أبحاث


كتب فاطيمة طيبى
12 أكتوبر 2021 2:01 م
-
التوتر السنوي للبورصات العالمية وللمستثمرين من أكتوبر كل عام

التوتر السنوي للبورصات العالمية وللمستثمرين من أكتوبر كل عام

 اعداد ـ فاطيمة طيبي

اكتوبر.. شهر القلق بالنسبة لأي مستثمر في سوق الأسهم العالمية عامة والأمريكية خاصة، والبداية مع سبتمبر كانت صعبة خاصة للأسهم العالمية، وكأنها  تمهيدا  لمخاوف، قادمة  مع حلول هذا الشهر،غير ان سبتمبر 2021 ، لازمه عددا من المؤشرات الاقتصادية السلبية  كان في مقدمتها ...

ـ ارتفاع التضخم مدفوعا بالاختناقات الراهنة في سلاسل التوريد.

ـ  زيادة أسعار الطاقة بعد أن تجاوز سعر برميل خام برنت عتبة الـ 80 دولارا لأول مرة منذ ثلاثة أعوام .

فالتضخم يؤدي إلى ارتفاع عائد السندات، في وقت يطلب فيه المستثمرون عائدات أعلى، ومع ارتفاع عوائد السندات تبدو عوائد الأسهم، ولا سيما أسهم شركات التكنولوجيا ، التي تجذب سوق الأسهم العالمية حاليا أقل جاذبية ، ما حدث في شهر سبتمبر، انخفض مؤشر S&P 500، الذي يرصد أداء أكبر 500 شركة مسجلة في بورصات الولايات المتحدة 4.8 %، أكبر تراجع شهري له منذ مارس 2020.

ـ من أين جاءت دورة التوتر السنوي؟ :

ما زاد من حدة التوتر، التي تنتاب المستثمرين مع قدوم أكتوبر، وقلق  الأسواق بشأن سقف الديون الأمريكية، الذي يجب رفعه لتجنب تخلف العملاق الأمريكي سيد الدولار عن سداد ديونه.

الدكتور اندروا باتيل، أستاذ التاريخ الاقتصادي في جامعة ليدز يوضح ان  الأجواء المحيطة بأكتوبر توفر مشاعر غير مريحة مع الشهر عامة، بالنسبة للمستثمرين فإن الشهر يرتبط أيضا بتراجعات مالية وانهيارات في سوق الأسهم أعطت للشهر اسما سيئا لما يزيد على القرن .

ذعر البنوك أو ما يعرف أيضا بذعر المصرفيين وقع في 1907 وتحديدا في الـ14 من أكتوبر، أما في 1929 فهناك ثلاثة أيام في أكتوبر تعرف بـ"الثلاثاء الأسود" و"الخميس الأسود"، وكذلك "الإثنين الأسود"، وكان الشهر بداية للكساد الكبير، الذي استمر لأعوام طوال خلال ثلاثينيات القرن الماضي، وفي 1987 وتحديدا في 19 أكتوبر انخفض مؤشر داو جونز 22.6 % في يوم واحد، ويمكن القول بأنه أسوأ تراجع في يوم واحد تعرض له المؤشر، ولأن 19 أكتوبر كان يوافق الإثنين، فإنه يعرف أيضا باسم "الإثنين الأسود".

ويضيف الدكتور اندروا باتيل قائلا "مؤيدو فكرة تأثير أكتوبر، يشيرون إلى أنه الشهر، الذي حدثت فيه بعض من أسوأ الانهيارات في تاريخ سوق الأسهم، لكن الأدلة الإحصائية لا تدعم القناعة السائدة لدى البعض بانخفاض تداول الأسهم في أكتوبر دائما، إلا أن الترسبات النفسية لتأثير الشهر لا تزال قائمة".

يشير عديد من الدراسات إلى أن هناك مبالغة، فيما يعرف بـ"تأثير أكتوبر"، والتركيز على الأيام لا دلالة إحصائية له، وفي الواقع، فإن الأرقام تشير إلى أن سبتمبر يشهد تراجعا في أداء البورصات أكثر من أكتوبر، ومن ثم فإن الشهر يكون عادة نهاية لمرحلة تراجع موجودة في الأسواق، وليس بداية للتراجع، وإذا كان المستثمرون ينظرون إلى الشهر من منظور سلبي، فإنه يصنع بذلك فرصا طيبة لشراء الأسهم، حيث الأسعار متراجعة.

ـ تواريخ:

  الذي حدث في أكتوبر الأعوام الثلاثة 1907 و1929 و1987، تشير اليه كتب التاريخ الاقتصادي إلى أن ذعر البنوك في أكتوبر 1907 كان أزمة مصرفية ومالية قصيرة الأمد في الولايات المتحدة الأمريكية استمرت لأسابيع معدودة، لكنها تركت بصمة هائلة على النظام المالي الأمريكي، وأسفرت في نهاية المطاف عن تأسيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.

تلك الأزمة لم تكن إلا نتاج انهيار استثمارات المضاربين عالية الاستدانة، تلك الاستثمارات، التي تمت دون أن يكون لها أسس اقتصادية سليمة، روجت لها سياسة التمويل السهلة، التي اتبعتها وزارة الخزانة الأمريكية لأعوام، ولم يكن لدى الولايات المتحدة حينها بنك مركزي، وكانت وزارة المالية الأمريكية قد انخرطت في الأعوام السابقة لذعر البنوك في عملية شراء واسعة النطاق للسندات الحكومية (يتكرر المشهد حاليا عبر سياسة التيسير الكمي)، وألغت المتطلبات بأن تحتفظ البنوك باحتياطيات مقابل ودائعها الحكومية، ما أدى إلى التوسع في المعروض من النقود والائتمان في جميع أنحاء الولايات المتحدة وزيادة المضاربة في سوق الأسهم.

شجعت تلك السياسة البنوك والشركات الائتمانية في نيويورك على تمويل الاستثمارات المحفوفة بالمخاطر، والإفراط في عملية الإقراض والتمويل أسفر مع مرور الوقت عن نقص في السيولة، خاصة مع سحب البنوك الصغيرة في الولايات ودائعها من بنوك نيويورك.

ولكن لا يعرب عديد من محافظي البنوك المركزية والخبراء الاقتصاديين في الوقت الحالي عن تذمرهم من السياسات الأمريكية والدولية الراهنة، التي تتسم بسهولة الاستدانة وانخفاض أسعار الفائدة.

ـ  اختلاف طبيعة الاقتصاد الدولي:

الدكتورة كريستين ماك دين، أستاذة مادة النقود والبنوك في جامعة أدنبرة ترى أن المشهد الاقتصادي الأمريكي وطبيعة الاقتصاد الدولي مختلفة تماما عما كان عليه الوضع 1907.

 وتقول "في ذلك الوقت لم يكن لدى الولايات المتحدة بنك مركزي، الذي بات يعرف لاحقا باسم مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، فعندما حدثت الأزمة أو الذعر بين البنوك تدخل كبار الممولين مثل بنك جي بي مورجان ووضعوا أموالهم على الطاولة لإنقاذ بنوك "وول ستريت" والمؤسسات المالية الأخرى، ونتيجة ذلك وضع أسس للنظام الاحتياطي الفيدرالي".

وتضيف: "ذعر المصرفيين 1907 كشف عن ثغرات هائلة في النظام المالي الأمريكي، فقانون البنوك الوطني الأمريكي الصادر 1864 لم يشمل جميع البنوك، ولم يكن هناك بنك مركزي يضبط الإيقاع المصرفي، ولهذا كان لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي ثلاثة أغراض عند تأسيسه:

ـ العمل كملاذ أخير في عملية الإقراض.

ـ العمل كوكيل مالي للحكومة الأمريكية.

ـ العمل كغرفة مقاصة.

وحول أزمة 1907 وأكتوبر تقول: نعم الأزمة وقعت في  أكتوبر  لكن العوامل المحفزة حدثت قبل ذلك، وفي الحقيقية، فإن الأزمة كان يتوقع أن تنفجر في مارس من نفس السنة، ولكن الأمر تطلب بعض الوقت لتتقلص ثقة المستثمرين في الشركات الائتمانية، ووصل الأمر إلى الذروته. 

مرة أخرى يكرر التاريخ نفسه وفي أكتوبرأيضا، 24 أكتوبر 1929 بدأ المستثمرون القلقون في بيع الأسهم المبالغ في تقييمها بشكل جماعي، وفي يوم واحد تم تداول 12.9 مليون سهم، رقم لم يحدث من قبل في البورصة الأمريكية، وكان كفيلا بانهيارها، خرجت العناوين الرئيسة للصحافة الأمريكية والعالمية في اليوم التالي متشحة بالسواد، وتحمل عنوان "الخميس الأسود"، تحديدا في 29 أكتوبر .

وتم تداول نحو 16 مليون سهم بعد موجة جديدة من الذعر اجتاحت "وول ستريت"، وخسرت السوق في هذا اليوم 14 مليار دولار، وانتهى "الثلاثاء الأسود" والملايين من أسهم الشركات الأمريكية بلا قيمة، أما المستثمرون، الذين اشتروا الأسهم عبر الاقتراض، فإن الأمر لم يقف عند حدود القضاء عليهم ماليا، بل أقدم بعضهم على إنهاء حياته انتحارا هربا من الإفلاس.

بحلول نهاية أكتوبر 1929 انهارت سوق الأوراق المالية، ما أدى إلى محو 40 % من قيمة أسهم الشركات الأمريكية، كان الانهيار يعني إصابة الاقتصاد الأمريكي بالشلل، لأنه لم يقتصر على قيام المستثمرين الأفراد بوضع أموالهم في الأسهم، بل قامت الشركات بالاستثمار في البورصة أيضا، عندما انهارت سوق الأوراق المالية، لم يفقد الأفراد أموالهم فحسب، بل فقدت الشركات أموالها أيضا، وخسر المستهلكون أموالهم بسبب أن البنوك استثمرت تلك الأموال دون إذنهم أو علمهم.

ـ فقدان الثقة:

الباحث في الاقتصاد الأمريكي ارثر جونير يلخص للاقتصادية أسباب الانهيارالاقتصادي في أكتوبر 1929 قائلا: "إدارات الشركات حافظت على الأسعار مرتفعة لتضخيم الأرباح مع إبقاء الأجور وأسعار المواد الخام المحلية ثابتة، والنتيجة أن الطبقة العاملة والفلاحين لم يستفيدوا ماديا من زيادة أرباح الشركات، لهذا تراجع مستوى القدرة الشرائية للقطاع الأكبر في المجتمع، ولم يكن لدى المستهلكين نقود كافية للقيام بشراء ما تنتجه المصانع والمزارع، باختصار لم يكن هناك توزيع عادل للدخل قادر على الحفاظ على الازدهار الاقتصادي المتحقق".

وقبل  أكتوبر  1929 كان هناك استثمارات كثيفة وبمعدلات عالية زادت من القدرة الإنتاجية للمصانع، ومن ثم تشبع الاقتصاد، ولم تساعد السياسات الحكومية حينها على زيادة القدرة الشرائية لدى المواطنين، ما أدى إلى تكدس ضخم للمنتجات.

الأرباح الضخمة، التي حققتها الشركات قبل الكساد الكبير لم تجد قنوات لتصريفها، ولم يكن هناك من وسيلة لذلك غير المضاربة، ومن ثم شهدت البورصة منافسة عنيفة لشراء الأسهم بأسعار تفوق قيمتها الحقيقية.

عندما وقع "الخميس الأسود" أراد رجال الأعمال إنقاذ أنفسهم، فقتلوا النظام ذاته، ففقدان الثقة أخطر ما يتعرض له النظام الاقتصادي، وهذا ما حدث، فقد رجال الأعمال الثقة بالنظام، فأرادوا الفرار منه، وإنقاذ أنفسهم بكسر القيود، التي تربطهم به وهي الأسهم، فجعلوا الأمر أسوأ، وفقدت البورصة والنظام الرأسمالي القدرة على التعافي ولم يكن هناك من بديل غير:

ـ انهيارالسياسات الضريبية، التي ساعدت على زيادة الادخار.

ـ  السياسات النقدية المرتبكة.

ـ  السياسات المتساهلة مع الاحتكارات أسهمت في التركيز الاقتصادي، وجمود الأسواق.

 كل هذا صنع أرضية للكساد الكبير، ولأن النظام العالمي كان يعتمد على الذهب، عبر تبادل ثابت لأسعار صرف العملات، فإن تفاقم الأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة امتد إلى باقي أنحاء العالم، ليصبح الكساد الأمريكي كسادا عالميا.

ورغم هذا يؤكد إرثر جونير أن وقوع الأزمة في أكتوبر لا يعني كثيرا، لأن الانهيار بدأ فعليا في فبراير 1929 عندما رفع الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة، وحظر الاقتراض لشراء الأسهم، لكن طبيعة عمل الميكنزمات الاقتصادية يتطلب بعض الوقت لتظهر النتائج.

ـ ثاني أكبر تراجع :

يستخدم تعبير"الإثنين الأسود" في أغلب الأحيان للإشارة إلى ثاني أكبر تراجع  في النسبة المئوية ليوم واحد في تاريخ سوق الأسهم الأمريكية، والذي حدث في 19 أكتوبر 1987، ففي هذا اليوم انخفض مؤشر داو جونز بنحو 23 %، أما مؤشر S&P500 فتراجع بما يزيد على 20 %   قليلا، واستغرق الأمر عامين حتى يستعيد مؤشر داو جونز خسائره.

وكانت سوق الأسهم سوقا صاعدة جذابة، وذات بريق خاص قادر على استقطاب رؤوس الأموال لمدة خمسة أعوام متتالية، ومنذ بداية العام حتى لحظة الانهيار ارتفعت سوق الأسهم بما يوازي 43 %، ووصل إلى ذروته في أغسطس، وعلى الرغم من أن الأسواق ظلت بعد الذروة، التي وصلتها في أغسطس تحقق نطاق تداول منخفض حتى 2  أكتوبر ، فإن الثقة بقدرة الأسواق على استعادة عافيتها كانت تسود لدى المستثمرين، لكنها تبخرت بعد الثاني من  اكتوبر ، حيث بدأ التراجع السريع، وخلال الأسبوعين السابقين للإثنين الأسود بلغت خسائر سوق الأسهم الأمريكية 15 %، مرة أخرى يرى الخبراء الاقتصاديون أن الأزمة تقع عند فقدان المستثمرين الثقة بالنظام.

وتشير الدكتورة مارجريت جورج، أستاذة النظم الاستثمارية في جامعة لندن إلى النتائج، التي خلصت إليها لجنة الأوراق المالية والبورصات حول أسباب تلك الأزمة الاقتصادية تعلق قائلة: "كانت فترة الثمانينيات من القرن الماضي فترة فضائح متعلقة بعمليات الاندماج والاستحواذ، وكان الكونجرس يرغب في تمرير قانون لتنظيم الأسواق، واحتوى هذا القانون على اقتراح إلغاء الخصم الضريبي للقروض المستخدمة لتمويل عمليات الاستحواذ على الشركات".

 وقدم هذا القانون لأول مرة للكونجرس في 13 أكتوبر 1987 وتم تمريرة 15  أكتوبر ، في تلك الأيام الثلاثة، وعلى الرغم من رفع فقرة الخصم الضريبي ساد شعور بالقلق، و تراجعت أسعار الأسهم 10 %، أكبر انخفاض في ثلاثة أيام في نصف قرن، وكانت الأسهم الأكثر تراجعا هي أسهم الشركات التي كان من الممكن أن تكون المتضرر الأكبر من هذا التشريع".

لكن كثيرا من الأدبيات الاقتصادية تحمل وزير الخزانة حينها جيمس بيكر مسؤولية الأزمة بإعلانه في 16  أكتوبر  أنه سيترك قيمة الدولار تنخفض، على أمل أن يجعل الأسهم أكثر جاذبية للمستثمرين الأجانب، لكن ما حدث هو العكس، إذ عد حاملو الأسهم أن ذلك مؤشر على هشاشة الاقتصاد الأمريكي فأسرعوا بالتخلص مما لديهم من أسهم.

لكن بفضل الضخ المالي، الذي قام به الاحتياطي الفيدرالي للبنوك الأمريكية استقرت الأسواق، ورغم التحسن النسبي في وضع مؤشرات البورصة الأمريكية، فإن تلك الأزمة كانت تدريبا أوليا على أزمة المدخرات والقروض، التي صفعت الاقتصاد الأمريكي بعد عامين والركود الذي أصاب الاقتصاد الدولي 1990-1991.

  بعض الأحداث الاقتصادية الكبرى والمؤلمة وقعت في اكتوبر  واليوم يسعى "وول ستريت" وبعض وسائل الإعلام الأكثر رزانة وعلمية في الخروج من أساطير الفزع المرتبطة    أكتوبر  لإعادة الطمأنينة للمستثمرين بأن الكوارث الاقتصادية تحدث عند فقدان الثقة بالمنظومة القائمة، سواء حدث ذلك في أكتوبر أو أي شهر آخر.

 

 

 



التعليقات