أبحاث


كتب فاطيمة طيبى
11 يناير 2023 1:25 م
-
توقعات صناع السياسة بالبنوك المركزية الإبقاء على مستويات الفائدة مرتفعة لفترة مفتوحة

توقعات صناع السياسة بالبنوك المركزية الإبقاء على مستويات الفائدة مرتفعة لفترة مفتوحة

اعداد ـ فاطيمة طيبي  

 قلق المستثمرين، وأزمة الطاقة العالمية، مع الدولار ، وسياسات التشديد المالي من قبل البنوك المركزية، اضف اليها تراجع المستوى المعيشي لعديد من الدول ، وتصدع سوق العقارات في الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم.  هذه العوامل كلها مجتمعة مؤشرا لملامح ركود تلوح في افق الاقتصاد العالمي .

فبعد معدل نمو بلغ 6 % في عام 2021 يتوقع صندوق النقد الدولي ألا تتجاوز نسبة النمو 3.2 % في 2022، نتيجة تباطؤ كبير في أكبر اقتصادات العالم، ليكون أضعف معدل نمو منذ 2001  باستثناء فترة الأزمة المالية العالمية الحادة ومرحلة جائحة كورونا.

ـ استطلاع مجموعة من آراء الخبراء حول أبرز قضايا الاقتصاد العامي في 2022:

ترى أن ارتفاع الأسعار وتداعياته الواضحة على مستوى المعيشة يعدان القضية الأكثر إثارة للجدل على المستوى العالمي في عام 2022.  هذا ما قالته الدكتورة دورثي بنجامين أستاذة الاقتصاد الدولي والاستشارية في عدد من المنظمات الدولية. وتضيف دورثي  مؤكدة إنه على الرغم من تراجع معدلات التضخم في الفترة الأخيرة من العام 2022 ، إلا أن آثارها ومضاعفاتها كانت واضحة طوال العام   ومستمرة لهذا العام  2023، حيث كان من المرجح أن يبلغ معدل التضخم الدولي في عام 2022 الى  8.8%، كما يلاحظ أن نسب التضخم وصلت الى مستويات غير مسبوقة منذ عقود في أوروبا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة ومستويات قياسية في عديد من الدول النامية لهذا العام.

وتضيف ..لمواجهة هذا الوضع الضاغط على مستويات المعيشة اندفعت البنوك المركزية الكبرى لرفع معدلات الفائدة، لكن يلاحظ أن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا أبطأت خلال الأسابيع الأخيرة وقبل نهاية العام من وتيرة رفع أسعار الفائدة، مع هذا يتوقع صناع السياسة في البنوك المركزية إبقاء مستويات الفائدة مرتفعة لفترة طويلة .

ـ رفع أسعار الفائدة أدى لانخفاض الإنتاج :

الخبير الاقتصادي لوجن ايثن يربط بين الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي مر بها كثير من الاقتصادات النامية وتباطؤ النمو الاقتصادي هذا العام أو الانكماش في كثير من الاقتصادات المتقدمة من جانب، وسياسات البنوك المركزية في رفع أسعار الفائدة في إطار المعركة ضد التضخم من جانب آخر. ويؤكد أن تشديد السياسات النقدية عبر رفع أسعار الفائدة أدى إلى انخفاض الإنتاج في الولايات المتحدة وأوروبا، أما في الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم فإن التوقعات متذبذبة إلى حد كبير حيث تواجه البلاد زيادة في حالات الإصابة بوباء كورونا.

ويقول لوجن: "عديد من الدول النامية ما زالت متخلفة عن الركب وتواجه مخاطر اقتصادية إضافية نتيجة السياسات التي تتبناها الاقتصادات المتقدمة لمعالجة التضخم، كما أن التباطؤ الاقتصادي في الاقتصادات الكبرى لا يترك رؤوس أموال كافية للدول الفقيرة". بينما روبين إسحاق المحلل المالي في بنك إنجلترا يرى أن هذه  إحدى أكثر القضايا الاقتصادية مدعاة للقلق هذا العام موضحا أنه "على مدار العام الماضي 2021  انهارت القيمة السوقية لأصول العملات المشفرة من ثلاثة تريليونات دولار إلى نحو 850 مليار دولار فقط، حيث تراجعت عملة البيتكوين العملة الأكثر شهرة وانتشارا من 68 ألف دولار إلى 17700 دولار، وغرقت بورصة العملات المشفرة FTX من 32 مليار دولار إلى الإفلاس في غضون أسبوع واحد فقط ، وكشفت هذه الخسائر واضطراب السوق عن تقلب الأصول المشفرة والحاجة الملحة إلى حماية المستهلك". كما يعتقد روبين إسحاق أن الأصول المشفرة قد لا تستعيد قيمتها بالكامل، وأن هناك حاجة ماسة إلى تنظيم السوق عبر تدابير مشددة للتعامل مع عدم الاستقرار المالي ونقص حماية المستهلك.

ـ العملات الرقمية :

قضية العملات الرقمية تبدو من وجهة نظر الدكتور ماكس ثيدور أستاذ المالية العامة في جامعة لندن قضية ذات ثقل اقتصادي كبير على الاقتصاد العالمي في عام 2022 ، وربما في الأعوام المقبلة، لكن من زاوية أخرى. حيث يقول : "إن 60 دولة على مستوى العالم وصلت إلى مرحلة متقدمة من تطوير العملة الرقمية للبنوك المركزية، وبدءا من نوفمبر الماضي 2022 باتت الولايات المتحدة واحدة منها، و18 دولة من دول مجموعة العشرين لديها عملات رقيمة للبنك المركزي قيد التطوير أو تتم تجربتها أو تم إطلاقها بالكامل، مع اختلاف الدوافع على الصعيد العالمي بهذا الشأن، لكن بصفة عامة فإن توجهات البنوك المركزية بشأن العملة الرقمية تحكمها فكرة تحسين الشمول المالي".

كما يضيف ايضا :  ان الصعوبات اللوجستية في إرسال شيكات التحفيز المالي خلال فترة جائحة كوفيد، وعدم الكفاءة في أنظمة الدفع في عديد من الدول، أقنعا البنوك المركزية بأن تسخير التكنولوجيا والاعتماد على العملات الرقمية قد يساعدان على تطوير أنظمة دفع أسرع وأرخص، وربما يدخل عام 2022 التاريخ بوصفه العام الذي وضعت فيه البنوك المركزية العملات الرقمية موضع التطبيق الفعلي".

ـ قضية أشباه الموصلات والصراع الدولي:

في حين يرى هنتر توبي أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة جلاسكو أن قضية أشباه الموصلات والصراع الدولي المرتبط بها، تعد قضية مركزية في الاقتصاد العالمي في عام 2022 ، وأن هذا الملف ترك تأثيرا تجاوز الشأن الاقتصادي العالمي إلى الصراع الجيو- استراتيجي بين الولايات المتحدة والصين.

كما يعلق قائلا "أشباه الموصلات جزء أساسي من الحياة اليومية لعالمنا المعاصر، لكن سوق أشباه الموصلات تشتهر بأنها دورية، حيث يزداد العرض أحيانا ويتراجع أحيانا أخرى، وقد ظهر نقص في السوق منذ بداية العام  2022 نتيجة زيادة الطلب على المنتجات التي تحتوي على الرقائق الإلكترونية، واضطرابات الإنتاج الناجمة عن وباء كورونا، إضافة إلى مشكلات سلاسل التوريد والخدمات اللوجستية".

ويضيف : "النقص في أشباه الموصلات أضعف النمو الاقتصادي بنحو ربع تريليون دولار في عام 2021، ولهذا شهدنا هذا العام منافسة شرسة بشأن الرقائق الإلكترونية بما أدى إلى تأجيج الحرب التكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين، وتبنت واشنطن استراتيجية لا تسعى فقط إلى تعزيز القدرة التنافسية للولايات المتحدة ومعالجة هشاشة سلسلة التوريد، لكن أيضا لإحباط هدف الصين في إنتاج أشباه موصلات متقدمة، وقد كان لذلك الصراع تأثير غير إيجابي على الاقتصاد الدولي في العام 2022 ".

ـ اعتماد امريكا على تايوان:

من جهته، يعتقد جون هيدسون الخبير في الاقتصاد الأمريكي أن عام 2022 كشف جانبا كبيرا من القصور في القدرات التكنولوجية الأمريكية، وأنه رغم المليارات التي رصدتها إدارة الرئيس جو بايدن لسد الفجوة الراهنة لديها في مجال صناعة أشباه الموصلات، فإنه يستبعد أن تنجح في ذلك وأن تستمر في الاعتماد على تايوان، ما يوجد أرضية دائمة لنزاع اقتصادي وسياسي بين واشنطن وبكين.

ويقول جون هيدسون : "أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن على لسان جينا ريموند وزيرة التجارة أن اعتماد الولايات المتحدة على أشباه الموصلات المتقدمة المنتجة في تايوان لا يمكن الدفاع عنه، وغير آمن بسبب التهديد الذي تتعرض له تايوان من جارتها الصين، نتيجة لذلك أعطى البيت الأبيض الأولوية لإقرار قانون CHIPS والعلوم الذي بات ساريا من أغسطس الماضي 2022، ويوفر القانون 52 مليارا من الإعانات والحوافز الضريبية لتعزيز تطوير مصانع أشباه الموصلات المتطورة على الأراضي الأمريكية، وأحد المشاريع التي تستفيد من هذا التمويل سينفذ بواسطة شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات TSMC التي تنتج حاليا أكثر من 90 % من الرقائق الأكثر تطورا في العالم".هذا ويؤكد ايضا أنه على الرغم من ذلك فإن المشاريع الأمريكية ستنتج نحو 20 ألف شريحة إلكترونية كل شهر،الا ان هذا يمثل أقل من 1.6 % من الإنتاج الشهري الحالي لشركة TSMC التي تنتج 1.3 مليون شريحة من أشباه الموصلات، ومن ثم سيظل الاعتماد على تايوان قائما.



التعليقات