أبحاث


كتب فاطيمة طيبى
10 أغسطس 2022 1:10 م
-
تراجع رغبة الشركات في الحصول على تمويل جديد وضخ مزيد من الاستثمارات

تراجع رغبة الشركات في الحصول على تمويل جديد وضخ مزيد من الاستثمارات

اعداد ـ فاطيمة طيبي

تاثير وباء كورونا على المشهد الاقتصادي العالمي، ادى الى نتيجة حتمية في ارتفاع ديون الشركات الا ان  مخاوف من عدم قدرتها على سداد ديونها ، تراجعت نوعا ما بسبب ضخ مزيد من الاستثمارات عبر مزيد من القروض. الا ان الامر لم يدم طويلا بارتفاع ، معدلات التضخم، واسراع البنوك المركزية بالعمل على التغالب عليها برفع أسعار الفائدة، وبعد أن كان الشاغل سبل مكافحة التضخم، لاح في الأفق قلق مشحون بالتوتر على ان التضخم سيصاحبه ركود اقتصادي، له اثاره السلبية على الدول و على ديون الشركات .

نتيجة الأزمة المالية التي ضربت العالم الغربي في 2008 ، ديون الشركات بدات في الصعود في 2010 ، وبفضل أعوام طوال من سياسات التيسيرالمالي وخفض أسعار الفائدة إلى مستويات متدنية للغاية، وصلت في بعض الأحيان إلى أقل من الصفر، بدأ الاقتصاد العالمي خاصة الأمريكي في التعافي، والا انه وفي الربع الثالث من 2019 وصلت الديون المستحقة على الشركات إلى مستويات قياسية جديدة.

تغير نسبي من شهر مارس الماضي 2022 ، فعبء الديون العالمية للشركات تراجع لأول مرة منذ ثمانية أعوام بنسبة   2 % تقريبا، مسجلا بذلك أول انخفاض سنوي في المديونية منذ 2014، وسط توقعات بسداد الشركات لمبلغ 270 مليار دولار إضافية حتى  شهرمارس  2023 ر بناء على مستويات الديون المستحقة وتوقعات إصدارها.

ـ تراجع رغبة الشركات في الحصول على تمويل جديد:

وقالت  مونيكا أرثر الخبيرة المصرفية إن "هناك قدرا لا بأس به من التباين في مستويات الديون بين الشركات، ويكشف تحليل البيانات على مستوى كل شركة أن بعضا من أكبر الشركات العالمية، لا سيما تلك العاملة في مجال تكنولوجيا المعلومات، وخدمات الاتصالات، والرعاية الصحية، كانت تقود زخم الديون منذ 2010، ولحسن الحظ يبدو الآن أن هذه المجموعة في وضع أفضل في قدرتها على السداد من نظرائها في القطاعات الأخرى".

ويستند منطق هذا التحليل إلى الطريقة التي استجابت بها الشركات لصدمة وباء كورونا، إذ مددت كبرى الشركات المدينة آجال استحقاقها المالي، مستغلة انخفاض التكلفة الحقيقية للديون نظرا لانخفاض أسعار الفائدة في ذلك الوقت، أما الآن فإن الوضع يختلف، فتكلفة الائتمان الجديد مرتفعة بسبب رفع البنوك المركزية أسعار الفائدة لمواجهة التضخم، ما يعني انخفاض رغبة الشركات في الحصول على تمويل جديد، وتفضيلها سداد ما عليها من ديون وتأجيل توسعها الرأسمالي في ظل مؤشرات الركود التي تحلق في الأجواء.

وقال البروفيسور مريك تومي أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة بلفاست، يؤكد أن قضية ديون الشركات أكثر تعقيدا من ذلك، فالنظام الرأسمالي أسهم في تطوير ما يصفه بإدمان الشركات على الديون، وتحديدا في العقود الخمسة الأخيرة، سواء عبر النظام الضريبي أو أسعار الفائدة المنخفضة، وحفز ذلك صناديق التقاعد وشركات التأمين على شراء سندات الشركات بكميات كبيرة، ومن وجهة نظره ساعد ذلك الاقتصادات الرأسمالية الكبرى مثل الولايات المتحدة، بريطانيا، واليابان على زيادة قدرتها التنافسية عبر ضخ رؤوس أموال ضخمة في الشركات.

كما إن هذا الوضع يبدو إيجابيا عند الانتعاش، في حين عند أوقات الأزمات مثل ما حدث نتيجة وباء كورونا والى حد ما بسبب التداعيات الناجمة عن الحرب الروسية - الأوكرانية، نجد ان  هشاشة الاقتصاد المبني على الديون يصبح شديد الخطورة، إذ ربما يدخل الاقتصاد الدولي مرحلة يكون النمو الاقتصادي فيها أضعف مع ديون مرتفعة، وعدم قدرة من الشركات على سداد ما عليها من مستحقات مالية .

الا ان الحديث عن ديون الشركات، فالأمر من وجهة نظر كثير من الخبراء يبدو شديد العمومية.

منذ سنة  2000 نما إجمالي الديون طويل الأجل لأكبر 1000 شركة غير مالية من حيث القيمة السوقية بنسبة 10 % ليقدر إجمالي ديونها بستة تريليونات دولار تقريبا، وارتفعت ديون تلك الشركات بوتيرة أسرع في 2020 وصلت إلى نحو 14.5 % مقارنة بـ  2019، و 5 % فقط من هذه الشركات الـ1000 مسؤولة عن 30.7 % من إجمالي الديون طويلة الأجل للمجموعة، وهي نسبة أعلى بكثير مما كان عليه الوضع قبل عشرة أعوام.

ـ الإنفاق الرأسمالي لم يواكب الديون في كثير من الأحيان:

من جانبه، أوضح ديفيد إيرك الخبير في التحليل المالي، إن "ثلاث قطاعات وهي:

ـ  تكنولوجيا المعلومات.

ـ خدمات الاتصال.

ـ  والرعاية الصحية

 قادت نمو الديون منذ 2010 خاصة في أعوام كورونا، وذلك بما يتفق مع الأهمية المتزايدة لهذه القطاعات في النشاط الاقتصادي والتجاري الأوسع، وبلغ متوسط النمو السنوي للديون طويلة الأجل في القطاعين الأول والثاني 20% و13.4 % على التوالي، ليس ذلك فحسب فقد زادت هذه القطاعات بسرعة من ديونها حتى أثناء الوباء، وارتفاع الديون في هذه القطاعات ليس مفاجئا لامتداد تأثيرها إلى قطاعات أخرى، كما يلاحظ أن حصة الصناعات والمرافق في الديون طويلة الأجل انخفضت بما يتماشى مع مساهمتها في الاقتصاد الأوسع .

وحول قدرة الشركات على سداد ما عليها من ديون، فإن الأمر لا يزال محل جدل بين الخبراء، إذ يربط كثير منهم تلك القدرة بعدد من المتغيرات بينها معدل النمو الاقتصادي وأسعار الطاقة، فلا شك أن تراجع النمو الاقتصادي تحت وطأة التضخم أو الركود أو الاثنين معا سيؤدي إلى تقلص قدرة الشركات على سداد ديونها، وسيصبح من الضروري عليها الموازنة بين إعادة استثمار ما تحققه من أرباح في التوسع الرأسمالي وتأجيل سداد أعباء الفوائد البنكية على القروض إلى حين، أو سداد ما عليها من قروض على حساب وقف توسعها الرأسمالي، كما أن الأسعار المرتفعة للطاقة في الوقت الراهن، قد تسهم في تقليص رغبتها في الاقتراض إذا قررت عدم التوسع رأسماليا.

بدورها، تشير إيمي كيند أستاذة محاسبة الشركات في مدرسة لندن للتجارة، إلى أن الإنفاق الرأسمالي لم يواكب الديون في كثير من الأحيان، وأن النفقات الرأسمالية لأكبر 1000 شركة على مستوى العالم لم تواكب ديونها، وأن تلك النفقات نمت بنسبة 6.7 % في المتوسط أي أقل من النمو المقابل في الدين طويل الأجل البالغ 9.7 %.

وتضيف بأن تلك الصورة تتسم بالعمومية في التحليل، وأن هناك اختلافا داخل مجموعات الشركات، فقد زادت أكبر عشر شركات في العالم التي قادت توسع الديون من نفقاتها الرأسمالية أسرع من غيرها، وتلك المجموعة واصلت زيادة النفقات الرأسمالية حتى في ظل جائحة كورونا، وبوتيرة اقتصادية صحيحة وصحية.

وتعد كل من مجموعة إيفرجراند الصينية وتقدر ديونها بـ310 مليارات دولار، فولكس فاجن الألمانية 192 مليار دولار، إيه تي آند تي الأمريكية 176 مليار دولار، ديملر الألمانية لصناعة السيارات 151 مليار دولار، وتويوتا اليابانية 138 مليار دولار، أكثر خمس شركات مديونية في العالم.

وفي الواقع فإن المجموعة الصينية للتطوير العقاري إيفرجراند التي تخلفت عن سداد ديونها في العام الماضي 2021، قد أثارت تساؤلات تجاوزت المجموعة الصينية للبحث في قدرة الشركات الخمس الكبرى على التعامل مع قضية المديونية، أخذا في الحسبان أن معدلات الفائدة في ذلك الوقت كانت منخفضة، وعلى الرغم من أنه لا يوجد حتى موعد إعداد هذا التقرير على ما يشير إلى أن أيا من تلك الشركات يواجه صعوبة في عملية سداد ما عليه من ديون، فربما لا يستمر الوضع كثيرا على هذا المنوال، إذا واصل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي المضي قدما في سياسة رفع أسعار الفائدة وتبعته البنوك المركزية الدولية، إذ ربما سنجد حينها بعض الشركات الكبرى سواء من هؤلاء الخمس أو الأقل منها وزنا ومديونية غير قادرة على السداد، وفي حاجة إلى أن تقدم لها حكومات بلدانها يد المساعدة تفاديا لإعادة تكرار كارثة بنك ليمان براذرز الأمريكي في 2008 التي كانت البداية لأزمة طالت الاقتصاد العالمي كله.



التعليقات