أبحاث


كتب فاطيمة طيبى
14 مارس 2022 3:17 م
-
الأسباب الرئيسة للتضخم الذي سيضرب الاقتصاد العالمي في مرحلة ما بعد الحرب الأوكرانية

الأسباب الرئيسة للتضخم الذي سيضرب الاقتصاد العالمي في مرحلة ما بعد الحرب الأوكرانية

اعداد ـ فاطيمة طيبي

هناك اتفاق بين الخبراء على أن التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا سيؤدي إلى ارتفاع حاد في معدل التضخم العالمي، رغم أن تكلفة المعيشة في عديد من الدول وصلت إلى أعلى مستوى لها منذ أكثر من أربعة عقود.

ـ حدود التضخم:

بلغ معدل التضخم في الولايات المتحدة 7.5 % وفي بريطانيا نحو 5.5 % وفي روسيا 8.73 % والبرازيل 10.38 % وتركيا 48.69 % والأرجنتين 50.7 %، وفي منطقة اليورو المؤلفة من 19 دولة بلغ 5.1 %، وذلك أعلى مستوى منذ 1997. وكان  آخر ما ينتظره  الاقتصاد العالمي صدمة أخرى من نقص الإمدادات، نقص مفاجئ في   من المنتجات الرئيسة كالغاز الطبيعي أو النفط أو الحبوب. ومن المتوقع أن يؤدي تفاقم مشكلة التضخم عالميا إلى زيادة التحديات التي تواجه البنوك المركزية وتحديدا "الفيدرالي الأمريكي"، حيث تحاول البنوك المركزية الكبرى في العالم كبح جماح التضخم ومنع الأسعار من الارتفاع وخروجها عن السيطرة.

ـ ارقام لصادرات الطاقة :

 ما يراه الخبراء ان الأسباب الرئيسة للتضخم  والذي سيضرب بقوة الاقتصاد العالمي في مرحلة ما بعد الحرب الأوكرانية، عودة  روسيا الى الواجهة  في مجال الطاقة، فروسيا أكبر مصدر للغاز الطبيعي في العالم، إذ تصدر نحو 23 مليار قدم مكعبة من الغاز يوميا أي 25 % من التجارة العالمية، منها 85 %    إلى أوروبا. كما أنها ثاني أكبر مصدر للنفط بعد السعودية، حيث تصدر روسيا أكثر من أربعة ملايين برميل يوميا من النفط الخام، أي ما يقرب من 12 % من التجارة العالمية، ونحو 2.5 مليون برميل يوميا من المنتجات البترولية، أي 10 % من التجارة العالمية، و 60 % من صادرات النفط الروسية تذهب إلى أوروبا و30 % إلى الصين.

ونظرا لكانتها المهمة في سوق الطاقة العالمية نجد مخاطر الحرب الروسية - الأوكرانية كبيرة على الاقتصاد الدولي الذي يعتمد على الطاقة حتى يومنا هذا. لكن الصدمة التضخمية التي ستضرب الاقتصاد العالمي في الفترة المقبلة، تدور حول محاور رئيسة، اولها مخاطر التضخم على الاقتصاد العالمي الثاني أثر   قرارات البنوك المركزية، تحديدا "الفيدرالي" في رفع الأسعار .

  يرى البروفيسور ستيف بلاك سميث أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة لندن أن الحرب الروسية - الأوكرانية ستغير المشهد الاقتصادي العالمي، فخلال العقد الماضي، تجاهل الاقتصاد العالمي والأسواق المالية المخاطر والاحتقان الجيوسياسي العالمي، لكن المرجح الآن أن يكسر التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا هذا النمط، حيث إن العقوبات الدولية المفروضة على روسيا تؤدي إلى عزل الاقتصاد الـ11 في العالم،   أكبر منتجي السلع الأساسية، مما ينتج عنه    ارتفاع التضخم وتراجع النمو مع اضطرابات،   محدودة نسبيا في الأسواق المالية. ويضيف ان  مكانة روسيا وأوكرانيا الاقتصادية  في مساهمتهما بإنتاج العديد من السلع الأساسية الضرورية لتحريك الاقتصاد الدولي، وأبرزها النفط والغاز الروسي بالاضافة الى  المعادن، والقمح .

ـ النفط والغازسيقودان الارتفاع المقبل في معدلات التضخم:

 بالفعل فقد ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا 70 % منذ التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، كما قفزت أسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة منذ 2014، كما أن بعض الدول ستتأثر أكثر من غيرها، فالاتحاد الأوروبي يعتمد على الغاز الروسي 50 % من إمدادات الطاقة، ويصل في جمهورية التشيك ولاتفيا إلى 100 %، بينما تعد ألمانيا من أكثر دول الاتحاد الأوروبي اعتمادا على مصادر الطاقة الخارجية في العقدين الماضيين 67 %، نتيجة تقليص إنتاجها من الطاقة النووية.

وعلى الرغم من ثقة معظم الخبراء بأن روسيا ستواصل إمداد الغرب باحتياجاته من الغاز والنفط، حيث تجني يوميا 700 مليون دولار، الا ان  إم. سي. كريس الباحث الاقتصادي في مجال الطاقة يعلق   قائلا "لدى بوتين مصلحة قوية في الحفاظ على تدفق الغاز والنفط الروسي لأوروبا، أما الغرب فلديه مصلحة قوية في الشراء، وإذا اختل هذا الوضع فإننا سنشهد أكبر كارثة تضخمية منذ عقود طويلة". ويضيف "حتى لو استمرت عمليات الضخ، فإن معدل التضخم بعد الحرب سيكون أعلى بشكل كبير مما كان متوقعا، وسيستمر لفترة أطول كثيرا". وإذا كان النفط والغاز القناة الأولى التي ستقود إلى الارتفاع المقبل في معدلات التضخم، فإن روسيا تعد لاعبا كبيرا في سوق النحاس والألمنيوم والبلاديوم، وقد تؤدي الاضطرابات في الإنتاج أو تسليم العقود المتفق عليها، إلى الإضرار بصناعة السيارات وكذلك الهواتف المحمولة، وتعد شركة إم سي نوريلسك أكبر منتج للبلاديوم في العالم حيث تمتلك - وفقا لبعض التقديرات - نحو 40 % من إجمالي الإنتاج العالمي.

كما أن روسيا منتج رئيس لمادة اليوريا والبوتاس والأسمدة، وهذا يعني أن نقص الإمدادات الروسية في تلك المواد كفيل بإحداث هزة كبيرة في الاقتصاد الدولي نتيجة الارتفاع المتوقع للأسعار.

ـ ارتفاع الأسعار:

مع هذا يرى الدكتور هاري أرثر أستاذ مادة المحاصيل في جامعة جلاسكو أن ارتفاع الأسعار سيتركز بشكل أساس على الحبوب خاصة القمح وسيؤثر بقوة في ميزانيات الدعم الحكومي للطعام خاصة في دول العالم الثالث.

ويقول "إنه من المتوقع ارتفاع أسعار الغذاء بعد أن قفزت أسعار القمح إلى أعلى مستوى منذ 2008، فمنذ منتصف العقد الماضي تفوقت روسيا على الولايات المتحدة وكندا لتصبح أكبر مصدر في العالم، بينما حظيت أوكرانيا بالمركز الخامس عالميا بما يلقب سلة الخبز الأوروبي، ونظرا إلى أن أوكرانيا تصدر نحو 95 %   من إنتاجها من القمح عبر موانئها على البحر الأسود، فإن حصار الأسطول الروسي للموانئ الأوكرانية يعني حرمان الأسواق العالمية من حصة ضخمة من القمح، وإذا استمرت تلك الأزمة لشهور فإن معدلات التضخم ستقفز قفزات موجعة لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتركيا وبنجلادش، وجميعها يعتمد على القمح الروسي والأوكراني".

مع هذا ترى تشارلوت إيان نائبة رئيس اتحاد الشحن البحري أنه على الرغم من أن أسعار الطاقة المرتفعة ستمثل أكبر مصدر للضغوط التضخمية، إلا أن الاضطرابات الجديدة في طرق التجارة ستضيف مزيدا من التكاليف وأوقات التسليم إلى الشركات، ما سيسهم في ارتفاع أسعار السلع. وتؤكد أن هذا الصراع له تأثير خاص في صناعة الشحن التي عانت بالفعل نقص الحاويات ووباء كوفيد وانسداد مجرى قناة السويس، كما "يجب أن نأخذ في الحسبان ما أشارت إليه غرفة الشحن الدولية من أن ما يقرب من 15 % من البحارة في العالم من الروس والأوكرانيين، وغالبا ستتأثر سلاسل التوريد والتكاليف إذا تم تقييد حرية الحركة لمثل هذا الجزء الكبير من القوة العاملة". وإذا كانت تلك هي القنوات الرئيسة التي ستغذي التضخم في الاقتصاد العالمي في الأشهر المقبلة.

ـ بالمخاطر المتوقعة على الاقتصاد الدولي نتيجة ارتفاع معدلات التضخم:

 تبدو الملاحظة البارزة في الوقت الراهن تغير المزاج العام بين الخبراء قبل الحرب الأوكرانية وبعدها فيما يتعلق بشأن معدل التضخم وأمده. فبينما كانت أغلب التقديرات تشير إلى ارتفاع التضخم من أبريل المقبل لبضعة أشهر مع انحساره في منتصف العام، فإن الحرب الروسية - الأوكرانية تجعل أغلب التوقعات تشير الآن إلى أن معدلات التضخم ستكون أعلى من المتوقع ولفترات زمنية أطول. لكن   الحرب تأتي في الوقت بدأت فيه أوروبا في التعافي الاقتصادي من جائحة كورونا.

ويعلق ديفيد فيليب الباحث الاقتصادي قائلا "التوتر الجيوسياسي العالمي، والتضخم سيؤديان إلى تراجع معدل نمو الاقتصاد الدولي بمقدار نقطة مئوية، وقد خفض بنك جي بي مورجان توقعاته للنمو في الربع الأول من هذا العام لمنطقة اليورو نتيجة الحرب من 1.5 % إلى 1 % فقط". كما ان ارتفاع الأسعار لن تقف تأثيراتها على نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي، إنما يمكن أن تمتد إلى التجارة الدولية التي قد تواجه تراجعا في معدلات النمو نتيجة تراجع الاستهلاك الذي سيتأثر بشدة بارتفاع الأسعار".

مع هذا يرى بعض الخبراء أن المخاطر الناجمة عن زيادة نسب التضخم العالمية، قد تسفر عن أضرار بسوق العمل والقدرة الاستثمارية للشركات في الوقت ذاته، إذ يمكن أن تسفر زيادة أسعار السلع وتراجع معيشة الطبقات العاملة عن ضغوط من قبل النقابات العمالية لرفع الأجور، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى عمليات تسريح للعمال حتى تستطيع الشركات التأقلم مع ميزانيات الأجور.

كما أن معدلات الربح يمكن أن تنخفض سواء لزيادة الأجور أو تراجع الاستهلاك العام نتيجة ارتفاع أسعار السلع والخدمات، ما سيضعف القدرة على توسعات  الشركات والتراجع عن دعم الاستثمار  ، يضاف إلى ذلك أن العلاقات الاقتصادية العالمة الإيجابية هي نتيجة تعاون دولي بين النظم المختلفة، ولا شك أن العقوبات الدولية التي ستتعرض لها روسيا توجد مناخا من عدم الثقة الدولية، وهذا سبب آخر يضاف إلى التضخم يمكن أن تكون له نتائج سلبية على الاقتصاد الدولي.

ـ  تحدي البنوك المركزية للتعامل مع الوضع :

تطرح إيفلين توم الاستشارية في بنك إنجلترا وجهة نظرها في هذا الشأن بالقول "التريث" هو الحل. ربما تكون الإجابة النهائية أو الحل الأخير لمواجهة التضخم ، رفع أسعار الفائدة، لكن الإسراع برفعها الآن ربما يزيد المشهد تعقيدا، ويؤدي إلى انسحاب رؤوس الأموال من أي عملية استثمارية، علينا مراقبة البيانات وتحديدا التوظيف وإنفاق المستهلكين والضغوط التضخمية، إذ يمكن أن تتحمل الشركات جزءا كبيرا من ارتفاع الأسعار، على أمل الإبقاء على التضخم منخفضا وكذلك أسعار الفائدة، ما يساعدها على الاقتراض والتوسع ،إذا لم يكن هناك من سبيل أمام (الفيدرالي الأمريكي) للتغلب على مشكلات سلاسل التوريد وارتفاع أسعار النفط والغاز سوى رفع أسعار الفائدة لامتصاص القوى التضخمية، فإن عليه القيام بذلك، لكن تدريجيا".




التعليقات