أبحاث


كتب فاطيمة طيبى
10 مايو 2023 3:21 م
-
الزراعة العمودية رحلة من تزيين القصور والمباني المرتفعة إلى الزراعة.. مصرو الإمارات نموذجا

الزراعة العمودية رحلة من تزيين القصور والمباني المرتفعة إلى الزراعة.. مصرو الإمارات نموذجا

 

اعداد ـ فاطيمة طيبي  

طريقة الزراعة لإنبات مزروعات في شكل عمودي تحتاج إلى عبقرية هندسية في نظام الري لرفع المياه. اذ تواجه بعض البلاد مشاكل في الزراعة إما لعدم توافر كميات مناسبة من المياه أو عدم قابلية التربة للزراعة أو لظروف المناخ المحيطة، ما جعل الزراعة العمودية تنتقل من حيز الترفيه إلى وسيلة لسد الحاجة الغذائية، وبالفعل بدأت العديد من الدول حول العالم في الاغتماد عليها غير ان هناك دول تهطل فيها الثلوج وتنخفض درجات حرارتها، كالولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا وتايوان وغيرها. ما جعل هذه الدول تلجأ لهذا النوع من الزراعة؛ اضطرارا .

يرى خبراء علم  قسم البساتين والزراعة أن الأنظمة المستخدمة في الزراعة العمودية، بمثابة تكملة لحدائق بابل المعلقة، حيث لم يكن الهدف منها في البداية هو زراعة المحاصيل الغذائية، وإنما تزيين القصور والمباني المرتفعة". لكن بعد ذلك لم يقتصر دورها على الترفيه، بدأت حاجة الإنسان للزراعة العمودية تزداد يوما بعد يوم؛ فعمل على تطويرها عبر مختلف العصور، وبدأت تظهر صور مختلفة للزراعة العمودية، خاصة مع تطور علم الزراعة بدون تربة  الهيدروبونيك  (Hydroponic).

ـ بعيدا عن الصفوف التقليدية:

تعد الزراعة العمودية نوعا من "الزراعة الخاضعة للرقابة" (Controlled-environment agriculture)، وهي محددة بنطاقات معينة، يمكن التحكم في ظروفها المحيطة من درجات الحرارة ونسبة المغذيات والضوء والرطوبة وكميات الماء وما إلى ذلك، ويمكننا عبر الزراعة العمودية إنتاج كميات كبيرة ومتنوعة من المزروعات فوق بعضها بدلا من الصفوف التقليدية عبر مساحات شاسعة، وبالتالي زيادة الإنتاجية لكل قدم مربع من الأرض.

وعن طريق التحكم في الظروف المحيطة بالنبات، يمكن وضع نظام لتحديد الموسم الزراعي الاصطناعي. تخيل أن تزرع محصولا يعادل 700 فدان في مكان بحجم السوبر ماركت كبير، لان هذا النوع من الزراعة يكون على هياكل مرتفعة  جدا ، ما يزيد إنتاجية المتر المربع الواحد من مساحة الأرض المزروعة رأسيا عشرات الأضعاف.

ـ ضرورة التغيير :

يبدو هذا الشكل من الزراعة  مفيدا لما هو قادم عليه العالم، فمن المتوقع أن يزداد عدد سكان الأرض إلى 9.7 مليار نسمة بحلول 2050، وسيعيش 70% منهم في المناطق الحضرية، ما يجعل الزراعة العمودية مقترحا مناسبا للحصول على الغذاء، وتقليل الانبعاثات، خاصة أن الزراعة مسؤولة عن 18.4% من إجمالي الغازات الدفيئة، وفقا لـ(Our World in Data).

ووفقا لـ(CCAFS)، ستنخفض إنتاجية 3 من أكثر المحاصيل الغذائية استهلاكا في الدول النامية، وهي: الذرة والقمح والأرز؛ نتيجة ارتفاع درجات الحرارة. كل هذا يهدد الأمن الغذائي. بالإضافة إلى أن الزراعة العمودية تساهم في الحد من استهلاك كميات فائضة من المياه؛ إذ تستهلك الماء المحدد لها بنسبة 100%، إذ تدار المياه في حلقة مغلقة؛ فيستفيد منها النبات كلهوان كان  الأمر ليس بهذه السهولة. هناك اعتبارات كثيرة يجب أخذها في الحسبان .

ـ مصانع داخل الزراعة العمودية:

من اسمها، الزراعة العمودية، يفهم انها  تزرع بشكل عمودي على حائط أو هياكل للأعلى، وتعتمد على نوع من الزراعة تُسمى "الهيدروبونيك"، وهي الزراعة في المياه أو بدون تربة، وتتعدد أنواعها، وكل هذه الأنواع تتفق في عدم استخدام التربة العادية في الزراعة، وفكرتهم الرئيسية توصيل المحلول الغذائي لجذر النبات الذي ينمو فيه . وعلى سبيل المثال نجد  دولة الإمارات العربية المتحدة، وفي دبي تحديدا ، قد نجد مباني مغطاة بالأعشاب، وهو شكل من أشكال الزراعة العمودية، كل ما في الأمر أنهم أحضروا وحدات تثبت على الحائط، وتصعد المياه عبر خراطيم، محملة بالغذاء؛ فتنمو الأعشاب".

حيث  يوجد دولة الإمارات العربية المتحدة  مصنع لإنتاج محصول الطماطم بنظام الزراعة العمودية، ويطلق عليه مصنع وليست صوبة، وهو معزول تماما عن المناخ الخارجي، وكل شيء فيه يعمل بنظام تلقائي، ومدعم بتكييفات".

وللاشارة هذه الوحدات قد تكون ثابتة أو تتحرك وهي حاملة النبات، بغرض الوصول إلى الضوء إذا لم يكن موزعا بانتظام داخل المصنع، ويصف فتوح تلك المصانع بأنها عبارة عن صوبات ضخمة، بارتفاع يتراوح بين 10 إلى 15 مترا، مغلقة ومعزولة عن العالم الخارجي تماما، والنباتات مزروعة في شكل وحدات، تتحرك المياه محملة بالمواد الغذائية عبر صوف صخري.

ـ  مزارع بتقنيات متطورة في مصر:

في خطوة متطورة وصديقة للبيئة،  اسست بعض الاسر في بعض المحافظات المصرية ، مشروعا يستخدم تقنية حديثة للزراعة تزيد الإنتاجية بمعدل يصل إلى 10 أمثال الأراضي الزراعية العادية.

المشروع الذي يحمل اسم "توليما" بالإفريقية، والتي تعني "هيا نزرع"، قادر على إنتاج محصول عالي الجودة دون استخدام أي مبيدات لمكافحة الآفات، فضلا عن قدرته على حماية المناخ والبيئة من التلوث، وتوفير الهدر في المياه والطاقة الكهربائية. والهدف من الفكرة ترشيد  الاستهلاك العالي للمياه. حيث  تتم زراعة الأراضي من خلال صوبات على مساحة 20 فدان تستخدم تكنولوجيا الري بالتنقيط

والفدان الواحد ينتج باستخدام هذه التكنولوجيا عشرة أمثال الفدان في الأراضي المفتوحة، بسبب توافر ما يحتاجه من مياه وضوء بدقة، وبالتالي تنتج محاصيل صحية عالية الجودة.

كما أن التقنية ستبعد المحاصيل عن أي الآفات زراعية بسبب نظام التعقيم الحديث الذي لا يسمح بأي تلوث، ويمكن التحكم في كل شيء في الصوبات من خلال نظام كمبيوتر يقرأ بيانات المزرعة كل دقيقة، ويحدد بدقة احتياج النبات.

للاشارة أن هذه الطرق متبعة في العالم وفي الدول المتقدمة بمجال الزراعة، وتهدف للتغلب على مشاكل المناخ والرطوبة ونقص المياه، وبات من المحتم أن تتجه مصر إليها.

  ـ ما مدى احتياج مصر للزراعة العمودية :

غالبا ما تستخدم الزراعة العمودية في الدول التي لا تمتلك أرضا صالحة للزراعة أو مناخها غير ملائم ويصبح كل شيء مفيد وفقا لاحتياجه . السبب أن استخدامات الزراعة العمودية في مصر محدودة في  جانب الديكورات الداخلية التي تستخدم نباتات الزينة. أما في دولة الإمارات فالوضع مختلف لظروف المناخ.

 وعند المقارنة بوضع مصر، أننا نستطيع زراعة محصول الطماطم في كل شبر في مصر، وفي كثير من الأحيان تباع بثمن رخيص أو بدون نقود لكثرتها؛ لأن تربة وبيئة مصر تصلح للزراعة.

 ـ الزراعة في الحاويات:

القائمون على مثل هذا المشروع يستخدمون طريقة أخرى في الزراعة وهي استخدام حاويات الشحن، حيث يتم استخدام حاويات شحن مغلقة مساحة الواحدة منها 40 قدم، وتحويلها لمزارع كاملة، عبر تهيئة المناخ داخل الحاوية من إضاءة ومياه بما يسمح بالزراعة، وهي تقنية مفيدة للزراعة في الأماكن البعيدة، والمهجورة، أو الفنادق والمطاعم التي لا تتوفر بالقرب منها مزارع للحصول على الخضراوات الطازجة على سبيل المثال.

اضف الى ذلك أن هذه الحاويات تمكن من توفير قدرة على الزراعة بأعلى كثافة، وبأقل استهلاك للمياه، حيث يتم استعمال قرابة 20 لتر من المياه أسبوعيا، وهي نسبة أقل مما تستهلكه الغسالة الكهربائية في أي منزل، فيما تنتج الحاوية الواحدة ما يوازي 2.5 فدان زراعي من الأراضي المفتوحة، من خلال تقنية الزراعة العمودية، التي تمكن من استغلال كل مساحة الحاوية في إنتاج محاصيل جيدة وبكميات مناسبة.

ـ الهدف المحافظة على البيئة :

هذه الأساليب الحديثة تحافظ على البيئة وعلى المياه، حيث يتم ضخ مياه جديدة في المزرعة مرة كل شهر، ويتم تعقيم هذه المياه واستخدامها مرات عدة، كما أن نسبة 70 % من الكهرباء التي يتم استعمالها تعمل بالطاقة الشمسية.

هذا وان معظم الخامات المستخدمة تكون من الورق، حيث نبتعد عن المواد الملوثة للبيئة مثل البلاستيك وغيرها، ولا تستخدم المبيدات لأن المزارع تكون معقمة، ولا يمكن لأحد دخولها إلا بعد التأكد من تعقيمه تماما، وبالتالي يتم توفير نفقات رش المبيدات إضافة إلى استعمال الطاقة الشمسية في إنتاج الكهرباء، وإعادة تدوير معظم الخامات المستخدمة وتحويلها لأدوات جديدة يتم الاستفادة منها. الهدف من إنشاء هذا المشروع ليس فقط بيع المنتجات الزراعية الصحية عالية الجودة، ولكن نقل طرق الزراعة الحديثة، التي تمهد الطريق لاكتفاء مصر ذاتيا، إضافة إلى دفع الناس لتغيير فكرهم الزراعي وتوعيتهم بالطرق الحديثة مع إمدادهم بما يحتاجون من خبرات وأدوات .



التعليقات