أبحاث


كتب فاطيمة طيبى
8 مارس 2022 2:59 م
-
روسيا : بنوك عالمية معرضة لهزة قوية والديون تجاوزت 100 مليار دولار

روسيا : بنوك عالمية معرضة لهزة قوية والديون تجاوزت 100 مليار دولار

 

اعداد ـ فاطيمة طيبي

ما نتجت عنه العقوبات  قيام كثير من وكالات التصنيف الائتماني إما بخفض التصنيف الائتماني لروسيا إلى وضع غير مرغوب فيه، أو أنها في طريقها إلى القيام بذلك، والسبب الرئيس في ذلك يعود إلى وجود احتمال كبير أن تتخلف روسيا عن سداد ما عليها من التزامات مالية دولية، وقد بات هذا الاحتمال أكثر ورودا الآن مقارنة بأي وقت مضى، نتيجة الضغوط الاقتصادية الحادة التي تتعرض لها موسكو حاليا.

وقد أعلنت مجموعة من البنوك العالمية أن تخلف الحكومة الروسية عن سداد ما عليها من ديون بات "محتملا للغاية".

يقدر إجمالي الديون الروسية للبنوك الأجنبية بما يزيد على مائة مليار دولار، ويثير هذا الرقم عددا من التساؤلات حول المخاطر التي ستتعرض لها البنوك الدولية إذا ما تخلفت روسيا عن سداد ديونها، وهل يمكن أن يؤدي ذلك إلى أزمة سيولة عالمية على غرار 2008، حيث تتوقف البنوك عن إقراض بعضها بعضا.

ـ اجراءات اقتصادية عقابية وتقييدية:

في إطار معاقبة روسيا على تدخلها العسكري في أوكرانيا، أعلنت الولايات المتحدة ودول أوروبية بعض الإجراءات الاقتصادية العقابية والتقييدية التي تستهدف المؤسسات المالية والمواطنين الروس.

من بين أبرز تلك العقوبات:

ـ إزالة بعض البنوك الروسية من نظام رسائل سويفت للمدفوعات الدولية.

ـ تجميد أصول الشركات الروسية وأموال الأثرياء الروس في عديد من الدول الغربية.

ـ  تقييد البنك المركزي الروسي من استخدام احتياطياته الأجنبية البالغة 630 مليار دولار.

كما أن الأزمة الأوكرانية والعقوبات المفروضة على روسيا خاصة قطاعها البنكي، تفسر ما مدى حجم انكشاف القطاع المالي العالمي على البنوك الروسية مع استبعاد عدد منها  من نظام رسائل سويفت للمدفوعات المالية.

  قبل أيام من الحرب الروسية الأوكرانية، حيث عقد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اجتماعا مع عدد من رجال الأعمال الإيطاليين كان من بينهم أندريا أورسيل رئيس بنك يوني كريدت أكبر مقرض في إيطاليا، خلال الاجتماع الذي تم عبر تقنية الفيديو، أخبر بوتين المشاركين في الاجتماع بأنهم يجب أن يشعروا بالراحة قدر الإمكان بشأن السوق الروسية.

 لكن ما إن انهمرت الصواريخ الروسية على أوكرانيا، وتدفقت القوات الروسية عبر الحدود، حتى تراجعت أسهم بنك يوني كريدت الذي يعمل فيه أربعة آلاف موظف في روسيا بأكثر من 13 %، ما يكشف الترابط القائم بين عدد من كبار المصارف في العالم وروسيا.

ـ بنوك و مطالب:

في الواقع فإن البنك الإيطالي لم يكن الوحيد الذي تأثر من أعمال القتال، وفقا لبنك التسويات الدولية الذي يعد ناديا يضم البنوك المركزية في العالم، فإن المقرضين الأجانب لديهم مطالب متعلقة بقيمة 121 مليار دولار على المقترضين الروس.

تعد البنوك الأوروبية أكثر المؤسسات المالية تضررا من العقوبات المفروضة على روسيا، تحديدا المصارف الموجودة في النمسا ،فرنسا وإيطاليا، إذ لدى البنوك الفرنسية والإيطالية مستحقات مالية على روسيا تقدر بنحو 25 مليار دولار، في حين إن البنوك النمساوية لديها 18 مليار دولار تقريبا.

البروفيسور وليم أستون أستاذ النظم المصرفية السابق في جامعة أكسفورد يرى أن البنوك الأوروبية باتت في مرمى النيران الروسية مقارنة بنظيرتها الأمريكية.

ويقول: "إن البنوك الأمريكية أقل تعرضا للخسائر من البنوك الأوروبية عند بحث قضية انكشاف النظام المصرفي العالمي على روسيا، حيث قللت المصارف الأمريكية علاقتها بروسيا منذ دخول موسكو شبه جزيرة القرم 2014، فعلى سبيل المثال على روسيا ديون لـ(سيتي جروب) الأمريكي تقدر بعشرة مليارات دولار، وهذا الرقم يمثل جزءا صغيرا نسبيا من الأصول التي يحتفظ بها البنك وتقدر بـ2.3 تريليون دولار".

ويضيف "يمكن القول إن البنوك الغربية - الأوروبية والأمريكية - أقل انكشافا على روسيا بشكل ملحوظ مقارنة بما كان عليه الوضع قبل عقد من الزمان تقريبا، عندما بلغت القروض الأجنبية واجبة السداد على الشركات والأسر الروسية نحو 275 مليار دولار 2013، لكن بعد ضم شبه جزيرة القرم لروسيا، والعقوبات التي تلت ذلك خفض عديد من المقرضين الأجانب علاقاتهم بروسيا، ومن ثم فإن انفجار أزمة مالية عالمية نتيجة العقوبات التي فرضت على روسيا عامة وعلى البنوك الروسية خاصة أمر غير محتمل، لكن لا يمكن استبعاده".

ـ جزء  كبيرمن النظام المالي العالمي سيتعرض لهزة قوية:

يعتقد الخبراء أن العقوبات المفروضة على البنوك المدعومة من الدولة الروسية، وفصلها عن النظام البنكي للولايات المتحدة وأوروبا، ستجعل من الصعب على روسيا جمع الأموال من الأسواق الخارجية خاصة لمشاريع البنية التحتية، ما يعوق النمو الاقتصادي، لكن تلك القناعة لا تنفي مخاوفهم من أن جزءا كبيرا من النظام المالي العالمي سيتعرض لهزة قوية بسبب الطبيعة المتشابكة للتجارة العالمية، خاصة أن روسيا مصدر أساسي للمواد الرئيسة كالطاقة والمعادن والحبوب، وتجري أعمالا مع شركات ودول في جميع أنحاء العالم.

  يقول جورج فليمينج الباحث في مجال التمويل المصرفي، "التقديرات الراهنة أن البنوك الأوروبية والأمريكية واليابانية قد تواجه خسائر تقدر بـ150 مليار دولار، لكن التأثير الأكبر في تلك البنوك قد يكون عبر الأثرياء الروس، فعلى سبيل المثال سويسرا وقبرص والمملكة المتحدة هي أكثر الوجهات التي يقصدها الأثرياء الروس الذين يسعون لوضع أموالهم في الخارج، ونتيجة العقوبات فإن المؤسسات المالية خاصة المصارف قد تتعرض لخسائر بسبب العقوبات، فمنذ بداية التدخل العسكري تراجعت أسهم بنك نيت ويست ومجموعة لويدز المصرفية بنحو 10 %، ونظرا إلى الترابط الكبير في النظام المصرفي الأوروبي فإن تلك الخسائر يمكن أن تمتد إلى مصارف دول أوروبية أخرى".

ويعتقد جورج فليمنج أن هناك جانبا آخر سيترك بصماته أيضا على البنوك الغربية نتيجة تلك العقوبات المفروضة على روسيا، فمعظم القيادات البنكية ورغبة منها في تجنب الوقوع في مخالفة للقواعد الجديدة في تنظيم العلاقة مع روسيا، ستكون شديدة الحذر في جميع تعاملاتها البنكية الرسمية مع الكيانات الروسية أو الكيانات التي على اتصال مع روسيا، وهذا سيترك بصمة سلبية على القدرة الإقراضية لتلك البنوك، ويمكن أن يؤدي إلى تفاقم اضطرابات التجارة العالمية.

في هذا الإطار، يشير رولنج دال الخبير الاستثماري إلى أن النظام المصرفي الغربي يمكن أن يتأثر بالعقوبات المفروضة على روسيا، لكن من جانب آخر غير جانب العلاقة القائمة مع النظام المصرفي الروسي، إنما عبر الشركات الروسية.

ويؤكد أنه بصرف النظر عن علاقة النظام المصرفي الروسي بالنظام المصرفي الدولي، فإن العقوبات المفروضة على روسيا ستؤدي إلى إصابة عديد من الشركات الغربية التي تتعاون مع روسيا بخسائر كبيرة، وستعمل تلك الشركات الغربية على استرداد أموالها من الشركات الروسية، لكن مع انهيار الروبل 30 % تقريبا، والقيود المفروضة على نظام سويفت، فإن نحو 15 مليار دولار من الديون واجبة السداد من قبل الشركات الروسية لنظيرتها الأمريكية، يحتمل أن ينتهي المطاف بشطبها، ما سيترك بصمات واضحة على البنوك الغربية، مع الأخذ في الحسبان أيضا أن عديدا من صناديق الاستثمار الكبرى لديها أموال في الديون السيادية الروسية، وكذلك أسهم في الشركات الروسية، حيث يتوقع أن تتعرض تلك الصناديق الاستثمارية لخسائر فادحة.

ـ تعاملات خارج الدولار :

 بعض الخبراء المصرفيين يشيرون إلى أن أكثر من نصف الصادرات الروسية ليس مقوما بالدولار، وفي المدى القصير فإن العقوبات لن تترك تأثيرا كبيرا في الاقتصاد الروسي، لأنها لن تؤثر في المعاملات المالية في قطاع الطاقة الذي يعد شريان الحياة للاقتصاد الروسي. ويمكن للمدفوعات باليورو والدولار أن تواصل التدفق على الاقتصاد الروسي، حيث يمكن للصين وبعض الدول الأوروبية مثل قبرص والمجر ورومانيا وبلغاريا استخدام قنوات بديلة للحفاظ على المدفوعات الدولية لروسيا، فنحو 300 مؤسسة مالية روسية تستخدم نظام الرسائل سوفت للمدفوعات المالية.

وهذا النظام يضم أكثر من 11 ألف عضو في 200 دولة، وهو مملوك بشكل مشترك لأكثر من ألفي بنك، ويديره مجلس إدارة يتألف من مديرين تنفيذيين ماليين عالميين، ومعظم معاملات "سويفت" مخصص للمدفوعات بالدولار واليورو والجنيه الاسترليني بنسبة 40 و37 و6 % على التوالي.

وفي بداية هذا العام أصبح الرنمينبي الصيني رابع أكثر العملات استخداما في هذا النظام ويمثل حاليا 3 % من المدفوعات، وينقل نظام سويفت 140 تريليون دولار من المدفوعات سنويا، ومع إخراج عدد من أكبر البنوك الروسية من هذا النظام، فإن بعض الخبراء في الأمن السيبراني يعتقدون أن البنوك الغربية باتت الآن عرضة لهجمات انتقامية من روسيا، ما يهدد النظام المالي العالمي، وهو ما دفع بمسؤولين في البيت الأبيض ووزارة المالية الأمريكية وعدد من كبار المسؤولين في الوكالات الأمنية الأمريكية إلى عقد اجتماع مع رؤوسا البنوك، لبحث قضية تهديدات القرصنة الروسية المحتملة، وتأثيرها في النظام المصرفي الغربي.

 

 



التعليقات