أبحاث


كتب فاطيمة طيبى
17 أغسطس 2022 1:04 م
-
بين مؤيد ورافض شركات بريطانية تدرس امكانية تطبيق العمل أربعة أيام فقط اسبوعيا

بين مؤيد ورافض شركات بريطانية تدرس امكانية تطبيق العمل أربعة أيام فقط اسبوعيا

اعداد ـ فاطيمة طيبي  

70  شركة بريطانية تدرس محاولة امكانية تطبيق العمل لمدة أربعة أيام فقط اسبوعيا  هذا الاقتراح كان بين مؤيد ورافض له رغم  ما تلعبه التكنولوجيا في مضاعفة حجم الانتاجية .

التجربة البريطانية تضمنت مشاركة 3300 موظف مع الابقاء على نفس قيمة الأجور، وسيستمر المشروع التجريبي لمدة ستة أشهر ويستند إلى نموذج يعرف بـ 100-80 -100  أي دفع 100 % من الأجور مقابل 80 % من ساعات العمل مع التزام العمال بالحفاظ على إنتاجية بنسبة 100 %  . 

الفكرة كانت مقترحة قبل  كورونا الا ان الجائحة وفكرة العمل عن بعد ساهما في اطرح هذه الفكرة مرة اخرى، بقوة محفزة  على التطبيق وقد أشارت الاستطلاعات التي أجريت في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى أن معظم العاملين يفضلون أربعة أيام عمل.

ـ فرصة للتطور المهني:

الدكتورة إلينا لانسر الاستشارية السابقة في منظمة العمل الدولية وأحد أبرز المدافعين عن أربعة أيام عمل أسبوعية تبرر دفاعها عن هذا النموذج   بالقول: "سيساعد خفض العمل الأسبوعي لأربعة أيام في تحسين الروح المعنوية  للعمل مع تراجع  عدد الغيابات عن العمل، مما يساعد أيضا على مرونة العمل و ايجاد فرصة لاكتشاف المهنيين الموهوبين

كما يتطلب اقتناع أصحاب الأعمال بأسبوع العمل الأقصر تغيير ثقافة العمل السائدة، في إن ساعات العمل الطويلة تؤدي إلى نتائج أفضل".

على النقيض من تلك الفكرة يؤكد الدكتور وليام كلارك أستاذ التنمية الاقتصادية في جامعة لندن وعضو حزب المحافظين البريطاني وأحد أبرز المعارضين لفكرة خفض أيام العمل الأسبوعي إلى أربعة أيام أن "تلك الأفكار من الاشتراكيين الجدد، ومن غير المحتمل أن يعزز أسبوع عمل مكون من أربعة أيام الإنتاجية ما لم تكن منخفضة بالفعل، ففي بلدان مثل أيرلندا والمملكة المتحدة يتمتع العامل بإنتاجية مرتفعة وفقا لمعيار الناتج المحلي الإجمالي لكل ساعة عمل".

ويقول "تعد الإنتاجية في أيرلندا من بين أعلى المعدلات في العالم، حيث بلغت 125 دولارا في الساعة عام 2019، وعلى الرغم من وجود نقاشات متواصلة في المملكة المتحدة لزيادة إنتاجية الأيدي العاملة لمواكبة الاقتصادات الكبرى الأخرى، إلا أنها لا تزال مرتفعة جدا من حيث القيمة الإجمالية عند 54 دولارا في الساعة، أما الأرقام المعادلة في الصين والهند فهي 11 وثمانية دولارات على التوالي".

من هذا المنطلق يشير خصوم خفض أيام العمل الأسبوعي إلى أربعة أيام إلى أن الحفاظ على مستويات الإنتاجية سيتطلب من العاملين زيادة الإنتاج في الساعة بشكل ملحوظ، وذلك لأن إجمالي الناتج المحلي سينخفض إذا عمل الجميع بنسبة 20 % أقل، ويستشهدون في ذلك بتجربة أجرتها اليابان عام 1988 بتقليل أسبوع العمل من 46 إلى 30 ساعة، ولم ترتفع الإنتاجية بما يكفي للتعويض.

ـ عدد ساعات عمل اقل معدل توظيف مرتفع:

لكن في المقابل سنجد أن المدافعين عن الفكرة يستشهدون بالعمال في هولندا وأنهم يعملون 29 ساعة فقط في الأسبوع في المتوسط، وتلك أدنى نسبة في العالم الصناعي، ونتيجة لذلك لديهم معدل توظيف مرتفع، كما أنهم من الناحية الثقافية يعطون الأولوية لقضاء الوقت مع أسرهم أو المشاركة في أنشطة اجتماعية ربما يتعلق بعضها بالعمل، لكنهم لا يزالون قادرين على الحفاظ على معدلات إنتاجية عالية جدا.

لا تعد فكرة أسبوع عمل أقصر فكرة جديدة تماما، فغالبا ما ينسب الفضل في أسبوع عمل مدته خمسة أيام إلى هنري فورد الذي اقترح في عام 1914 أن يتحول العمل في مصانع سيارته من ستة أيام إلى خمسة أيام، وساعد إنشاء النقابات في القرن الـ20 على جعل أسبوع العمل خمسة أيام ويومين للراحة هو القاعدة.

موجة الاهتمام العالمي حاليا بأسبوع عمل من أربعة أيام، تعود اسبابها الى    تقليل البطالة، وفي الواقع فإن هذا كان أحد أسباب اختصار أسبوع العمل من ستة أيام إلى خمسة في ثلاثينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة تحديدا حيث كان معدل البطالة حينها 25 %، اليوم يبدو المشهد مختلفا من وجهة نظر البعض.

الباحث في قضايا العمل والإنتاجية بي ماركوس يشير إلى أن البطالة في المملكة المتحدة هذا العام وصلت الى 3.8 % وهي الأدنى منذ عقدين من الزمان وفي الولايات المتحدة 3.5 % وذلك أدنى معدل في نصف قرن اما في أيرلندا 4.7 %، وفي المانيا 2.8 % وهذا المعدل واحد من أقل المعدلات في الاتحاد الأوروبي.

ـ وظائف تنتظر الكفاءات :

يقول الباحث في قضايا العمل والإنتاجية بي ماركوس إن "هناك كثيرا من الأعمال الشاغرة في الاقتصادات المتقدمة، ولكن لا توجد أيد عاملة كافية، وعندما تكون البطالة منخفضة في معظم الدول الرأسمالية المتقدمة، فسيكون من عدم الحكمة الاقتصادية تقليل المعروض من العمالة عن طريق خفض ساعات العمل للجميع، إلا لو كانت لدينا ضمانات قاطعة بأن مستوى الإنتاجية سيبقى أعلى من إنتاجيتهم إذا عملوا لمدة خمسة أيام".

ويضيف أن "خفض مدة أسبوع العمل إلى أربعة أيام سيفاقم النقص الراهن في الأيدي العاملة، وسيضغط على المالية العامة ،على سبيل المثال ستتطلب الخدمات الصحية مزيدا من الموظفين وبالتالي رفع فاتورة الأجور".

الا انه وفي الواقع يشير عدد من كبار مديري الشركات من بينهم رجل الأعمال البريطاني مارك بوست أحد مؤسسي شركة Civo وهي مزود خدمات سحابية وتعد من الشركات الرائدة في هذا المجال في المملكة المتحدة، يؤكد أن تقليص ساعات عمل الموظفين إلى 34 ساعة خلال أربعة أيام مدة كل منها 8.5 ساعة أوجدت شعورا بالامتنان الشديد من قبل العاملين تجاه المؤسسة نظرا إلى الوقت الإضافي الذي حصلوا عليه، لأنه يساعد على تخفيف الضغط من داخل العمل وخارجه، ويسمح للعاملين بقضاء وقت إضافي مع أطفالهم والتعامل مع المهام المنزلية.

لكن أنصار العمل لمدة خمسة أيام في الأسبوع يتشككون في أن هذه السعادة ستدوم.

الدكتورة إليسون ديل أستاذة مبادئ علم الاقتصاد في جامعة شيفيلد ترى أن علم النفس لا يدعم كثيرا وجهة نظر رجل الأعمال البريطاني مارك بوست. حيث تعلق قائلة:"الادعاءات بأننا سنكون جميعا أكثر سعادة نتيجة العمل أربعة أيام تتجاهل نظرية الحلقة المفرغة للمتعة، التي ترى أن السعادة الإضافية الدائمة هي سراب، فقد يشعر الناس بسعادة أكبر على سبيل المثال لمدة ستة أشهر لكن على المدى الطويل يمكن القول إنهم سيعودون إلى مستوى سعادتهم السابقة".

ولهذا ترى الدكتورة إليسون ديل أن التجربة البريطانية الراهنة بشأن خفض عدد أيام العمل الأسبوعي إلى أربعة أيام لن تكون نتائجها دقيقة، لأنها لمدة ستة أشهر فقط، وكان يجب أن تكون لنحو عام على الأقل، لأن الرضا الوظيفي وفقا لمسح أجري عام 2018 لا يزال مرتفعا في البلدان الأوروبية.

ـ غياب الأمان الوظيفي:

ويعرب البعض عن قناعته من أن نظرية العمل لمدة أربعة أيام ربما تناسب أكثر للمجتمعات الشابة أم المجتمعات الصناعية المتقدمة حيث شيخوخة السكان في تزايد، فإن دفع كبار السن إلى أن تكون إنتاجيتهم في أربعة أيام عمل مساوية لها في خمسة أيام يعني أن عليهم بذل مزيد من الجهد في فترة زمنية أقصر، ويوجد هذا حالة من التوتر لديهم قد تؤدي إلى تآكل السعادة الناجمة عن خفض أيام العمل، كما تزيد من شعورهم بغياب الأمان الوظيفي لاعتقادهم أنهم الأكثر عرضة للصرف من العمل في أول تقليصات وظيفية.

ـ ضعف التوازن بين العمل والحياة:

في عام 1930 توقع الاقتصادي الشهير جون مينارد كينز بانه بحلول عام 2030 سنعمل جميعا لمدة 15 ساعة في الأسبوع، وتبدو تجربة العمل من المنزل في فترة جائحة كوفيد بمنزلة تدريب أولي على فكرة العمل لمدة أربعة أيام فقط، إذ تبدو الاثنتان وكأنهما تنحدران من المنطق نفسه، أما الصورة السينمائية التي تروج لها هوليوود بأن العمل لوقت متأخر من الليل وعطلات نهاية الأسبوع وأن يكون الموظف متاحا في أي وقت باعتبارها دليلا على التفاني وتؤدي إلى الترقية، فربما تسود أكثر في الشركات المالية والقانونية العملاقة مقارنة بالشركات الصغيرة.

وفقا لمسح أجرته شركة Deloitte يخطط 22 % من جيل الألفية لترك وظائفهم بسبب ضعف التوازن بين العمل والحياة، ربما يعكس هذا مرحلة الانتقال الراهنة من الاقتصاد المادي إلى الاقتصاد الافتراضي حيث الخيارات متعددة ومتنوعة، وربما تعكس فكرة أربعة أيام عمل أسبوعيا تغيرا مجتمعيا حيث كانت ساعات العمل في تغير دائم ومستمر عبر العصور، فالمؤكد أن يوم العمل المؤلف من ثماني ساعات ليس "قانونا طبيعيا" أصيلا أو أبديا.

 



التعليقات