تحليلات


كتب فاطيمة طيبى
3 يناير 2023 12:16 م
-
التأمين: سلاح جديد في الحرب الاقتصادية التي تلوح في الافق بين الصين والغرب

التأمين: سلاح جديد في الحرب الاقتصادية التي تلوح في الافق بين الصين والغرب

اعداد ـ فاطيمة طيبي

يقول الأمريكي كريستوفر فاسالو الباحث في معهد سياسة مجتمع آسيا ومركز بيلفر في جامعة هارفارد، في تحليل نشرته مجلة "ناشونال إنتريست" الأمريكية، إن حظر التأمين الذي يمنع الشركات داخل الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع من توفير خدمات التأمين وإعادة التأمين داخل الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع لموردي النفط الروسي الذي يباع فوق سقف السعر المحدد، يعد الآلية التي تفرض سقف الـ60 دولارا. وحتى الآن أثبت حظر التأمين أنه وسيلة فعالة لفرض الانصياع لسقف الأسعار.

حيث يتمثل محور سقف الأسعار الذي وضعته دول مجموعة السبع بالنسبة للنفط الروسي - الذي تم الكشف عنه في مطلع الشهر الماضي- في الحظر المشروط للحصول على خدمات شركات التأمين وإعادة التأمين الغربية ذات المستوى العالمي. اذ يقيد سقف الأسعار شراء أو بيع أي خام روسي محمول بحرا بسعر منخفض بشكل مصطنع قدره 60 دولارا للبرميل.

وتتحكم الشركات في مجموعة السبع، بـ 90 % من التأمين وإعادة التأمين البحري. ولا تزال الشركات الصينية المالكة للسفن، التي تستورد حصة كبيرة من الخام الروسي منذ اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية، تعتمد على شركات التأمين الغربية لحماية سفنها.

وعلى الرغم من أن تحديد سقف سعر النفط سيساعد الصين على تأمين حصولها على النفط الروسي بأسعار مقبولة على المدى القصير، من المرجح أن يؤدي أي احتمال إلى فرض حظر تأميني غربي، موجه ضد الصين وليس روسيا في أي مواجهة مستقبلية بسبب تايوان، إلى التسبب في متاعب لبكين. ويبدو أن بعض الخطوات التي اتخذتها بكين هذا العام - اسميا في مواجهة الاضطراب الذي يحيط بحرب أوكرانيا ولكن تهدف بفاعلية للحد من تعرض بكين لإجراءات شركات التأمين الغربية- تعكس مثل هذا القلق.

ـ تاريخ الحظر على تقديم خدمات التأمين :

أشار فاسالو إلى أن فرض الحظر على تقديم خدمات التأمين له تاريخ طويل. اذ خلال حرب الخلافة الإسبانية في القرن الثامن عشر، كانت بريطانيا قوة بحرية مهيمنة فيها أكبر شركات تأمين بحري في العالم. ولكن وضع بريطانيا بهذا الشكل كان يؤدي في بعض الأحيان إلى نتائج ضارة، فقد وجدت شركات التأمين البريطانية أنها تغطي تكلفة الأضرار التي كانت تلحقها الفرقاطات والسفن المسلحة البريطانية بسفن العدو.

وبعد الحرب، بدأ صانعو السياسات البريطانيون يتساءلون عما إذا كان بمقدورهم منع الشركات في لندن من تأمين شحنات العدو التجارية، وبذلك يضمنون قوتهم البحرية وقطاع التأمين البريطاني القوي. ورغم أن المعارضين حذروا من أن مثل هذه الخطوة من شأنها أن تعرض للخطر وضع بريطانيا كأكبر قطاع تأمين في العالم، سرعان ما أصبح واضحا أنه لا تستطيع أي شركة تأمين أجنبية أن تنافس المصداقية، والسمعة النزيهة، والأسعار المنخفضة التي تتمتع بها الشركات البريطانية.

ـ قطاع التأمين العالمي سلاح لتقييد خطوط الإمداد :

وفي ضوء تأكيد ثقتهم، وضع صانعو السياسات البريطانيون قيودا تأمينية استهدفت التجارة الفرنسية والأمريكية أثناء الحروب المستقبلية. وفي حرب 1812 على سبيل المثال، كان الحظر فعالا للغاية إلى درجة أن تكاليف التأمين زادت على 80 % من قيمة الحمولة نفسها. وأدركت البحرية البريطانية أنه لعرقلة صناعة العدو، احتاجت بريطانيا فقط منع التمويل المطلوب لشحن السلع الاستراتيجية.

واستقر المسؤولون الأمريكيون على منطق مماثل في الوقت الحالي، وهو استخدام وضع الغرب المهيمن في قطاع التأمين العالمي كسلاح لتقييد خطوط إمداد العدو. وقد يكتشف هؤلاء المسؤولون في القريب العاجل استخدامات متعددة للحظر التأميني، ربما أكثر فائدة من مجرد فرض سقف للأسعار. فأي حظر تأميني يمكن أن يساعد عمليا في فرض حصار كامل على السلع الاستراتيجية في أوقات الأزمات.

وينضم "سلاح التأمين" إلى مجموعة من العقوبات الاقتصادية الأمريكية التي يتعين أن تستعد بكين لتفاديها في أي مواجهة بشأن تايوان. ولطالما أعربت بكين عن قلقها إزاء قدرة البحرية الأمريكية على فرض حصار على الواردات البحرية في مضيق ملقا "بما في ذلك 80 في المائة من النفط الذي تستورده الصين". ولا بد أن تفترض الصين الآن استعداد مجموعة السبع لتعزيز أي حصار مستقبلي بفرض قيود مالية مثل الحظر التأميني.

ومع ذلك، فإنه مثل كثير من العقوبات الأمريكية، بدأت الإجراءات الصينية المضادة في تخفيف قوة أي سلاح تأميني مستقبلي. واتخذت بكين هذا العام خطوتين لتأمين الشحنات البحرية من القمح والطاقة الروسية، حيث تسعى

ـ  البحث عن بديل وشركات تأمين غير تابعة لمجموعة السبع.

ـ امتلاك أسطول ناقلات أكبر.

ورغم أن هذه المناورات مفيدة في تجنب الوفاء بالمتطلبات المرتبطة بالعقوبات التي تقودها الولايات المتحدة ضد روسيا، فإنها تخدم أيضا في دعم دفاعات الصين بقوة ضد سلاح التأمين.

وفي 2022 زادت بكين من تعاملها مع شركات تأمين غير غربيةمن اجل:

 1 ـ تغطية شحنات النفط الروسي بتكلفة أقل .

 2   ـ  سعى الشركات الصينية المستوردة للنفط الروسي إلى البحث عن إعادة التأمين في مناطق غير أوروبا وأمريكا.

 3  ـ اسراع بكين لتعديل من أسلوبها المتبع منذ وقت طويل، المتمثل في امتلاك أسطول ناقلات محلي يمكن للمخططين الصينيين السيطرة على حركته وحمولته.

ـ تمويه:

وذكرت نشرة ملاحية في أغسطس  2022 أن إحدى الشركات الصينية المجهولة أنفقت 376 مليون دولار لشراء ناقلات لا تحمل علامات مميزة، التي كانت تستخدم لإخفاء المصادر الحقيقية للحمولات التي تخضع للعقوبات عن طريق "النقل من سفينة إلى أخرى" في منتصف المحيط الأطلسي.

كما استطاعت السفن الصينية بدعمها الحمولات الروسية بهذه الطريقة، الحصول على خدمات التأمين والخدمات البحرية الأخرى دون التعرض للعقوبات. وذكرت شركة لويدز للتأمين، أن هذا الأسلوب يمكن أن يتوسع ليشمل 400 ناقلة.

ويضيف فاسالو أنه من المحتمل أن تتوقع بكين، في حالة وقوع أزمة، أن تستخدم واشنطن سلاح التأمين. بدورهم، يتعين على المخططين الاستراتيجيين الأمريكيين للسياسات الجغرافية الاقتصادية توقع حشد الصين لأسطول ناقلاتها المحلية الكبير، والاعتماد تماما تقريبا على شركات التأمين غير التابعة لمجموعة السبع. وباتخاذها هذه الخطوات قبل نشوب أزمة محتملة بشأن تايوان، تخفف الصين بالفعل من أي تأثير مستقبلي لسلاح التأمين، ويوضح استعداد بكين لاتخاذ هذه الخطوات بصورة استباقية التزامها التفوق على أحد أحدث آليات العقوبات الغربية.

 

 

 



التعليقات