك المشاريع أو تعليقها لأجل غير مسمى لأسباب سياسية او اقتصادية، فالأوضاع الاقتصادية المتدهورة في فنزويلا أدت إلى إيقاف العمل في مشروع لبناء خط سكة حديد عالي السرعة".

كما يقول التن لويز  ايضا إن خصوم الصين ومنافسيها يتهمونها بافتقاد الشفافية عند تنفيذ تلك المشاريع كما حدث في ماليزيا، ودائما ما يربطون بين ذلك وبين استخدام بكين مشاريع السكك الحديدية باعتبارها أدوات لدبلوماسية "فخ الديون" وأنها ترمي بحمل كبير يثقل كاهل تلك البلدان بالقروض "الصينية" التي لا يمكن تحملها، إلا أن تلك الاتهامات لا يوجد دليل قاطع بشأنها.

وفي مسعى للحفاظ على صورة الصين الإيجابية والمرتبطة بمساعدتها الدائمة للدول النامية اقتصاديا عبر تطوير بنيتها التحتية، وافقت القيادة الصينية خلال قمة العشرين العام الماضي 2020  على المقترحات، التي تقدمت بها المملكة بتعليق مدفوعات الديون حتى نهاية 2020 لأفقر دول العالم، ولاحقا أعلن الرئيس الصيني أن بلاده ستتنازل عن قروض البلدان الإفريقية دون فوائد، التي تمثل أقل من 5 % من ديون إفريقيا للصين، على أمل أن يساعد ذلك قطار التنمية في المضي قدما للأمام وبسرعة.

 

 

 

 


أخبار مرتبطة
 
منذ 16 ساعةتحالف صيني يرغب في إنشاء مدينة نسيجية متكاملة باستثمارات 300 مليون دولار23 أبريل 2024 3:14 موزير المالية: زيادة مخصصات الأجور إلى 575 مليار جنيه في العام المالي الحالي22 أبريل 2024 2:33 متوقعات صندوق النقد الدولي بارتفاع النمو العالمي في 2024 إلى 3.2%21 أبريل 2024 3:12 ملقاءات وزير المالية على هامش اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين بواشنطن17 أبريل 2024 9:43 صواشنطن: التحديات الدولية والإقليمية وتأثيرها على الأسواق الناشئة محاور مناقشة المشاط ومسئولي البنك الدولي15 أبريل 2024 2:34 ممفاعل الضبعة سيحل أزمة انقطاع الكهرباء بمصر وبدء إنتاج الطاقة بداية 202714 أبريل 2024 3:39 مبطاريات الطاقة الشمسية لتخزين الكهرباء7 أبريل 2024 1:23 مالدولة وضعت الحد الأقصى للاستثمارات العامة بتريليون جنيه لإفساح المجال للقطاع الخاص2 أبريل 2024 1:24 مالتيتانيوم .. السلاح الروسي الذي لا يعرفه احد31 مارس 2024 1:04 مأزمة أدوية تضرب العالم.. 26 دولة أوروبية أبلغت عن نقص في الأدوية في 2023

التعليقات