أبحاث


كتب فاطيمة طيبى
19 يناير 2022 11:47 ص
-
هل حدوث الازمة الاقتصادية أمر حتمي لا مفر منه ..؟

هل حدوث الازمة الاقتصادية أمر حتمي لا مفر منه ..؟

اعداد ـ فاطيمة طيبي

دائما ما يصعب التكهن بحدوث أزمة اقتصادية، لكن حاليا يشهد العالم تعافيا من آثار أزمة كورونا، ويبدو أنه يمضي بخطوات ثابتة نحو الانتعاش، أو على الأقل تحقيق نشاط أفضل مما كان عليه  في 2020 .

بيد أن هذا التعافي يأتي ممزوجا ببعض الخوف من خروج التضخم عن السيطرة، مع تدافع المستهلكين نحو الشراء، الأمر الذي قد يكتب نهاية مبكرة للانتعاش أوربما يتسبب في حالة من الركود التضخمي، لكنها مخاوف محدودة حتى الآن ويركز الجميع على مرحلة الارتداد القادم في النشاط الاقتصادي.

ـ الازمة وتداعياتها الممتدة على دول العالم:

لم تكن الأزمات الاقتصادية ظاهرة وليدة الاضطراب المالي العالمي الذي انطلق في أمريكا عام 2007، مسببا زلزالا اقتصاديا واسع النطاق، ولم تكن أيضا جديدة خلال الأزمة الآسيوية في التسعينيات.

الأزمة الاقتصادية لم تكن حتى شيئا جديدا خلال الأزمة الأقوى في العصر الحديث "الكساد الكبير" أو "الكساد العظيم"، الذي ضرب الاقتصاد العالمي في ثلاثينيات القرن الماضي، وكان له تداعيات ممتدة على دول العالم أجمع. ، فحدوث أزمة اقتصادية أمر حتمي لا مفر منه، كل ما في الأمر أن أحدا لا يعلم متى وكيف ستحدث.

قد يكون ذلك بشكل تلقائي، نتيجة الطبيعة الدورية للاقتصاد، أو ربما نتيجة تدخل بشري غير مقصود مثل ازدياد حجم الديون والعجز عن السداد    ، أو ربما بسبب أزمة طبيعية مثل الأوبئة أو الظروف المناخية القاسية أو الزلازل المدمرة.

 ليست كل مشكلة داخل نطاق الاقتصاد يمكنها التأثير عليه، ويمكن اعتبارها أزمة اقتصادية شاملة ،فالأزمة الاقتصادية "اضطراب حاد ومفاجئ في أي جزء من الاقتصاد، قد يكون انهيار سوق الأسهم، أو ارتفاع التضخم أو البطالة، أو سلسلة من حالات فشل البنوك، ويكون لها تأثيرات شديدة على الرغم من أنها لا تؤدي بالضرورة إلى الركود.

في بلد مثل الولايات المتحدة، تشهد أزمة اقتصادية كل 10 سنوات ، يصعب تجنبها نظرا لاختلاف الأسباب في كل مرة؛ الأزمة المالية بين 2008 و2009 كانت بسبب فشل البنوك ومشكلة الرهن العقاري، في عام 2020 السبب كان جائحة كورونا.

غيرأن الأزمة الاقتصادية على الرغم من تداعياتها الحادة، فإنها بالضرورة لا تؤدي إلى تعطل عام للاقتصاد مثل حالات الركود أو الكساد، كما لا يجوز وصف أي أزمة بأنها "انهيار اقتصادي" إلا في حالات معينة.

على سبيل المثال:

ـ  تسببت الأزمة الاقتصادية في ثلاثينيات القرن الماضي بحدوث كساد عميق للاقتصاد العالمي، وانخفض حجمه بنسبة 15% بين عامي 1929 و1932، مع آثار سلبية ممتدة.

ـ خلال الأزمة العالمية بين عامي 2008 و2009، تراجع الاقتصاد بنسبة 1% فقط.

ـ أنواع الأزمات الاقتصادية:

1 ـ  الركود:

 يعني انكماش الاقتصاد (انخفاض حجمه أو ما يعرف بالنمو السالب) خلال ربعين متتاليين (6 أشهر). يعرف أيضا بأنه هبوط حاد في النشاط الاقتصادي لمدة أشهر متتالية.

قد يقع الركود بشكل تلقائي نتيجة الطبيعة الدورية التي يعمل بها الاقتصاد والتي تتشكل من مراحل؛ التوسع ثم القمة ثم الركود ثم القاع ثم التعافي، حيث يبدأ الاقتصاد بالنمو إلى أن يصل إلى ذروته فيقل الطلب بالتزامن مع زيادة الإنتاج، ما يتسبب في صدمة للأسواق.

وهنا يحدث الركود ويستمر إلى أن يصل ضعف النشاط الاقتصادي إلى أدنى مستوى (قاع الدورة الاقتصادية)، وفي هذه المرحلة تكون أسعار السلع انخفضت بشكل هائل، فيبدأ المستهلكون يشترون بكثافة مرة أخرى.

2 ـ الكساد:

يمكن تعريفه ببساطة علي أنه ركود طويل الأمد، أي أن الاقتصاد يظل يتراجع ربما لسنوات، لذا فهو كارثة حقيقية للبلاد، إذ تشير التعريفات إلى أنه يعني تراجع حجم الاقتصاد بنسبة لا تقل عن 10%، وتستمر آثاره لسنوات.

عادة ما يحدث على فترات زمنية متباعدة بخلاف الركود، ويكون نتيجة مجموعة من العناصر المتداخلة في آن واحد، مثل زيادة إنتاج المصانع والشركات بشكل حاد في الوقت الذي يتراجع فيه الطلب بشكل كبير، وينتج عن ذلك قلق كبير لدى المستثمرين.

في هذه الحالة تكون الأسعار مرتفعة ويبدأ المستثمرون في تجنب الشراء، وبسبب خوف المستثمرين ينخفض الإنفاق الرأسمالي، فيقل الإنتاج وفرص العمل، وتزيد البطالة وتتراجع القوة الشرائية للسكان، وهذا هو السيناريو الذي يقع فيه الكساد بشكل طبيعي دون اضطرابات أو تدخلات خارجية.

حدث ذلك عام 1998 في إندونيسيا عندما انخفض حجم اقتصادها بنسبة 18%، فيما تراجع اقتصاد تايلاند بنسبة 15% على مدارعامين خلال التسعينيات.

3 ـ الركود التضخمي:

من بين أنواع الأزمات الاقتصادية الأخرى، هو هذه الحالة النادرة التي يرتفع فيها مستوى البطالة ويزداد التضخم في نفس الوقت، جنبا إلى جنب مع تباطؤ النمو الاقتصادي (ينمو ببطء شديد أو ربما يتراجع).

مع تباطؤ نمو الاقتصاد، تبدأ الشركات في الاستغناء عن بعض موظفيها من أجل توفير الأموال، وبالتالي تتراجع قدرة المستهلكين على الشراء، وينخفض الإنفاق، ويصبح التباطؤ أكثر حدة، وتتعمق الأزمة الاقتصادية، لذا هو من أخطر الأزمات التي قد تعصف بالاقتصاد.

حتى سبعينيات القرن الماضي، لم يكن يعتقد الاقتصاديون أنه من الممكن لحالة مثل هذه (تباطؤ النمو مع تفاقم التضخم في نفس الوقت) أن تقع، حيث ساد الاعتقاد بأن التضخم ناتج عن النمو الاقتصادي الإيجابي.

4 ـ الانهيار الاقتصادي:

لا تعتبر الأزمة الاقتصادية انهيارا إلا عند مرحلة معينة وبعوامل محددة، والانهيار الاقتصادي يعني تدهور الاقتصاد الوطني أو الإقليمي الذي يتبع عادة وقت الأزمة. وببساطة يمكن تعريفه بأنه التداعيات التي تعقب الحالات السالف ذكرها.

يحدث الانهيار الاقتصادي في بداية التراجع الشديد للاقتصاد أو حالات الكساد أو الركود، ويمكن أن يستمر لسنوات عدة اعتمادا على حدة الظروف، يعتبرالكساد الكبيرفي الثلاثينيات من القرن الماضي أحد أسوأ الانهيارات الاقتصادية في التاريخ بسبب تأثيره العالمي.

يمكن أن يحدث الانهيار الاقتصادي بسرعة بسبب حدث غير متوقع، أو قد يسبقه مجموعة أحداث أو علامات تشير إلى هشاشة الاقتصاد، ولا يعتبر جزءا عاديا من الدورة الاقتصادية، وفقا لموسوعات المعلومات الاقتصادية والمالية.

ـ أشهر الأزمات الاقتصادية :

 1 ـ أزمة الائتمان عام 1772:

من لندن انتشرت هذه الأزمة بسرعة إلى بقية أوروبا، في منتصف ستينيات القرن الثامن عشر، اذ جمعت الإمبراطورية البريطانية ثروة هائلة من خلال ممتلكاتها وتجارتها الاستعمارية.

خلق هذا حالة من التفاؤل المفرط وفترة من التوسع الائتماني (الاقتراض) السريع من قبل العديد من البنوك البريطانية، لكن انتهت هذه الفورة بشكل مفاجئ في 8 يونيوعام 1772، عندما فر أحد كبار المصرفيين إلى فرنسا هربا من سداد ديونه.

انتشرت الأخبار بسرعة وأثارت حالة من الذعرالمصرفي، بإنجلترا، وبدأ الدائنون في تشكيل طوابير طويلة أمام البنوك البريطانية للمطالبة بسحب نقدي فوري لأموالهم، انتشرت الأزمة التي تلت ذلك بسرعة إلى اسكتلندا وهولندا وأجزاء أخرى من أوروبا والمستعمرات البريطانية الأمريكية.

زعم المؤرخون أن التداعيات الاقتصادية لهذه الأزمة كانت أحد العوامل الرئيسية للثورة الأمريكية، بحسب موسوعة المعلومات البريطانية "بريتانيكا".

2 ـ الكساد العظيم 1929- 1939:

كانت هذه أسوأ كارثة مالية واقتصادية في القرن العشرين، ويعتقد الكثيرون أن الكساد الكبير نتج عن انهيار سوق الأسهم الأمريكي عام 1929، وتفاقم لاحقا بسبب القرارات السياسية السيئة للحكومة الأمريكية.

استمر الكساد لمدة 10 سنوات تقريبا وأسفر عن خسائر فادحة في الدخل، ومعدلات بطالة قياسية، وخسارة في الإنتاج، خاصة في الدول الصناعية. بلغ معدل البطالة في الولايات المتحدة 25% في ذروة الأزمة عام 1933.

3 ـ صدمة أوبك عام 1973 :

بدأت هذه الأزمة عندما قررت الدول الأعضاء في المنظمة التي تتكون أساسا من الدول العربية  الانتقام من الولايات المتحدة ردا على إرسالها إمدادات الأسلحة إلى إسرائيل خلال الحرب العربية الإسرائيلية الرابعة.

أعلنت دول أوبك حظرا نفطيا، وأوقفت فجأة صادرات النفط إلى الولايات المتحدة وحلفائها، وتسبب هذا في نقص كبير في النفط وارتفاع حاد في أسعاره وأدى إلى أزمة اقتصادية في الولايات المتحدة والعديد من البلدان المتقدمة الأخرى.

ما كان فريدا في الأزمة التي تلت ذلك هو حدوث تضخم مرتفع وركود الاقتصادي في نفس الوقت، وهو ما أشير إليه باسم "الركود التضخمي" ، والذي عرفه الاقتصاديون انذاك لأول مرة، واستغرق الأمر عدة سنوات حتى يتعافى الإنتاج وينخفض التضخم إلى مستويات ما قبل الأزمة.

4 ـ جائحة كورونا 2020:

حتى الان لم يكن الفصل بشكل واضح حول التداعيات الناجمة عن وباء جاحة كورونا، وحجم الأزمة التي شهدها العالم منذ ظهور الفيروس، لكن الثابت حتى الان باعتراف المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي، هو أن العالم شهد في 2020 أسوأ أزمة اقتصادية منذ الكساد العظيم.

أشارت تقديرات صندوق النقد إلى أن العالم شهد تراجعا في اقتصاده بنسبة 4.4% خلال العام 2020، الذي شهد ركودا قويا، خاصة بالتزامن مع الموجة الأولى من الوباء، لكن تقييم التداعيات الباقية خلال العام 2021 و2022 ، ستأخذ بعض الوقت.

ـ ما هي الأزمة المالية العالمية. ؟

تسمى أيضا بالركود الكبير أو الركود العظيم تيمنا بالكساد العظيم، وحدث بين عامي 2007 و2008، كانت هذه أسوأ أزمة اقتصادية منذ أزمة ثلاثينات القرن الماضي وحتى قبل أزمة وباء كورونا التي شهدها العالم في 2020

أدت الأزمة، التي أثارها انهيار فقاعة الإسكان في الولايات المتحدة بسبب الديون الكبيرة، إلى انهيار بنك ليمان براذرز (أحد أكبر البنوك الاستثمارية في العالم انذاك)، ودفعت العديد من المؤسسات المالية والشركات الرئيسية إلى حافة الانهيار، وتطلبت عمليات إنقاذ حكومية.

استغرق الأمر ما يقرب من عقد من الزمن حتى تعود الأمور إلى طبيعتها، مما أدى إلى القضاء على ملايين الوظائف ومليارات الدولارات من الدخل على طول الطريق. أحدثت فوضى في الأسواق المالية في جميع أنحاء العالم.

ـ الفرق بين الأزمة الاقتصادية والأزمة المالية:

نعني بالأزمة الاقتصادية تدهور مباشر في النشاط الاقتصادي للبلاد قد يؤثر على حجم الناتج المحلي الإجمالي وقد يكون لها تداعيات واسعة النطاق وفقا لحجم الأزمة، كما حدث عند ظهور جائحة كورونا.

أما الأزمة المالية حالة تنخفض فيها قيم الأصول المالية بسرعة في الاقتصاد، وتؤثر بشكل مباشر على القطاعين المالي والمصرفي (وهما من مكونات الاقتصاد الكلي)، وفي النهاية قد يكون لها تداعيات على النشاط الاقتصادي وربما ينتج عنها أزمة اقتصادية كما حدث في عام 2008.

ونستنتج بان، الأزمة الاقتصادية، المشكلة التي تضرب النشاط الاقتصادي مباشرة، أما الأزمة المالية المشكلة التي تضرب جزءا منه وتحديدا في القطاع المالي أو المصرفي، ومن ثم قد تتحول إلى أزمة اقتصادية.

 

 

 


أخبار مرتبطة
 
24 أبريل 2024 3:33 متحالف صيني يرغب في إنشاء مدينة نسيجية متكاملة باستثمارات 300 مليون دولار23 أبريل 2024 3:14 موزير المالية: زيادة مخصصات الأجور إلى 575 مليار جنيه في العام المالي الحالي22 أبريل 2024 2:33 متوقعات صندوق النقد الدولي بارتفاع النمو العالمي في 2024 إلى 3.2%21 أبريل 2024 3:12 ملقاءات وزير المالية على هامش اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين بواشنطن17 أبريل 2024 9:43 صواشنطن: التحديات الدولية والإقليمية وتأثيرها على الأسواق الناشئة محاور مناقشة المشاط ومسئولي البنك الدولي15 أبريل 2024 2:34 ممفاعل الضبعة سيحل أزمة انقطاع الكهرباء بمصر وبدء إنتاج الطاقة بداية 202714 أبريل 2024 3:39 مبطاريات الطاقة الشمسية لتخزين الكهرباء7 أبريل 2024 1:23 مالدولة وضعت الحد الأقصى للاستثمارات العامة بتريليون جنيه لإفساح المجال للقطاع الخاص2 أبريل 2024 1:24 مالتيتانيوم .. السلاح الروسي الذي لا يعرفه احد31 مارس 2024 1:04 مأزمة أدوية تضرب العالم.. 26 دولة أوروبية أبلغت عن نقص في الأدوية في 2023

التعليقات