أبحاث


كتب فاطيمة طيبى
11 أكتوبر 2021 2:06 م
-
سوق السفن العملاقة .. منافسة صينية كورية على هذه الصناعة "المليارية"

سوق السفن العملاقة .. منافسة صينية كورية على هذه الصناعة "المليارية"

 

اعداد ـ فاطيمة طيبي  

الصراع على المركز الاول من اجل الريادة في صناعة السفن بين الصين وكوريا الجنوبية. ما زال قائما لما لبناء السفن من محورية في اقتصادات الدول الآسيوية خاصة الصين وكوريا الجنوبية واليابان،  والتي تحتوي  لمئات الآلاف من العمالة ، وفي كوريا الجنوبية  تعد صناعة السفن واحدة من الصناعات الرئيسة والاستراتيجية، إذ تشكل 7 % من الصادرات 5 % من إجمالي العمالة.

ـ تعافى سوق صناعة السفن :

  أحدث البيانات الواردة عن بعض من المسؤولين في الصين وكوريا الجنوبية  تؤكد  ان هذه الصناعة "المليارية"، يتوقع لها أن تتعافى أسواقها ويصل عائدها الى  161.83 مليار عام 2023.

المسؤولون الصينيون وخلال الأشهر الستة الأولى من هذا العام شنوا حملة ترويجية مكثفة بشأن أداء صناعة السفن العملاقة  و تلقوا   نصف جميع الطلبات ، حسب ما ورد عن  المنافس الكوري  الجنوبي، الذي أكد أن بكين نجحت في حجز مزيد من الطلبات خلال الجزء الأول من 2021 ، مع  اختلاف في الأشهر الثلاثة الاخيرة  

بيانات الرابطة الصينية لبناء السفن الوطنية تكشف أن طلبيات السفن الجديدة في الصين تمثل 51 %  من الحصة العالمية، حيث بلغ متوسط الطلبات الشهرية 6.37 مليون طن من الحمولة الساكنة (مقياس لمقدار الوزن الذي يمكن أن تحمله السفينة)، في حين نمت الطلبات في صناعة السفن الصينية 19 % على أساس سنوي في النصف الأول من 2021 ، والأهم أن الصين تشهد ارتفاعا في طلبيات السفن عالية الجودة، ما يعزز ثقة الصناعة بذاتها، لما يعنيه ذلك من وجود ثقة عالمية بقدرات الصناعة الصينية وكفاءتها التكنولوجية.

وبداية من شهر يوليو2021،   البيانات الصادرة من سيئول تشير إلى أن أحواض بناء السفن التابعة لها بدأت تتفوق على منافسيها الصينيين، إذ استحوذت كوريا الجنوبية على أكبر حصة من طلبات السفن العالمية الجديدة في يوليو 2021  بنسبة 45 % أو 1.81 مليون طن إجمالي معوض (مؤشر لمقدار العمل الضروري لبناء سفينة معينة ويتم تحديده وفقا لنوع وحجم السفينة) من إجمالي 4.01 مليون طن على المستوى العالمي، وأن الصين تبعتها عن كثب بـ1.77 مليون طن إجمالي معوض أو 44 % من السوق الدولية، بينما تخلفت اليابان كثيرا عن البلدين، ولم تزد حصتها على 10 %   من الطلبات.

ـ الريادة :

الدكتور جونسون كير، أستاذ الصناعات البحرية في جامعة سولنت يتوقع أن يحافظ الكوريون الجنوبيون على ريادتهم الحالية في صناعة السفن بسبب أدائهم القوي في صناعة ناقلات الغاز الطبيعي المسال، وكذلك ناقلات النفط الخام الكبيرة جدا.

ويقول   "فازت كوريا الجنوبية بـ 16 طلبية من أصل 16 طلبية جديدة لصناعة نقالات للغاز المسال الطبيعي تم تقديمها في النصف الأول من 2021  ، وخلال ذات الفترة حصلت على 27 طلبية من أصل 31 طلبية جديدة لناقلات النفط أيضا".

كما ان هذا الاعتراف العالمي بمكانة ومركزية كوريا الجنوبية في هذا التخصص، تواصل أيضا في النصف الثاني من العام وبشكل قوي، إذ فازت شركة "كوريا لبناء السفن والهندسة البحرية" بـ 16 طلبا جديدا لبناء السفن منذ شهر يوليو2021 ، بما في ذلك 14 ناقلة للغاز الطبيعي المسال، تقدر قيمتها بأكثر من 3.5 مليار دولار، كما قامت شركة سامسونج للصناعات الثقيلة، وهي من أبرز الشركات العاملة في مجال بناء السفن بتأمين أربع طلبيات جديدة من ناقلات الغاز الطبيعي المسال في هذا الشهر.

لكن مقابل التفوق الكوري الجنوبي في صناعة ناقلات الغاز الطبيعي المسال وناقلات النفط، يعد الصينيون أقوى في صناعة سفن الصب الجاف ذات العائد المنخفض، حيث تبلغ حصتهم 31 % من إجمالي الطلبات مقابل 15 % لمنافسيهم الكوريين، مع فهم البلدين لطبيعة المنافسة القائمة بينهما، فإن عمليات الاندماج الضخمة في أحواض بناء السفن في كوريا الجنوبية والصين تعمل على صياغة واقع جديد في هذا القطاع الصناعي، الذي يدعم صناعة الشحن العالمية.

وتوضح   إليكس فيندلي، الخبيرة في مجال النقل البحري قائلة "بالإضافة إلى الحصة، التي تسيطر عليها شركات البلدين في السوق، فإنهما يحظيان دائما بدعم ثابت وقوي من البنوك الدائنة وأغلبها مملوكة للدولة، وقد قامت البنوك بإنقاذ شركات صناعة السفن مرارا وتكرارا، ولكن شركات صناعة السفن، سواء الكورية الجنوبية أو الصينية تتعرض منذ أعوام لضغوط شديدة لتحسين الأداء".

ـ خطوة الاندماج:

كما "تتنافس الدولتان بشكل مباشر على بناء السفن العملاقة مثل ناقلات الغاز الطبيعي المسال، وأسعار تلك السفن أعلى غالبا مرتين من السفن الأخرى، وتحقق هوامش ربح كبيرة، مشيرة إلى أنه لم يكن هناك من سبيل آخر غير اندماج أحواض بناء السفن، لضمان تعزيز القدرة الإنتاجية عبر خفض التكاليف وزيادة الأرباح".

لكن خطوة الاندماج، التي كانت ستصب بشكل كبير في مصلحة كوريا الجنوبية تلقت صفعة مؤلمة للغاية من الاتحاد الأوروبي  . فقد امتنعت بروكسل عن منح موافقتها على اندماج شركة هيونداي للصناعات الثقيلة مع شركة دايو لبناء السفن والهندسة البحرية، وهي العملية، التي استغرقت ثلاثة أعوام، إذ يخشى الاتحاد الأوروبي أن يعزز هذا الاندماج من القدرة الاحتكارية لصناعة بناء سفن الغاز الطبيعي المسال، من قبل الشركتين الكوريتين الرائدتين في بناء هذا النوع من السفن.

كما يعلق المهندس الاستشاري جي.دي راسل من شركة كاميل ليرد لإصلاح وبناء السفن بالقول "في 2019 طلبت شركة هيونداي للصناعات الثقيلة موافقة الاتحاد الأوروبي على الاستحواذ على شركة دايو، لأن الاتحاد الأوروبي يمتلك مفتاح العملية برمته، من حيث تأثير في السوق في المنطقة والحجم، وتقدمت كوريا الجنوبية بضمانات للأوروبيين بأن الكيان الجديد الناشئ عن عملية الاندماج، لن يضر بالمنافسة العادلة في السوق".

وأشار إلى أن شركة هيونداي قدمت ضمانات للاتحاد الأوروبي من قبيل تجميد تكلفة بناء سفن الغاز الطبيعي المسال خلال فترة زمنية معينة، والاستعداد لنقل بعض التكنولوجيا المتعلقة بهذا النوع من السفن إلى أوروبا إذا منحها الاتحاد الأوروبي موافقته، لكن من الواضح أن كل ذلك فشل الآن، وهذا سيؤثر بشدة في قدرة الكوريين الجنوبيين في تلك الصناعة على الأمد الطويل".

ـ أهداف طموحة:

مع هذا تبدو سيئول عازمة على مواصلة تحقيق أهدافها الطموحة في قطاع بناء السفن العملاقة، إذ وضعت أخيرا خطة جديدة تهدف لأن تهيمن على 75 % من حصة السوق للسفن الصديقة للبيئة مع انبعاثات كربونية أقل أو معدومة بحلول 2030، خاصة مع تأكيد الرئيس الكوري أن صناعة السفن الكورية الجنوبية حققت في 2021 أكبر حجم طلبات في 13 عاما، مؤكدا أن أحواض بناء السفن في كوريا الجنوبية فازت خلال الأشهر الثمانية الأولى من 2021  بطالبات شراء 329 سفينة أو 13.7 مليون طن متري، أي نحو ستة أضعاف الحمولة المتعاقد عليها خلال الفترة ذاتها من 2020 .

وبالطبع لا يتوقع أن يترك الصينيون تلك الكعكة الذهبية تفلت من بين أيديهم، لينفرد بها الكوريون الجنوبيون، أو يتوقفوا عن مواصلة جهودهم لاحتلال رأس قائمة مصنعي السفن العملاقة، فأبرز نقاط الضعف، التي تعرقل الشركات الصينية، وتبطئ منافستها للكوريين الجنوبيين تكمن في ارتفاع أسعار ألواح الصلب في الصين، بسبب الارتفاع الحاد في أسعار خامات الحديد الأسترالية منذ النصف الثاني من 2020، إذ ارتفعت أسعار ألواح الصلب بنحو 35 %، ما يؤثر في تكاليف بناء السفن، ويسبب خسارة للشركات، لأن تكاليف الألواح الفولاذية تحتل نسبة كبيرة من التكلفة الإجمالية.

و يعلق المهندس الاستشاري جي.دي راسل قائلا: "عقود بناء السفن يتم تحديثها كل عدة أشهر، لذلك فإن أحواض بناء السفن لا يمكنها أن تتحمل ارتفاع التكاليف بشكل دائم، أو أن تتحمل بمفردها تلك الزيادة، فهذا يعني باختصار أن تبني السفن وتخسر المال في الوقت ذاته".

لكن عديدا من الخبراء في تلك الصناعة يشيرون إلى أن نقطة الضعف الحقيقية، التي تواجه الصينيين ربما تكمن فيما يمكن أن يطلق عليه التخصص، إذ لا يصب ذلك في مصلحة بكين على الأقل حاليا. فهناك أربعة أنواع رئيسة من السفن المدنية في الوقت الحالي، وكانت أحواض بناء السفن الصينية تبني سفن شحن كبيرة، وناقلات نفط، وبعض أحواض السفن الصينية قادرة على بناء حاويات كبيرة الحجم.

لكن هناك حوض بناء سفن واحد لدى الصين لبناء ناقلات الغاز الطبيعي المسال، هذا النوع الأخير من السفن، إضافة إلى السفن السياحية الفاخرة هو جوهرة التاج في صناعة السفن العالمية، ويبدو أن الكوريين الجنوبيين قد قرأوا المشهد بصورة أفضل من منافسيهم، فعملوا على إثراء قدرتهم الصناعية في اتجاه دعم بناء السفن ذات القيمة العالية، لكن هذا لا ينفي أن المنافسة الشديدة في مجال صناعة بناء السفن حتى ولو أسفرت عن فوز كوريا الجنوبية بكأس البطولة، فإن زيادة الطلبات العالمية على السفن العملاقة في مرحلة ما بعد استئناف نشاط الأسواق العالمية بعد أشهر طوال من الإغلاق بسبب وباء كورونا، يعني أن الصين حتى وان لم تكسب رهان الفوز، لن تخرج خالية الوفاض، وستحصل على نصيب من الكعكة الإجمالية للصناعة يقارب نصيب الأسد الكوري.



التعليقات