أبحاث


كتب فاطيمة طيبى
27 أبريل 2022 12:14 م
-
أزمة الديون الروسية تتسلل للنظام المالي العالمي وسداد ديونها بالرويل لا يزال محل جدل

أزمة الديون الروسية تتسلل للنظام المالي العالمي وسداد ديونها بالرويل لا يزال محل جدل

اعداد ـ فاطيمة طيبي

 ردت وزارة المالية الروسية السادس عشر من شهر مارس 2022 على توقعات وكالات تصنيف ائتمانية عالمية أن تتخلف روسيا نتيجة العقوبات الغربية عن سداد ديونها بالعملة الأجنبية عمليا، حيث أعلنت أنهاك

ـ  أودعت 117 مليون دولار دفعة من فوائد مستحقة على سندات مقومة بالدولار للدائنين.

ـ  ا حولت الأموال بالدولار الأمريكي إلى بنك جي بي مورجان تشيس، الذي يعمل كوسيط أو بنك "مراسل" بين موسكو والمستثمرين الذين يمتلكون سندات الحكومة الروسية.

ـ بنك جي بي مورجان، من جانبه، أحال الدفعة الروسية إلى سيتي بنك المسؤول عن توزيع الفوائد على المؤسسات المالية الفردية.

ـ الديون والفوائد:

 هذه الخطوة الروسية  والتي اعتبرها البعض محاولة لإلقاء الكرة في ملعب خصومها، إذ اكد وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف على وسائل الإعلام الروسية بأنه وعلى الرغم من إيداع بلاده ما عليها من فوائد ديون لحاملي السندات الروسية في البنوك الأمريكية، فإن الدائنين ربما لا يحصلون على مستحقاتهم المالية، حيث ان حكومات بلادهم جمدت حسابات الحكومة الروسية بالعملة الأجنبية.

  المشكلة لا تتعلق بروسيا، بل على الدائنين الضغط على حكوماتهم لرفع العقوبات التي أدت إلى تجميد الحسابات الروسية الخارجية بالعملة الأجنبية.

واضاف وزير المالية الروسي "الادعاءات بأننا  لا نستطيع الوفاء بالتزامات ديوننا   السيادية غير صحيحة، وإن لديناا الأموال اللازمة لخدمة التزاماتنا  .. وإن خصوم روسيا يريدون إحداث نوع من الفوضى المصطنعة بعدم قدرة موسكو على سداد ديونها بالعملة الأجنبية". لكن الخطوة الروسية لم تفلح في إقناع وكالات التصنيف الائتماني وفي مقدمتها وكالة فيتش، بتغيير قناعتها بأن تخلف روسيا عن سداد ما عليها من ديون سيادية بات "وشيكا"، ما دفعها إلى تخفيض التصنيف الائتماني للسندات السيادية الروسية. الأمر لم يقف عند وكالات التصنيف الائتماني إذ أعلنت كريستالينا جورجيفا مديرة صندوق النقد الدولي أن تخلف روسيا عن سداد ديونها "حدث محتمل".

ـ  ما قصة الديون الروسية وهل من الممكن من تفجير أزمة مالية عنيفة:

الدكتور أيه. دي ستيفي أستاذ الاقتصاد الدولي في مدرسة لندن للتجارة يعلق قائلا، "ديون روسيا تنقسم إلى قسمين:

ـ القسم  الأول على الحكومة الروسية وتصل إلى نحو 40 مليار دولار وتحديدا 38.5 مليار دولار من الديون المقومة بالدولار واليورو، ونصف هذه السندات مملوكة لمستثمرين أجانب.

ـ   القسم الثاني ديون الشركات الروسية وتصل إلى 100 مليار دولار من الديون بالعملات الأجنبية".

ويضيف "الـ117 مليون دولار دفعة فوائد ديون السندات التي وضعتها الحكومة الروسية في بنك جي بي مورجان تشيس أخيرا، لا تعني أن روسيا ستكون قادرة بالضرورة على مواصلة القيام بذلك، فقد أصبحت معزولة بشكل متزايد عن الأسواق المالية العالمية، وجزء كبير تقريبا يقدر بنصف الاحتياطي الروسي من العملات الأجنبية بات مجمدا، حتى لو قامت بسداد ما عليها من مدفوعات بالروبل الذي فقد نحو 40 % من قيمته مقابل الدولار، فإن العقوبات الاقتصادية ستجعل من الصعب على المقرضين الغربيين الوصول إلى الروبل، إذا كانت لهم حسابات بنكية في روسيا، حيث إن التواصل بين البنوك الروسية والغربية بات شبه مقطوع".

مع هذا لا يتوقع الخبراء أن يتسبب تخلف الشركات الروسية عن سداد ما عليها من ديون، حيث تبدو الحكومة قادرة نسبيا   حتى الآن على الأقل  على سداد ما عليها، في أزمة للاقتصاد الدولي، إذ لا تعد الديون الروسية ضخمة بالنسبة إلى إجمالي الدين العالمي الذي قدره معهد التمويل الدولي بأنه بلغ 303 تريليونات دولار العام الماضي 2021 ، ويعود ذلك إلى أن موسكو خفضت اعتمادها على التدفقات الرأسمالية العالمية بعد أن فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها عقوبات عليها بعد ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، ومنذ ذلك الحين قلصت روسيا ديونها الخارجية بشكل حاد، إلى ما يقرب من النصف تقريبا.


ـ  عدم تاثرالنظام المصرفي العالمي:

من هذا المنطلق ترى جوليا فيليب الخبيرة المصرفية أن النظام المصرفي العالمي لن يتأثر "بشكل مباشر" إذا تخلف الروس عن سداد ديونهم، فالانكشاف المالي في منطقة اليورو   حيث أكبر الدائنين لروسيا  يبدو محدودا ويمكن التحكم فيه، حيث إن سندات الدين الروسية والأوكرانية شكلت نحو 0.5 % فقط من حيازات ديون صندوق الاستثمار في منطقة اليورو، مع هذا فإن إعلان روسيا بشكل رسمي عدم قدرتها على السداد يمكن أن يكون له تأثير حاد و"غير مباشر" في النظام المصرفي الدولي.

وتقول البنوك في ثلاث دول أوروبية فرنسا إيطاليا والنمسا هي التي ستتأثر بشدة إذا ما امتنعت روسيا عن سداد ما عليها من ديون، حيث إن بنوك تلك البلدان الثلاثة هي الأكثر إقراضا لروسيا، وإذا نجحت حكومات البلدان الثلاثة في احتواء أزمة بنوكها، فإن الاقتصاد العالمي وتحديدا في شقه المالي لن يشعر بتأثير كبير جراء امتناع الروس عن سداد ديونهم، لكن إذا فشلت عملية احتواء المضاعفات السلبية للخطوة الروسية على بنوك البلدان الثلاثة، فإن الأزمة يمكن أن تتسع وتنتقل من تلك البلدان إلى مجمل النظام المصرف الأوروبي، ومن ثم إلى نظيره الأمريكي نظرا للترابط الشديد في النظام المصرفي الغربي".

ـ السداد بالروبل ورقة ضغط لدى الجانب الروسي:

يعد بعض الخبراء الغربيين أن مجرد مناقشة الفكرة بين الدائنين سيعد بمنزلة نصر أولي للجانب الروسي، لأنه يكشف عن قلق عميق لدى الدائنين باحتمال عدم حصولهم على أموالهم، وأن يشعروا بخطر حقيقي من احتمال حدوث زيادات هائلة في إعداد الشركات الروسية التي ستتخلف عن السداد، ما سيتسبب في صعوبات للبنوك الأجنبية في بعض الدول الأوروبية، وتلك تحديدا الورقة التي تنوي موسكو استخدامها للضغط على خصومها.

لكن الأمر لا يبدو بهذه السهولة أيضا بالنسبة إلى الروس، فالسماح للشركات أو الأفراد الروس بسداد قروضهم الخارجية بالروبل وليس بالعملات الأجنبية، يعني أن البنك المركزي الروسي يتخلى ولو نسبيا عن جزء من صلاحياته في إدارة العملة الوطنية لمصلحة البنوك الأجنبية، التي ستكون لها كلمة في المعروض من العملة الروسية من خلال طلبها على الروبل.

من جهته، يقول توماس كرستوفر باحث الاقتصاد في بنك إنجلترا :"بصفة عامة عند سداد الديون فإن القضية لا تتعلق فقط بالقيمة وإنما أيضا بالعملة، ويزداد الأمر تعقيدا في الحالة الروسية الراهنة، بمجرد استرداد أحد البنوك الإيطالية التي أقرضت روسيا في الماضي باليورو قيمة القرض ولكن بالروبل فلن يكون أمامه غير خيارين:

ـ  الخيار الأول: الاحتفاظ بالروبل، وهذا خيار مقبول إذا كانت قيمة الروبل تتصف بالثبات أو التغير الطفيف انخفاضا أو ارتفاعا، ولكن إذا كانت أغلب التوقعات تشير إلى أن قيمة الروبل ستواصل الانخفاض، فإن البنك سيكون في مأزق حقيقي، فماذا يفعل بكل تلك الروبلاتز

ـ  الخيار الثاني: على البنك الإسراع ببيع ما لديه من عملة روسية في الأسواق الدولية مقابل اليورو، ولكن إذا قامت كل البنوك التي أقرضت روسيا وحصلت على قروضها بالروبل بالنهج ذاته وفي الوقت نفسه أو أوقات متقاربة، فإن قيمة الروبل ستنخفض بشدة وستخرج جميع تلك البنوك وقد تعرضت لخسائر شديدة".

هذا تحديدا السبب الذي يدفع موسكو إلى التلويح بورقة السداد بالروبل، فهي تعلم جيدا أن البنوك الأوروبية التي أقرضتها إذا قبلت بالروبل بديلا عن اليورو والدولار وغيرهما من العملات الأجنبية، خشية ألا تستطيع روسيا السداد، فإن تلك البنوك هي نفسها التي سيكون لها مصلحة في ضمان ألا يفقد الروبل قوته أمام اليورو أو الدولار، وهي التي ستعمل على دعم الاقتصاد الروسي لتجنب انخفاض قيمة الروبل.

لكن قبول البنوك الأجنبية بالمقترح الروسي لا يزال محل جدل.

ـ القضية شديدة التعقيد:

ويؤكد الدكتور اليوت كريس أستاذ القانون الدولي في جامعة جلاسكو أن القضية شديدة التعقيد، وأن البعض قد يجادل بأن البنوك الأجنبية من حقها رفض الروبل لكن الأمر ليس بهذه البساطة، نعم سيكون الدائنون قادرين على مقاضاة روسيا والحصول على حكم، لكنها ستكون عملية طويلة وشاقة ولا يعرف أحد ما النتائج.

إذا تصاعد النزاع وقرر الجانب الروسي عدم السداد حتى يتم إصدار قرار المحكمة لو رفعت القضية الى المحكمة  فإن التداعيات الاقتصادية ستكون مربكة للجميع، خاصة أن بعض السندات الروسية الصادرة في الأعوام الأخيرة تحتوي على أحكام تسمح بالسداد بعملات أخرى بما فيها الروبل، إذا لم تتمكن روسيا من سداد المدفوعات بالدولار لأسباب (خارجة عن إرادتها) وهنا سندخل في جدال عقيم هل كانت الحرب على أوكرانيا خارجة عن إرادتها، حيث إن أوكرانيا أرادت الانضمام إلى حلف الناتو ما يمثل تهديدا للأمن القومي الروسي أم لا.

حتى الآن واصلت الحكومة الروسية والشركات الروسية سداد مدفوعات الديون، لكن إن صدقت التنبؤات بتراجع الاقتصاد الروسي 30 % هذا العام، ومع إعاقة عديد من الصادرات الروسية بسبب العقوبات، فإن الشركات الروسية ستعاني عند سداد مديونياتها.

لكن الضرر لن يقع عليها بمفردها، حيث أشارت وكالة موديز للتصنيف الائتماني إلى أنه من المتوقع أن يخسر المستثمرون ما يصل إلى 65 % مما استثمروه في السندات الحكومية الروسية، حتى بعد أي تسوية نهائية بينهم وبين روسيا.

ويبدو ذلك واضحا في إعلان شركة بلاك روك أكبر شركة لإدارة الأصول في العالم، بأنها خسرت 17 مليار دولار من استثماراتها في الأسهم والسندات الروسية، كما سجل أكبر صندوق متداول في البورصة موجه إلى روسيا انخفاضا بنحو 79 % ، أما البنوك التي باعت تأمينا ضد احتمال تخلف روسيا عن سداد ديونها السيادية فهي في أشد القلق من أن يتخلف الروس عن سداد ديونهم.

على أي حال لا يمكن الجزم بتفاصيل المشهد كله بشكل حاسم ونهائي الآن، فعلى روسيا مبلغ 615 مليون دولار من مدفوعات الفوائد المستحقة و عليها دفعة بقيمة ملياري دولار خلال أبريل 2022 ، إذ سيكون عليها سداد أول دفعة رئيسة لقيمة السند بالكامل .

 

 


أخبار مرتبطة
 
24 أبريل 2024 3:33 متحالف صيني يرغب في إنشاء مدينة نسيجية متكاملة باستثمارات 300 مليون دولار23 أبريل 2024 3:14 موزير المالية: زيادة مخصصات الأجور إلى 575 مليار جنيه في العام المالي الحالي22 أبريل 2024 2:33 متوقعات صندوق النقد الدولي بارتفاع النمو العالمي في 2024 إلى 3.2%21 أبريل 2024 3:12 ملقاءات وزير المالية على هامش اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين بواشنطن17 أبريل 2024 9:43 صواشنطن: التحديات الدولية والإقليمية وتأثيرها على الأسواق الناشئة محاور مناقشة المشاط ومسئولي البنك الدولي15 أبريل 2024 2:34 ممفاعل الضبعة سيحل أزمة انقطاع الكهرباء بمصر وبدء إنتاج الطاقة بداية 202714 أبريل 2024 3:39 مبطاريات الطاقة الشمسية لتخزين الكهرباء7 أبريل 2024 1:23 مالدولة وضعت الحد الأقصى للاستثمارات العامة بتريليون جنيه لإفساح المجال للقطاع الخاص2 أبريل 2024 1:24 مالتيتانيوم .. السلاح الروسي الذي لا يعرفه احد31 مارس 2024 1:04 مأزمة أدوية تضرب العالم.. 26 دولة أوروبية أبلغت عن نقص في الأدوية في 2023

التعليقات