أبحاث


كتب فاطيمة طيبى
2 يونيو 2021 11:16 ص
-
افريقيا: حلول مبتكرة لأزمات التمويل للإمساك بزمام التنمية والتحرر من قيود الدين

افريقيا: حلول مبتكرة لأزمات التمويل للإمساك بزمام التنمية والتحرر من قيود الدين

اعداد ـ فاطيمة طيبي

في اجتماع  في القصر الكبير في باريس تحت عنوان "قمة حول تمويل الاقتصادات الإفريقية"، ضم  رؤساء 30 دولة وحكومة ومسؤولي مؤسسات دولية، على أن يشارك البعض عن بعد عبر تقنية الاتصال بالفيديو.  حيث استضاف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في السابع عشر من مايو 2021 ، قادة أفارقة وأوروبيين إلى جانب مؤسسات دولية سعيا إلى حلول مبتكرة لأزمات التمويل في القارة الإفريقية التي تتوق للإمساك بزمام التنمية وتحرير نفسها من قيود الدين.

ـ فكرة المؤتمر:

 وفقا لـ"الفرنسية"، نشأت فكرة هذا المؤتمر عقب تقدير صندوق النقد الدولي أن إفريقيا معرضة لخطر حدوث فجوة مالية قدرها 290 مليار دولار بحلول عام 2023.

ـ اتفاق جديد (نيو ديل) لتمويل إفريقيا :

 لا شك في أن اقتصاد القارة التي سجلت في 2020 أول ركود لها منذ نصف قرن )-2.1 %( ، يتوقع أن يسجل نموا من جديد بنسبة 3.4 %  ، عام 2021 و4 %، في 2022.

وسمح تعليق سداد خدمة الدين العام المطبق منذ أبريل بمبادرة من نادي باريس ومجموعة العشرين، ببعض الانتعاش عبر وقف تسديد 5.7 مليار دولار من الفوائد المترتبة على نحو 50 دولة. كما نجحت مجموعة العشرين في إقناع الصين، أكبر دائن في القارة، ودائنين من القطاع الخاص، بالمشاركة في إعادة التفاوض حول الديون، بيد أن ذلك لن يكون كافيا.

وقال إيمانويل ماكرون في شهرأبريل  2021  "لا يمكننا الركون إلى وصفات قديمة" في الوقت الذي "نترك فيه إفريقيا جماعيا أمام حلول تعود إلى الستينيات". ودعا إلى "اتفاق جديد (نيو ديل) لتمويل إفريقيا". وحذر رئيس الدولة الفرنسية في الوقت نفسه من مخاطر ظهور نتائج عكسية في ظل تقلص الفرص الاقتصادية والهجرة الدائمة وتوسع الإرهاب. ناهيك عن الأزمة الوبائية، سجلت إفريقيا حسب البيانات الرسمية 130 ألف وفاة، غير أن "نصرا كاملا فحسب، يشمل إفريقيا كاملة، من شأنه التغلب على الوباء"، وفق ما قال 18 قائدا إفريقيا وأوروبيا في مقالة صدرت في مجلة "جون أفريك" منتصف شهر  أبريل 2021 .


ودعا هؤلاء القادة أيضا إلى "تعليق خدمة جميع الديون الخارجية على الفور حتى نهاية الوباء" وتعزيز المساعدات الإنمائية. وحثوا أيضا صندوق النقد الدولي على تخصيص حقوق سحب خاصة للبلدان الإفريقية لمنحها "السيولة اللازمة لشراء منتجات أساسية ومعدات طبية أساسية". وأقر مبدأ إصدار حقوق سحب خاصة بقيمة 650 مليار دولار يخصص 34 منها لإفريقيا، لكن مجموعها غير كاف بحسب الرئاسة الفرنسية التي تقترح بيع صندوق النقد الدولي لذهب بغية تغذية قروض بلا فوائد إلى الدول الإفريقية.

وما زال النقاش قائما حول الشروط التي يضعها صندوق النقد الدولي في مقابل توفيره الدعم. ودعا في الحامس عشر من شهر مايو 2021، رئيس ساحل العاج الحسن واتارا إلى السماح للدول الإفريقية بترك عجز موازناتها يتزايد قليلا. فبوجود هامش أكبر يمكن وفقا له لهذه الدول "مواجهة الوباء بشكل أفضل" و"تمويل النفقات العاجلة لمكافحة الإرهاب"، وساق دولته المحاذية لبوركينا فاسو ومالي مثالا.

ـ  مطالبة صندوق النقد والبنك الدوليين بالتراجع عن الشروط المالية فيما يخص القروض :

من جهة أخرى، تطالب منظمة أوكسفام غير الحكومية، صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بالتخلي عن "الشروط المالية غير العادلة أو التراجعية في سياق قروضهما وبرامجهما".

ووفقا لأوكسفام، طالبت المؤسسة التي تتخذ من واشنطن مقرا من نيجيريا على سبيل المثال زيادة ضريبة القيمة المضافة التي تفرض على الأسر الأكثر هشاشة. ورغم ذلك، يتوجب حشد الاستثمارات الخاصة لتمويل تنمية قارة تتطلع إلى الابتعاد عن منطق المساعدات. وأوضح سيرج ايكوي رئيس بنك غرب إفريقيا للتنمية، إنه في مواجهة التدفق غير المسبوق للسيولة تمتلك إفريقيا "أصولا طويلة الأمد لتعرضها، على غرار البنية التحتية أو محطات الطاقة الكهربائية".

وأضاف المصرفي المخضرم الذي سبق له العمل في مصرف ناتيكسيس الاستثماري، أن "التطور الحديث يمر في هذا الاتجاه، من خلال حوار شاق مع مستثمري القطاع الخاص"، وليس فقط من خلال الهبات.

وكان قد قال صندوق النقد الدولي، منتصف الشهر ابريل 2021 ، إن منطقة إفريقيا جنوب الصحراء تتجه إلى تسجيل أبطأ نمو اقتصادي من أي منطقة أخرى في العالم هذا العام، إذ تواجه القارة صعوبة في تجاوز الاتجاه النزولي الناجم عن الجائحة. كما ذكر الصندوق أنه يتعين على الدول الثرية المساعدة على تسهيل حصول إفريقيا على اللقاحات الضرورية وإتاحة التمويل للقارة، حيث أدت الأزمة الصحية العالمية وتبعاتها الاقتصادية إلى سقوط 32 مليونا من السكان في براثن الفقر المدقع في 2020 .


وقال أبيبيه آمرو سيلاسي، مدير الإدارة الإفريقية لدى الصندوق، "الطريقة التي يمكن للمجتمع الدولي أن يساعد بها المنطقة حقا هي تحسين قدرتها على الحصول على اللقاحات". وأوضح أن آليات مثل كوفاكس المدعومة من منظمة الصحة العالمية، موجودة بالفعل لتوجيه الجرعات إلى الدول التي تحتاج إليها. مضيفا انه يجب أن يصاحبها تمويل واستثمار لزيادة الإمدادات العالمية من اللقاحات، زيادة كبيرة في أسرع وقت ممكن". ويأتي ذلك بعد يوم من تأكيد الصندوق على دول منطقة اليورو، تقديم تحفيز مالي إضافي بنسبة 3 % من الناتج المحلي الإجمالي في 2021 - 2022 لتدعيم النمو الاقتصادي بما يعادل 2 % من الناتج بنهاية العام المقبل 2022  والحد من التداعيات السلبية للجائحة.

وقال الصندوق في توقعاته لمنطقة اليورو: "إنه يمكن اتباع التدعيم المالي الإضافي بانضباط أشد فور تقليص الطاقة غير المستغلة.  لأن ذلك التحفيز المالي "سيعود بمنافع أعظم على الأسر منخفضة الدخل، وستكون له آثار جانبية أقل من زيادة التحفيز النقدي. وسيقترب بالتضخم من المستهدف في عديد من البلدان ويساعد على إعادة بناء فضاء السياسة النقدية". وقدمت دول منطقة اليورو تحفيزا ماليا وبرامج لضخ السيولة بأكثر من ثلاثة تريليونات يورو العام 2020  لكيلا تتوقف عجلة اقتصاداتها، وهناك بعض الدول، مثل إيطاليا، التي أعلنت إجراءات دعم جديدة في ظل إغلاقات مواجهة الموجة الثالثة من الجائحة.

ـ اهداف  منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية هل تسطيع رسم خارطة اقتصادية بعد الوباء : 

أعلنت دول الاتّحاد الإفريقي  في 7 يوليو 2019 رسميا عن توقيع اتفاق تجاري رئيسي خلال قمتها في نيامي لطالما سعت إليه باعتباره "خطوة تاريخية نحو السلام والازدهار".فبعد 17 عاما من المفاوضات الصعبة، أطلق الاتحاد الإفريقي "المرحلة التشغيلية" لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية التي وصفها رئيس  مفوضية الاتحاد موسى فكي بأنها "لحظة تاريخيّة".باعتباره حلما قديما يتحقق، و أن منطقة التبادل الحر الإفريقية ستكون "أكبر فضاء تجاري في العالم".

وصرح رئيس النيجر محمد إيسوفو خلال قمة الاتّحاد الإفريقي  في نيامي يوليو 2019  والذي انتهى  بتوقيع اتفاق"تاريخي" للتجارة الحرة في القارة السمراء قائلا: "ان المنطقة التجارية ستكون جاهزة للعمل بدءا من الأول من يوليو 2020، ما يتيح للدول الأعضاء التكيف مع التغييرات التي ستطرأ.

ـ بداية تحول افريقية:

قالت مديرة التجارة في مالاوي كريستسنا شاتيما لوكالة الأنباء الفرنسية إن الاتفاق التجاري الافريقي بمثابة  بداية تحول لأفريقيا باكملها  كما ان معظمنا يصدر بضائع إلى أوروبا والولايات المتحدة. آن الأوان كي نبدأ بالتبادل التجاري في ما بيننا".ومع ذلك، وعلى الرغم من إطلاق الاتفاق، فإن قضايا أساسية لم يتم حلها بعد بين القادة الأفارقة، بخاصة ما يتعلق بقواعد المنشأ لعدد من القطاعات.كما انه لم يتم التوصل إلى اتفاق حول بعض هذه القضايا  كالمنسوجات وحتى قطاع السيارات، وعلى الأمانة العامة للاتحاد الإفريقي تقديم مقترحات حول كيفية الاتفاق على هذه الأمور. 

ـ الزامية خفض الرسوم الجمركية:

 يلزم الاتفاق غالبية الدول بخفض الرسوم الجمركية بنسبة 90 % على مدى 5 سنوات، ما يخفف العوائق أمام التجارة في القارة، وقالت شاتيما إن الدول المدرجة على لائحة الأمم المتحدة للدول الأقل نموا ستكون أمامها 10 سنوات لخفض الرسوم، بينما مجموعة من 6 دول بينها النيجر ومالاوي ستكون أمامها 15 سنة على الأقل.

هذا ووصفت أماكا إنكو، المحللة المختصة بأفريقيا لدى مجموعة اوراسيا، ما حصل بأنه خطوة إيجابية لكن أمامه "طريق طويل للإقلاع" مع وجود مخاوف حول تمويل الهيئات التنظيمية الجديدة للاتفاق. ويقدر الاتحاد الافريقي أن الاتفاق سيعزز التجارة البينية في القارة بنسبة 60 % بحلول عام 2022. الا انه حاليا ، التجارة البينية بين الدول الأفريقية تبلغ 16 % مقارنة  بـ 65 % مع الدول الأوروبية. ستسعى دول قوة مجموعة الساحل (مالي والنيجر وبوركينا فاسو وموريتانيا وتشاد) فيما يخص الأمن في القارة  والتي تواجه صعوبات في التصدي للاعتداءات الجهادية خصوصا بسبب نقص الموارد، إلى الحصول على دعم دول إفريقية أخرى في بحثها عن دعم أكبر من الأمم المتحدة بأمل اللجوء إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

ويتيح هذا البند في حالات تهديد السلم أو الاعتداء، اللجوء إلى فرض عقوبات وحتى استخدام القوة. ويسهل تفعيله تمويل ثوة   مجموعة الساحل التي تضم خمسة آلاف عنصر وقد يتيح تحويلها الى قوة أممية، بحسب الأطراف المعنيين.

 

 



التعليقات