أبحاث


كتب فاطيمة طيبى
12 مارس 2023 5:21 م
-
الحديث عن الاستثمار ليس على جدول الأعمال الروسي حاليا، الميزانية توجه للإنفاق العسكري

الحديث عن الاستثمار ليس على جدول الأعمال الروسي حاليا، الميزانية توجه للإنفاق العسكري

اعداد ـ فاطيمة طيبي  

تعد أوكرانيا الخاسر الأكبر اقتصاديا حتى الآن جراء الحرب، فقبل اندلاع القتال كان الأداء الاقتصادي لأوكرانيا جيدا، فإجمالي الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي أقل من 50 %، وعجز الميزانية 3.5 %، لكن الحرب أوجدت واقعا اقتصاديا جديدا للأوكرانيين.

ـ يصف البروفيسور آدم ارلو، أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة لندن، هذا الواقع :

أنه كارثي، ويؤكد أنه دون مساعدة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الاقتصادية لأوكرانيا لكانت الخسائر الاقتصادية كفيلة باستسلام كييف للدب الروسي. وقال إن "الحرب أدت إلى إعادة توجيه الميزانية العامة في أوكرانيا وتقليص الأموال المخصصة للأهداف البيئية والاجتماعية والتنموية، والآن 50 % من ميزانية الدولة مخصصة للأمن القومي والدفاع، وتراجع الاقتصاد الأوكراني 30 %، ومعدل التضخم يراوح بين 28 و30 %، وعائدات الضرائب تراجعت 27 %، بينما ارتفع الإنفاق الحكومي العام، وكذلك الإنفاق على القوات المسلحة ارتفع 40 %، وهناك ثمانية ملايين لاجئ، ومعدل بطالة 30 %، والفقر ارتفع عشرة أضعاف، والبنية التحتية والصناعية تعرضت لتدمير عنيف".

وأضاف قائلا "حاول الأوكرانيون وبمساعدة الغرب إنقاذ ما يمكن إنقاذه اقتصاديا، فقد زادت إيرادات الموازنة 20 % منذ أبريل الماضي، وأصدرت الحكومة الأوكرانية سندات حرب، وحرصت الدول الغربية على ألا يتجاوز عجز الميزانية الأوكرانية خمسة مليارات دولار شهريا في 2022، وفي أوائل ديسمبر منحت أوكرانيا 28 مليار دولار من إجمالي معونات دولية لها بقيمة 50 مليار دولار، بينما سيطبع البنك المركزي الأوكراني 12 مليار دولار.

ويخلص البروفيسور آدام ارلو إلى أن عجز الميزانية في أوكرانيا في 2023 سيصل إلى 38 مليار دولار، ومع استمرار الحرب والقصف الروسي على المدن الأوكرانية، فإن فاتورة الإعمار والخسائر الاقتصادية ستستمر في التزايد.

ـ تحليل التكاليف الاقتصادية: الذي أجرته الحكومة الأوكرانية والبنك الدولي والمفوضية الأوروبية بشكل مشترك قدرت أن الضرر المباشر للحرب على الاقتصاد الأوكراني كان أقل قليلا من 100 مليار دولار، وبلغت الأضرار التي لحقت بالمساكن 39 مليار دولار، والبنية التحتية للنقل 30 مليار دولار، والتجارة والصناعة عشرة مليارات دولار، والطاقة ثلاثة مليارات دولار، إضافة إلى الخسائر المباشرة، هناك أيضا خسائر غير مباشرة ناجمة عن خسارة الإنتاج الزراعي وتلوث الأرض وتشريد السكان، وقدرت تلك الخسائر غير المباشرة بـ250 مليار دولار، بينما تصل تكلفة إعادة البناء وإزالة التلوث إلى 350 مليار دولار.

من جانبه، يرى ماكس توماس، المحلل الاقتصادي في بنك إنجلترا، أن الخسائر الاقتصادية، التي تعرضت لها أوكرانيا نتيجة الحرب ورغم وطأتها الشديدة، فإنه يمكن تحملها حتى الآن، ولكن إذا امتدت الحرب إلى نهاية العام الحالي، فإن التبعات الاقتصادية قد تصل إلى مرحلة لا يمكن للبنك المركزي الأوكراني التعامل معها.

وتابع "إذا اشتدت الهجمات الروسية، وبدأ الناس في مغادرة المدن الأوكرانية الرئيسة والعاصمة كييف فسيقومون بسحب أموالهم من العملة الأوكرانية الهريفنيا واستبدالها باليورو أو الدولار، هذا سيترك الحكومة بلا احتياطيات دولية لدفع ثمن الواردات الضرورية، ولن تكون قادرة على الوفاء بديونها الخارجية، وأحد السيناريوهات المحتملة أن يتراجع الاقتصاد الأوكراني 5 % نهاية هذا العام، علاوة على تراجع 33 % العام الماضي 2022 ، حيث إن رئيس وزراء أوكرانيا وأمام مؤتمر للمانحين في باريس في ديسمبر الماضي توقع أن يصل التراجع  في 2023 إلى 9 %".

وأضاف قائلا "الوعود المالية الغربية لأوكرانيا مبالغ فيها إعلاميا، فقد تعهد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بشكل جماعي بإرسال أكثر من 30 مليار دولار إلى أوكرانيا هذا العام، لكن 27 رئيس دولة وحكومة في الاتحاد الأوروبي وافقوا على تقديم 19 مليار دولار فقط وجميعها في شكل قروض، فحتى بعد انتهاء الحرب سيكون وضع الاقتصاد الأوكراني صعب للغاية لتراكم الديون عليها".

ويستدرك قائلا "ربما لا تستطيع روسيا هزيمة أوكرانيا عسكريا، لكن المؤكد أنها ستلحق هزيمة ساحقة بالقدرة الاقتصادية لأوكرانيا ولعقود طويلة"، لكن إذا كان هذا وضع الاقتصاد الأوكراني فكيف تركت الحرب والعقوبات الدولية بصماتها على الاقتصاد الروسي؟

ـ تكلفة الحرب بالنسبة لروسيا طفيفة:  بالتأكيد تبدو مقارنة بما حدث لأوكرانيا، فقبل الحرب كانت الحكومة الروسية تتوقع نمو الناتج المحلي الإجمالي 3 % في 2022، ومع اندلاع القتال أشارت تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن الناتج المحلي الإجمالي الروسي سيتراجع 8.5 %، بل إن وزارة الاقتصاد الروسية توقعت انكماشا بأكثر من 12 % العام الماضي 2022، وتوقع البنك الدولي أن يبلغ الانكماش 11.2 %، لكن كل هذا لم يحدث، فالاقتصاد الروسي انكمش 2.5 % فقط العام الماضي، بل إن صندوق النقد الدولي يتوقع نموا اقتصاديا لروسيا هذا العام 0.3 %.

ـ تكلفة الحرب على روسيا آخذة في الارتفاع، وسيكون لها تأثير كبير على حياة المواطنين ورفاهياتهم، خاصة عندما تضع الحرب أوزارها:

وذكرت الخبيرة الباحثة جودي هانتر، في الاقتصاد الروسي "يمكن تقسيم الخسائر الروسية نتيجة الحرب إلى خسائر في الأمد القصير وأخرى في الأمد الطويل، ـ الأولى: تتعلق بزيادة أعباء الميزانية نتيجة زيادة الإنفاق العسكري، والتأثير الآني للعقوبات الغربية التي تضغط على كل من الصادرات والواردات، وتقديرات الاستخبارات البريطانية تشير إلى أن إنفاق روسيا على الدفاع الوطني لهذا العام زاد بأكثر من 40 % إلى ما يعادل 84 مليار دولار، مقارنة بتقديرات 2021 أي قبل الحرب".

وتشير جودي هانتر إلى مشكلات ناجمة عن العقوبات الدولية قد تترك بصمات غائرة في قلب الاقتصاد الروسي، فبعض قطع الغيار الضرورية التي تستوردها خطوط السكك الحديدية الروسية من الولايات المتحدة والسويد لم تعد متاحة نتيجة العقوبات، ما أجبر السكك الحديدية الروسية إلى سحب 100 ألف عربة شحن من الخدمة، وحذرت شركة النقل الوطنية الروسية من أن الأسطول الروسي المؤلف من 200 ألف عربة شحن في خطر، وهذا له تداعيات ضخمة للغاية في بلاد شاسع مترامي الأطراف كروسيا، حيث الشحن عبر السكك الحديدية عصب حيوي للاقتصاد وضمانة لتوفر السلع الأساسية في مختلف المناطق خاصة النائية، والمشكلة الكبرى أن هذا الوضع المتراجع للسكك الحديدية الروسية يترافق مع انهيار الطيران المحلي نتيجة إلغاء عقود استئجار الطائرات وصيانتها.

ـ أضرار بالغة تصيب الاقتصاد الروسي بتشوهات :  وفي الواقع، فإن الأرقام المتاحة تشير إلى هذه  الأضرار ستبقى حتى مع توقف القتال، فالضغط الاقتصادي يتكشف في زيادة حالات الإفلاس بنسبة 33 %، ونزول الاقتراض الاستهلاكي 40 %. بدوره، عد هانس لويس، أستاذ مادة الاقتصاد المعاصر في جامعة اشفورد، أن الضربة الكبرى التي تلقاها الاقتصاد الروسي نتيجة الحرب تعود إلى فقدان القدرة على الوصول إلى التكنولوجيا الغربية، وهذا سيكون له تأثير طويل الأمد على القدرة الإنتاجية.

وذكر أن "العقوبات الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة وحلفاؤها على روسيا ترمي في جوهرها إلى قطع الخيوط الاقتصادية، التي نسجها بوتين مع الغرب في العقدين الماضيين، إذ ساهمت تلك الروابط والتعاون الاقتصادي بين الجانبين في تحسن مستوى أداء الاقتصاد الروسي ورفع مستوى المعيشة للمواطنين، وكان حصول روسيا على التكنولوجيا الغربية أحد أبرز الفوائد التي حققها الاقتصاد الروسي من اندماجه في الاقتصاد العالمي وتعزيز علاقته مع الاقتصاد الغربي، والآن بات من الصعب مواصلة ذلك، فقد توقفت سامسونج الكورية الجنوبية وشركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات عن إمداد روسيا باحتياجاتها التكنولوجية، كما فقد الروس القدرة على الوصول إلى البرامج الغربية المهمة لمجموعة واسعة من العمليات التجارية".

وبالطبع ستعزز روسيا تعاونها التكنولوجي مع الصين وستملأ شركة مثل هواوي الصينية للهواتف الذكية والبنية التحتية للاتصالات الفجوة، التي تركها قطع الولايات المتحدة وأوروبا علاقاتهم التكنولوجية بروسيا، لكن الفجوة من الضخامة والعمق والتعقيد بحيث يصعب على الصين أن تسدها بمفردها بالكامل.

مع هذا يمكن القول إن أكبر تكلفة على المدى الطويل بالنسبة لروسيا ستأتي من خسارتها لسوق الاتحاد الأوروبي، فقبل الحرب كان نحو 38 % من صادراتها و36.5 % من وارداتها يأتي من الاتحاد الأوروبي، ونظرا لصعوبة توجيه الإنتاج الروسي نحو أسواق جديدة، فإن الاقتصاد الروسي سيواجه مشكلات متعددة في الأعوام المقبلة، فالبنية التحتية التي تربط روسيا بآسيا محدودة، وإنشاء موانئ وسكك حديدية وخطوط أنابيب تربط الاقتصاد الروسي ببلدان آسيا أمر مكلف ويتطلب موارد مالية وتكنولوجيا هائلة.

ـ روسيا ستتعرض لضغوط  : من ناحيته، يعتقد أريك تشيستر، الخبير الاستثماري، أن روسيا ستتعرض لضغوط لتقديم تنازلات وخصومات على سلعها حتى للدول التي لا تزال مستعدة لشرائها.

وأوضح قائلا "السلع الروسية تواجه صعوبات حتى في أسواق الدول الصديقة، فشركات النقل الدولية ترفض العمل مع روسيا، فهناك صعوبات تتعلق بالمدفوعات، التي تتطلب فترات زمنية طويلة في ظل استبعاد البلدان الغربية لروسيا من نظام المدفوعات الدولية سويفت، والمنتجين الروس في حاجة إلى تلك الدول "الصديقة" أكثر من حاجة تلك الدول إليهم".

قبل اندلاع الحرب كان الاقتصاد الروسي، ووفقا لتقديرات البنك الدولي يحتل المرتبة الـ11 في ترتيب الاقتصاد العالمي، لكن معدل النمو كان يراوح بين 2 و3 % سنويا، والآن يتوقع أن تؤدي الحرب إلى نحو عقد من الركود الاقتصادي الروسي، الذي سيصيب القطاع الصناعي بما في ذلك الصناعات العسكرية، فالصناعات الروسية تعتمد في جزء كبير منها على استيراد مكونات غربية عالية التقنية، ومع تراجع قدرة الصناعة الروسية على الحصول على تلك التقنيات، فإنها لجأت إلى استبدالها بتكنولوجيا أقل تقدما، وأصبح الآن استبدال الواردات مطلبا منتشرا في جميع القطاعات الصناعية الروسية، ولكن نتيجة العقوبات، فإن عملية استبدال المكونات التي انتهى أجلها يتم بمكونات وقطع غيار أقل جودة.

ـ مناخ استثماري : بالطبع في مثل تلك الظروف، فإن الحديث عن مناخ استثماري وقدرته على جذب رؤوس الأموال المحلية والدولية ضرب من ضروب العبث، "فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة". وفي الواقع، فإن الحديث عن الاستثمار ليس على جدول الأعمال الروسي حاليا، حيث توجه الميزانية إلى الإنفاق العسكري، وقد أدت تعبئة 300 ألف جندي روسي إلى خفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة نصف في المائة أخذا في الاعتبار أن عدد الروس، الذين غادروا البلاد، وجلهم من الشباب يبلغ نحو نصف مليون شخص، وقد أقرت روسيا ميزانية لثلاثة أعوام احتلت فيها قطاعات الأمن والجيش المجالات الرئيسة للإنفاق، أما الإنفاق على الشأن الاقتصادي فقد انخفض من 4.5 تريليون روبل العام الماضي، إلى 3.5 تريليون روبل هذا العام.

مع هذا يقول البروفيسور كريس بلاك، أستاذ أنظمة الحكم في جامعة جلاسكو، حول تأثير الحرب على الاقتصاد الروسي إن "الاقتصاد الروسي يبدو أبعد ما يكون عن الانهيار، فتكلفة الحرب اليومية لروسيا تبلغ نحو 300 مليون دولار، في الوقت ذاته كانت روسيا تجني نحو 800 مليون دولار يوميا من صادرات الطاقة خلال معظم 2022، هذا يحول دون تدهور سريع في مستويات المعيشة ويسمح لروسيا بتجديد مخزونها من الأسلحة والذخيرة ومواصلة الحرب، وانتهى العام الماضي وروسيا لديها فائض في الحساب الجاري قدره 227 مليار دولار".

ويستدرك قائلا "هناك 49 دولة فرضت عقوبات على روسيا تمثل 60 % من القدرة الاقتصادية العالمية، ومن ثم 40 % من العالم يجري صفقات تجارية مع روسيا، ومن بينهم الهند والصين اللذان يشتران الآن مزيدا من النفط والغاز الروسي بخصم كبير يصل من 20 إلى 30 دولارا للبرميل، وأوروبا، ورغم جميع العقوبات، التي فرضتها على موسكو تشتري ما قيمته 125 مليار دولار من النفط والغاز منذ بدء الحرب".

ورغم ذلك، يرى أغلب الخبراء أن الحرب أنهكت الاقتصاد الروسي لأعوام مقبلة، ويستبعد أن تؤدي الخسائر الروسية البشرية والمالية والعقوبات الغربية إلى انهيار الاقتصاد الروسي وإخراجه من قائمة الاقتصادات الكبرى في العالم، لكنه سيظل أقرب إلى فيل ضخم عاجز عن الحركة، وعن بث الخوف في قلوب أعدائه، وهذا ما يرغب فيه الغرب تحديدا.

 

 

 


أخبار مرتبطة
 
24 أبريل 2024 3:33 متحالف صيني يرغب في إنشاء مدينة نسيجية متكاملة باستثمارات 300 مليون دولار23 أبريل 2024 3:14 موزير المالية: زيادة مخصصات الأجور إلى 575 مليار جنيه في العام المالي الحالي22 أبريل 2024 2:33 متوقعات صندوق النقد الدولي بارتفاع النمو العالمي في 2024 إلى 3.2%21 أبريل 2024 3:12 ملقاءات وزير المالية على هامش اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين بواشنطن17 أبريل 2024 9:43 صواشنطن: التحديات الدولية والإقليمية وتأثيرها على الأسواق الناشئة محاور مناقشة المشاط ومسئولي البنك الدولي15 أبريل 2024 2:34 ممفاعل الضبعة سيحل أزمة انقطاع الكهرباء بمصر وبدء إنتاج الطاقة بداية 202714 أبريل 2024 3:39 مبطاريات الطاقة الشمسية لتخزين الكهرباء7 أبريل 2024 1:23 مالدولة وضعت الحد الأقصى للاستثمارات العامة بتريليون جنيه لإفساح المجال للقطاع الخاص2 أبريل 2024 1:24 مالتيتانيوم .. السلاح الروسي الذي لا يعرفه احد31 مارس 2024 1:04 مأزمة أدوية تضرب العالم.. 26 دولة أوروبية أبلغت عن نقص في الأدوية في 2023

التعليقات