أبحاث


كتب فاطيمة طيبى
26 سبتمبر 2022 2:49 م
-
اتجاهات سياسة الفيدرالي المحلية ورفع الفائدة لا ينهي متاعب الاقتصاد العالمي

اتجاهات سياسة الفيدرالي المحلية ورفع الفائدة لا ينهي متاعب الاقتصاد العالمي

اعداد ـ فاطيمة طيبي

  لا يوجد راي واحد حول سبب ارتفاع معدلات التضخم بهذا الحد في دول العالم ، ويرى بعض الخبراء أن المشكلة تكمن في جانب العرض في المقام الأول، نتيجة اضطراب ا سلاسل التوريد من وباء كورونا، وإصرار الصين على اتباع سياسة "صفر كوفيد" التي ادت إلى إغلاق المدن وعدم ضخ ما يكفي من السلع في الأسواق الدولية، أضف إلى ذلك الحرب الأوكرانية التي أدت إلى انخفاض المعروض من مجموعة من السلع الاستراتيجية مثل الوقود والأسمدة والمواد الغذائية، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها.

في حين ترى مجموعة أخرى من الخبراء أن التضخم وراءه السياسات النقدية الفضفاضة للبنوك المركزية خاصة مجلس الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي الأمريكي"، التي تبناها منذ الأزمة المالية 2008، فأسعار الفائدة المنخفضة لأعوام وسيساسات التيسير الكمي وضخ تريليونات الدولارات في الأسواق الدولية عبر شراء السندات في الأسواق المالية، أتاح كميات غير مسبوقة من الأموال للبنوك التجارية والبنوك الاستثمارية وشركات إدارة الأصول والأسهم الخاصة وصناديق التحوط والتقاعد وشركات التأمين، تلك التدفقات المالية الضخمة بدأت آثارها السلبية تظهر في شكل الزيادة في معدلات التضخم.

هذا ما يفسرانه وبنهاية أغسطس 2022 كان معدل ارتفاع الأسعار في الولايات المتحدة   قد وصل الى   8.3 % و9.1 % في منطقة اليورو و9.9 5 في المملكة المتحدة وفي نيجيريا 20.3 %   و25 % في ملاوي وأكثر من 30 % في أثيوبيا وغانا و52.2 في إيران. أما في تركيا تجاوز معدل التضخم السنوي وللشهر الخامس على التوالي حاجز 80 % وهو مستوى قياسي لم يحدث منذ 1998.

ـ الحل في زيادة المعروض من السلع:

اختلاف وجهتي النظر حول أسباب المشكلة أدى إلى ..

ـ اختلاف آخر يتعلق بسبل حل مشكلة ارتفاع الأسعار عالميا، ووفقا لوجهة النظر الأولى يمكن حل المشكلة بزيادة المعروض من السلع، ومن ثم فإن الأسعار المرتفعة في الوقت الحالي ستحفز الشركات على زيادة الإنتاج، وسينخفض التضخم في نهاية المطاف.

ـ الاتجاه الثاني يرى أن البنوك المركزية يجب أن ترفع أسعار الفائدة وتتخلص من سياسة التيسير الكمي، ورغم إدراك أنصار هذا الاتجاه أن ذلك سيؤدي إلى انخفاض الطلب وإبطاء النمو الاقتصادي وربما ارتفاع معدلات البطالة، فإن المؤكد أن اقتراض الشركات والأسر والحكومات سيصبح أكثر تكلفة، والنتيجة الحتمية ستكون انخفاض الأسعار وتراجع التضخم.

باختصار ان الاتجاه الثاني يرى أن التضخم مشكلة نقدية، والحل في يد البنوك المركزية وتحديدا مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أي البنك المركزي الأمريكي، ومن وجهة نظر  أنصار هذا المعسكر فإن كبير البنوك المركزية في العالم يتمتع بنفوذ مفرط على الاقتصاد الدولي، وستكون قراراته، وإن بدت أنها تستهدف الاقتصاد الأمريكي، فإنها تصلح في الوقت ذاته جانبا من  الاقتصاد الدولي.

ـ الانانية المفرطة :

يرى الدكتور اس. دي. داني الاستشاري السابق في اللجنة المالية لبنك إنجلترا أن الفيدرالي الأمريكي يتصرف "بأنانية شديدة" وأنه غير معني بالاقتصاد العالمي إلا بمقدار ما يخدم المصالح الأمريكية، حيث إن قراراته لم ترتق إلى مستوى الوعي المطلوب بأهمية وخطورة دوره الدولي، وهذا يزيد مشكلات التضخم على المستوى العالمي حدة، فالاقتصاد الأمريكي شديد الارتباط بالاقتصاد الدولي، وإذا لم يأخذ المجلس الفيدرالي الأمريكي في حسبانه المساعدة على خفض التضخم في الدول الأخرى، فإن ارتفاع الأسعار عالميا سيواصل "التسرب" من الاقتصادات الأخرى إلى الاقتصاد الأمريكي.

ويضيف قائلا: "ترجع قوة الفيدرالي الأمريكي في المقام الأول إلى هيمنة الدولار الأمريكي الذي ارتفعت قيمته في الأشهر الأخيرة في مواجهة العملات الدولية، فالزيادات الحادة في أسعار الفائدة جعل العملة الأمريكية أكثر جاذبية للمستثمرين، لكن هذا له جانب سلبي في اقتصادات الدول الأخرى، لأنه يرفع تكلفة الاقتراض ويزيد من مخاطر حدوث ركود عالمي".

من المسلم به في الأدبيات الاقتصادية أن سياسات الاحتياطي الفيدرالي تؤثر في الاقتصادات والشركات والمواطنين في كل دول العالم تقريبا، وجزء من هذا التأثير يعود إلى حجم الاقتصاد الأمريكي، إذ لا يزال الأكبر إلى حد بعيد من حيث القيمة المطلقة، كما أن نصف ديون العالم مقومة بالدولار، ما يعني أن الدول بحاجة إلى دفع الفوائد وسداد أصل رأس المال المقترض بالدولار، ومنذ بداية العام ارتفعت قيمة الدولار بنحو 15 %   مقارنة بسلة من العملات الأجنبية، وهذا يعني أن تمويل تلك الديون المقومة بالدولار بات أكثر تكلفة الآن بنسبة 15 % في المتوسط وبالنسبة إلى بعض الدول يمكن أن يكون أكثر من ذلك بكثير.

ـ انفراجة في الافق :

الخبير المصرفي تي ناث يعلق قائلا "مع مواصلة البنك المركزي الأمريكي رفع أسعار الفائدة فإنه لا يبدو في الأفق نهاية للمشكلات الاقتصادية التي يواجهها الاقتصاد العالمي، وفي الوقت الراهن يشعر رجال الأعمال والخبراء على حد سواء بالمتاعب الاقتصادية التي يسببها ارتفاع الدولار خاصة في الاقتصادات الناشئة، وعديد من محافظي البنوك في تلك الدول انتقدوا الولايات المتحدة لإلحاقها الضرر ببقية العالم، فالزيادة المتواصلة في أسعار الفائدة قرار أناني، ويدفع الحكومات في الاقتصادات الناشئة والنامية إلى زيادة الضرائب أو الاقتراض بتكلفة أعلى لخدمة الديون".

وفي الواقع فإن سياسات "الفيدرالي الأمريكي" لم تعد ضاغطة فقط على الاقتصادات الناشئة، إنما على الاقتصادات الأوروبية أيضا، وينظر الخبراء في القارة الأوروبية إلى تلك السياسات وما أدت إليه من ارتفاع قيمة العملة الأمريكية، على أنها توجد مشكلات لهم في وقت تكون فيه دول القارة الأوروبية في أشد الحاجة إلى تفادي أي مشكلات اقتصادية، فقد انخفض اليورو في مواجهة الدولار بشدة هذا العام، ووصل الجنيه الاسترليني إلى أدنى مستوى له في مواجهة العملة الأمريكية منذ 37 عاما، أما الين الياباني ففقد 20 % من قيمته.

في ظل تلك الأوضاع ومع ارتفاع الدولار الأمريكي لمستويات قياسية، تستخدم مختلف الدول طرقا متعددة لتعويض تأثير ارتفاع الدولار في سوق العملات واقتصادها الوطني.

ـ مخاوف من ظهور مشاكل مفاجئة :

تقول الدكتورة تينا بلانك أستاذة النقود والبنوك في جامعة ليستر البريطانية معلقة   "هناك مخاوف جادة من بروز مشكلات عميقة في جميع مناحي الاقتصاد العالمي، ولهذا نجد البنك المركزي في كوريا الجنوبية على سبيل المثال طلب من متداولي الصرف الأجنبي تقديم تقارير كل ساعة عن الطلب على الدولار، وتكثف السلطات في سيئول الإشراف على أسواق العملات للمساعدة على وقف تراجع العملة المحلية. أوروبا تنوي الرد على زيادة أسعار الفائدة الأمريكية وجاذبية الدولار بزيادة أسعار الفائدة على اليورو لزيادة جاذبيته".

ويعتقد بعض الخبراء أن الوضع الحالي للدولار الناجم عن سياسات "الفيدرالي الأمريكي" المغرقة في محليتها التي تتجاهل تأثير قراراتها في الاقتصاد العالمي، قد تعزز جهود بعض الدول لتقليل اعتمادها على الدولار، لكن الأمر ستختلف وتيرته من منطقة إلى أخرى، فبينما ستكون بطيئة في منطقة أوروبا ودول الاتحاد الأوروبي بسبب عمق العلاقات التجارية مع الولايات المتحدة، فإن حملة هذا النوع قد تكون أكثر رواجا في دول أمريكا اللاتينية وآسيا، دون أن تكون لديها الجرأة أو المقدرة التامة لتحدي هيمنة العملة الأمريكية.

وربما تشهد الفترة المقبلة اتجاه مزيد من الدول إلى تعزيز الأصول المقومة بالعملة الصينية اليوان لديها، ليس فقط لتقليل الاعتماد على الدولار، لكن للطبيعة المستقرة للعملة الصينية.

 



التعليقات