دراسات


كتب إدارة التحرير
7 أكتوبر 2019 4:40 م
-
"تأثير رفع الفائدة على الإستثمار والإقتصاد والأسواق ودراسة الخفض الحالي"

"تأثير رفع الفائدة على الإستثمار والإقتصاد والأسواق ودراسة الخفض الحالي"

كتب - محمود صابر النشار

 "خفض سعر الفائدة 1 % عن سابقه؛ لتصبح  13.25 % للإيداع، و 14.25 % للإقراض":

جاء قرار التخفيض الأخير لأسعار الفائدة في مصر- الذي أعلن عنه البنك المركزي الخميس الماضي 26 سبتمبر 2019- متوافقاً مع توقعات المحللين وتنبؤات بنوك الإستثمار المختلفة، التي أشارت سابقاً بهذا الخفض نتيجة للتراجع الكبير في معدلات التضخم خلال الثلاثة شهور الماضية، وخفض أسعار الفائدة في عدد من الأسواق العالمية الأخرى... وهذا وفقاً لما توصل إليه المركز من بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، التي تشير لتراجع معدل التضخم السنويللشهر الثالث على التوالي خلال شهر أغسطس من هذا العام ليصل إلى 6.7 % لإجمالي الجمهورية مقابل 7.8 % في يوليو؛ ووصول معدل التضخم السنوي في المدن إلى 7.5 % في أغسطس مقابل 8.7 % خلال شهر يوليو، مسجلاً أقل مستوى منذ يناير 2013 والذي كان 6.3%.

وليس غريباً أن تأتي نسبة الخفض بالتوافق مع رؤية وتوقعات بعض الخبراء الإقتصاديين ممن أشاروا بوضوح بأن من شأن هذا الخفض التأثير إيجابياً على ديون الحكومة التي تقترضها أسبوعياً لسد عجز الموازنة، مؤكدين على أهمية مثل هذه القرارات على المستثمرين من أجل الدخول للسوق المصري وعلى كل من يطمح لإجراءات توسعية إستثمارية. والملاحظ بقوة هو طبيعة الخفض الذي كان متوقعاً نظراً لموجة التسيير النقدي التي جرت في عدة دول بدأت بالولايات المتحدة الأمريكية التي خفضت الفائدة لديها بواقع ربع نقطة مئوية للمرة الثانية لهذا العام، ومن ثم بعض دول الخليج والبنك المركزي الأوروبي.

3 نوفمبر 2016، البنك المركزي المصري يقرر تعويم الجنية:

في خطوة بحسب للبنك المركزي المصري والتي إعتبرها الجميع بأنها من أهم قراراته التاريخية، والتي هدفت في أساسها إلى إعادة التوازن بأسواق العملة والسيطرة على التضخم المحتمل الذي كاد أن يطرق الأبواب، أعلن فيها تحرير سعر الصرف أو "تعويم العملة- الجنية المصري" أمام العملات الأجنبية ليتم تسعيره وفقاً لاَليات العرض والطلب، وذلك في يوم الخميس 3 نوفمبر 2016، أملاً في القضاء على السوق السوداء التي إنتعشت في البلاد حينذاك نتيجة الضغوط على الدولار.

ويعد ذلك القرار بمثابة نقطة تحول كبيرة في مسار الإقتصاد المصري ككل، حيث أصبح الشكل العام للإقتصاد المصري وهيكله الأساسي مختلفاً تماماً عما هو سابق لهذا القرار. إذ كانت الصورة المرئية للإقتصاد المصري صورة مثقلة بالديون ومما لا شك فيه كارثة وجود سعران لصرف نفس العملة المحلية داخل نفس البلد، أحدهما هو السعر الرسمي من قبل البنوك والاَخر هو ما يتعامل معه المتضاربون في السوق الموازية المعروفة بالسوق السوداء؛ إلى أن وصل الأمر إلى وجود فارق بينهما تجاوز ال 8 جنيهات في بعض الأحيان. فكان لابد أن تجد الدولة حلاً وإجراء ضمن برنامج الإصلاح الإقتصادي الشامل إلى أن تم التوصل إلى قرار تحرير سعر الصرف الذي أحدث صدمة في السوق في بداية الأمر وما أدى إليه من إرتفاع في الأسعار دام 6 أشهر ولكن سرعان ما عاد الإستقرار في السوق وتمت السيطرة على التضخم المحتمل.

فقد أصدر البنك في ذلك اليوم أحد أهم البيانات في تاريخه وهو قرار التعويم الذي جاء في فقرته الأولى نصاً كالتالي: «حرصا من البنك المركزى على تأكيد ثقته فى الاقتصاد المصرى وتحقيق الاستقرار النقدى استهدافا لمستويات أدنى من التضخم فقد قرر اتخاذ عدة إجراءات لتصحيح سياسة تداول النقد الأجنبى من خلال تحرير أسعار الصرف لإعطاء مرونة للبنوك العاملة فى مصر لتسعير شراء وبيع النقد الأجنبى بهدف استعادة تداوله داخل القنوات الشرعية وإنهاء تماما السوق الموازية للنقد الأجنبى، اتساقا مع المنظومة الإصلاحية المتكاملة التى تتضمن برنامج الإصلاحات الهيكلية للمالية العامة للحكومة الذى يتم تنفيذه بحسم وأن حزمة الإصلاحات النقدية والمالية المتكاملة تمكن الاقتصاد المصرى من مواجهة التحديات القائمة وإطلاق قدراته وتحقيق معدلات النمو والتشغيل المنشودة بما يتناسب مع إمكانيات وموارد مصر البشرية والطبيعية والمادية«.

فمن توابع الإضطرابات الناجمة عن الأحوال الأمنية والسياسية منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك في 2011، وأمل الحكومة في خفض عجز الموازنة التي بلغت 339.5 مليار جنية بنسبة عجز 12.3% لعام 2015-2016 مقارنة ب279.4 مليار جنيه أي بنسبة 11.5 % لعام 2014-2015، والطموح القوي في خفض الواردات وزيادة الصادرات والقضاء على ظاهرة الدولرة والمضاربة على الدولار في السوق السوداء من أجل كشف العرض والطلب الحقيقيين للدولار بعيداً عن الصورة الوهمية المصدرة من التجار وإنقاذاً للبورصة المصرية كان من الضروري إتخاذ هذا القرار ليصبح تداول الدولار في عدة بنوك صباح يوم الخميس 3 نوفمبر 2016  (يوم قرار التعويم) عند مستوى 13 جنيهاً للشراء وما بين 13.5 و 14.3 جنية للبيع؛ بعدماسجل في السوق السوداء سعراً وصل ل 18 دولاراً في بداية الأسبوع  الذي جرى فيه التعويم في نوفمبر 2016، بالرغم من كونه محدداً رسمياً أو مربوطاً عند مستوى 8.88 جنية قبل ذلك الوقت بعدة شهور وتحديداً في مارس 2016.

ونتيجة لتحرير سعر الصرف،المركزي يقرر رفع سعر الفائدةبواقع 300 نقطة أساس:

أما بالنسبة للقرارات الأخرى التي إتخذها البنك المركزي في ذلك الوقت بجانب تحرير سعر الصرف في 3 نوفمبر 2016، هو رفع سعر الفائدة القياسية  على الودائع والقروض بواقع 300 نقطة لدعم العملة المحلية، لتصل إلى 14.75 % للودائع و 15.75 % للقروض. جاء ذلك نصاً في الفقرة الثانية من بيان البنك المركزي حينذاك كالتالي: «قام البنك المركزى باتخاذ القرارات التالية اعتبارا من اليوم وإطلاق الحرية للبنوك العاملة فى مصر فى تسعير النقد الأجنبى وذلك من خلال آلية الإنتربنك ورفع سعرى عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة بواقع 300 نقطة أساس ليصل إلى %14.75 و%15.75 على التوالى ورفع سعر العملية الرئيسية للبنك المركزى بواقع 300 نقطة أساس ليصل إلى %15.25 وزيادة سعر الائتمان والخصم بواقع 300 نقطة أساس ليصل إلى %15.25 والسماح للبنوك بفتح فروعها حتى التاسعة مساء وأيام العطلة الأسبوعية بغرض تنفيذ عمليات شراء وبيع العملة وصرف حوالات المصريين العاملين بالخارج.»

ومنها، فقد واصل البنك المركزي قراراته بمزاولة رفع أسعار الفائدة،فإستناداًعلى  بيانات لجنة السياسة النقدية على موقع البنك المركزي المصري،  نبدأ سريعاً  بتوضيح المحطات التي مرت بها أسعار الفائدة صعوداً؛ ومن ثم الإشارة أيضاً فيما بعد إلى رحلة العودة إلى المسار الصحيح (بعد تحرير سعر الصرف)- حيث بلغت الفائدة قبل قرار تعويم الجنية المصري 11.75% للإيداع و 12.75 % للإقراض. هذا وقبل أن تقفز إلى 14.75%  للإيداع و 15.75 % للإقراض وقت التعويم ذاته لتسجل إرتفاعاً بلغ 3 % هادفةً إلى ملائمة ظروف عملية التعويم اَنذاك.

كما واصلت أسعار الفائدة زيادتها مجدداً في 21 مايو 2017، بواقع 200 نقطة أساس ممثلة بنسبة وصلت إلى 2 % لتنتقل من 14.75%لـ16.75% للإيداع؛ ومن 15.75% ل ـ17.75 % للإقراض-  هذا قبل قرار لجنة السياسات بالبنك المركزي إعلان وصول سعر الفائدة إلى زروتها في 6 يوليو 2017 بزيادة مقدرة ب 200 نقطة أساس لتصبح 18.75 % للإيداع و 19.75 % للإقراض.

والجدير بالذكر هو عندما اتخذ البنك المركزي قراره برفع سعر الفائدة عما سابقه بواقع 200 نقطة أساس أي بنسبة 2% في 6 يوليو 2017(والتي تمثل ذروة إرتفاع سعر الفائدة)، رجح البنك هذا القرار مدعوماً ببعض الأسباب والتي قد نعتبرها منافع مرحلية تؤتي ثمارها على المدى القصير.

دوافع البنك المركزي لرفع سعر الفائدة:

- دعم المركزي قراره بإستهداف التضخم اَنذاك، وتخفيضه بواقع 13 % في الربع الأخير من العام 2018، عن طريق خفض السيولة المتاحة خارج الجهاز المصرفى، فيقل الطلب على السلع وتنخفض أسعارها- فرفع سعر الفائدة يحقق فرق فائدة إيجاببية وقتية لصالح المودعين فيعوضهم عن الإرتفاعات التضخمية الجديدة.

- الحفاظ على القوة الشرائية للجنية المصري عن طريق حسم الامر نهائياً وبدون رجعة، لصالح الجنية، وإعلان انتهاء ظاهرة الدولرةوالبدء فى عمليات دولرة عكسية نشطة للتخلص من الدولار والتوجه الى الجنية المصرى. لأن رفع سعر الفائدة يرفع من كلفة تمويل عمليات إستيراد السلع غير الاستراتيجية، ويرفع أسعار بيعها للمستهلك النهائى فيقل الطلب عليها، ويقل إستيرادها، وتنخفض فاتورة الاستيراد فيقل الطلب على الدولار وتزداد قيمة الجنية.

- تخفيض الاَثار الناتجة عن إرتفاع أسعار الوقود والكهرباء. والسبب الاَخر هو إرتفاع ضريبة القيمة المضافة.

- تعزيز استمرار صفقات المبادلة الآجلة بين الجنية والدولار والتى تنفذها صناديق استثمار اجنبية والتى توفر سيولة دولارية تساعد على دعم الاحتياطى النقدى لحين نمو المصادر الذاتية .

أما عن التداعيات السلبية، فتتصدرها الحكومة ممثلة في عجز الموازنة والديون؛ نعتقد أن القلق في شأن رفع أسعار الفائدة يكون كبير مقارنة بخفضها؛ بغض النظر عن كوننا مواطنين نقوم بإستثمار أموالنا في البنوك من أجل الحصول على عائد من إستثمارها، لكن علينا أن نضع المصلحة الكبرى نصب أعيننا!

فبالرغم من أن رفع أسعار الفائدة من المفترض أن يحسن من تقييم الجنية المصري أمام العملات الأجنبية كما ذكرنا، فتتحسن بالتالي قوته الشرائية، وتنخفض معدلات التضخم، لكن من المؤسف أن يكون ذلك على مدى قصير وقصير جداً... فعلى العكس من خفض سعر الفائدة والتي تكون فيه الحكومة من أبرز وأهم المستفيدين فإن إرتفاع سعر الفائدة يضع الحكومة في موقف سلبي من ناحية تكلفة إقتراضها من البنوك عن طريق أدوات الدين الحكومية وأذون وسندات الخزانة؛ ما يزيد من عجز الموازنة العامة للدولة ويرفع أيضاً من تكلفة إقتراض أصحاب الأموال من الجهاز المصرفي، وهذا ما تؤكده لجنة أسواق المال بالمجلس الاقتصادي الأفريقي، عندما ذكرت بأن قرار رفع الفائدة سيؤدي بدوره إلى ارتفاع الدين العام خاصة وإن وزارة المالية قد بدأت في التفاوض على بعض المديونيات الدولارية لسدادها بالجنيه كما حدث مع دانا غاز، علاوة على الزيادة المؤكدة في تكلفة الإنتاج والسلع نتيجة رفع الفائدة على إقراض المستثمرين وأصحاب الأعمال.كما أن التأثير السلبي المباشر لرفع الفائدة على تعاملات البورصة هو إخراج السيولة بعد إقرار ضريبة الدمغة وظهور أوعية إدخارية ذات عائد مرتفع وخال تماماً من المخاطر والتي نرى إنها دعوة صريحة للإدخار بدلاً من الاستثمار.. فسؤالنا الاَن- أين إذاً تشجيع الاستثمار والإنتاج وخلق فرص العمل، وهل هذه الزيادة هي الحل الأمثل لتحجيم نسب التضخم التي تجاوزت 30.7% في 2017.

أما عن زيادة سعر الفائدة مايو 2017، فإنه بعيداً عن الآثار السلبية المتوقعة على النشاط الاقتصادي وتعميق الركود- إلا أن المتضرر الأكبر لرفع أسعار الفائدة هي الدولة ذاتها- والتي ستعاني من ارتفاع تكلفة الإقراض، بما قد يجاوز 50 مليار جنيه إضافية على بند خدمة الدين، والمتوقع أن يشكل قرابة 38% من الموازنة العامة للدولة بما يعمق من مستويات العجز في الموازنة العامة، ويصعب تحقيق المستويات المستهدفة للنمو".

والأبعد من ذلك، ما توصل إليه المركز من إحتمالية خلق إنتقاص في أرباح البنوك نتيجة للفارق الذي سيتم دفعة للمودعين لأموالهم المستثمرة في البنوك، ومن ناحية أخرى إرتفاع أعباء المديونين للبنوك وزيادة فرص التعثر. كما من المحتمل أن تتأثر البورصة سلباً ، لان رفع الفائدة يزيد من حجم العاطلين بالودائع على حساب مستثمري البورصة. أما تاثير رفع الفائدة على الإستثمار؛ فالقرار قد يكون غير مناسب لرجال الأعمال؛ فسيؤدي إلى عزوفهم عن الإقتراض من البنوك بسبب إرتفاع تكلفة الإقتراض وما يترتب عليه من تأجيل توسعاتهم ومزاولة نشاطاتهم الإقتصادية التي يترتب عليها المزيد من الإستفادة في نمو الإقتصاد كتقليل نسبة البطالة نظراً لما تحتاجه هذه المشروعات الجديدة من أيدي عاملة والعديد من العوامل الأخرى التي تترتب عليها. فارتفاع تكلفة التمويل على المستثمرين ورجال الاعمال تؤدى إلى الانكماش والركود الاقتصادى وربما تولد ظاهرة لاقتصاد مركب يجمع مابين الركود والتضخم.

أما المستفيد الأكبر من رفع سعر الفائدة هو المستثمر الأجنبي الذي يستثمر في أذون الخزانة ويرغب في الحصول على أرباح سريعة ومضمونة وهي ما يطلق عليها الأموال الساخنة؛ حيث تحصد أرباح وتخرج سريعة.

مرحلة التسيير النقدي لسعر الفائدة: (رحلة العودة للمسار الصحيح):

أما عن رحلة العودة والهبوط؛ فإستكمالاً لبيانات لجنة السياسة النقدية المتاحة على موقع البنك المركزي، نرى مرحلة جديدة خاضتها سعر الفائدة بدأت في 15 فبراير 2018 أي بعد 7 شهور من بلوغ سعر الفائدة لزروتها (6 يوليو 2017)، حيث تم تخفيض الفائدة بنسبة 1 % لتصبح 17.75 % للإيداع و 18.75% للإقراض و18.25% لسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي. وفي 29 مارس 2018 خفض سعر الفائدة على الإيداع والإقراض بنسبة 1% أي ب خفض 100 نقطة أساس لتصل إلى 16.75% للإيداع و17.75% للإقراض. وواصلت إنخفاضها انخفضت مرة أخرى ضمن رحلة العودة إلى المسار الصحيح، عقب ذلك بنسبة 1% في 14 فبراير 2019 بواقع 100 نقطة أساس لتصل إلى 15.75% للإيداع و16.75 % للإقراض.

أما في 23 مايو 2019 فقررت لجنة السياسة النقديـة للبنك المركزى المصـرى فى اجتماعهـا ، تثبيت سعر عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزى عند 15.75% و16.75%و16.25% على الترتيب، وتثبيت سعر الائتمان والخصم عند 16.25%. ومن ثم تخفيضها أيضاً خلال نفس العام بنسبة 1.5% في 22 أغسطس  2019 بواقع 150 نقطة أساس لتصل إلى 14.25 % للإيداع و 15.25% للإقراض.

وأخيراً واجهت التخفيض الأخير لها حتى الاَن في 26 سبتمبر 2019 لتصبح 13.25 % للإيداع و 14.25 % للإقراض بتخفيض بلغت نسبته 1% ويصبح سعر العملية الرئيسية للبنك المركزي 13.75% وسعر الائتمان والخصم 13.75%.

وبهذا يصل مجموع ما خفضه البنك في أسعار الفائدة خلال هذا العام الحالي إلى 3.5%، وإلى 5.5% منذ بداية عام 2018 وحتى قرار سبتمبر هذا العام. بعد رفع المركزي الفائدة 7% بعد تعويم الجنيه في نوفمبر 2016 من أجل دعم الجنيه والحد من الدولرة ومواجهة التضخم المتوقع بعد خسارة الجنيه لنحو نصف قيمته.

دراسة الخفض الحالي لأسعار الفائدة وتأثيره على وضع الإقتصاد ومديونية الدولة: 26 سبتمبر 2019:

كأي قرار إقتصادي من شأنه التأثير على بعض الجهات المعنية به كالحكومة والمواطنين والمستثمرين والمصنعين وغيرهم، أياً كان إيجابياً على البعض وسلبياً على البعض الاَخر منهم. فقد أتى القرار بالتوافق مع خطة وزارة المالية التي تستهدف خفض الدين العام والوصول به إلى قدر من الاَمان، فمن أبعاد تخفيض الفائدة خفض تكلفة تمويل ما تحتاج إليه الحكومة من متطلبات من 21 % إلى 14 % ولأقل من ذلك.كما أن مخصصات خدمة الدين العام وفوائد الدين ستتأثر إيجاباً جراء هذا القرار في حدود 5 مليارات جنية لصالح الدولة؛ لأن كل أنخفاض بنسبة 1% في سعر الفائدة سيخفض مدفوعات الفوائد بما يتراوح ما بين 4 و 5 مليارات جنية.

ومن ناحية أخرى فقد توصل المركز إلى نتائج ذلك الخفض والتي ستؤول في الأخير إلى إرتفاع معدلات النمو بصورة كبيرة ومتزامنة مع زيادة الطلب التمويلي من أجل التوسعات الإستثمارية المؤجلة بسبب الفائدة المرتفعة سابقاً، وهذا ما سينعكس إيجابياً على إيرادات الضرائب التي تستهدف وزارة المالية تحصيل قدر منها حددته ب 868 مليار جنية للعام المالي الحالي. هذا بدوره سيزيد من الإيرادات ويحقق ذلك الفائض الذي تقدره الدولة ب 124 مليار جنية بعد إستهداف مشكلة عجز الموازنة.

والجدير بالذكر أن تحسن أي أداء إقتصادي لأي دولة سيعمل على زيادة الحركة في السوق وزيادة التوسعات الإستثمارية الجديدة التي ستتطلب عمالة جديدة ومنها ستخلق فرص عمل مما ينعكس على مؤشر البطالة الذي وصل لأقل من 8 % لأول مرة في مصر.

العوامل الإقتصادية التي ينعكس عليها القرار: 

إستناداً على مجموعة من البيانات المتوفرة وبعض التحليلات التي تم إجرائها، فقد توصل المركز إلى حصر أهم العوامل الإقتصادية التي ينعكس قرار خفض أسعار الفائدة الجديد، ومنها:

1- الإستثمار والنمو:

يعتبر المستثمرون في أي بلد من عوامل نمو الإقتصاد، حيث ينتظر المستثمرون تلك القرارات التي تعلنها البنوك بتخفيض سعر الفائدة بأحر من الجمر؛ لأن ذلك يعمل على خفض تكلفة الإقتراض- ومما لا شك فيه- أن الفترة التالية لتحرير سعر الصرف أدت إلى تأجيل بعض الإستثمارات نتيجة لإرتفاع مستويات الفائدة التي تبعت التعويم. ما يؤدي إلى غياب دور القطاع الخاص الممثل في المستثمرين في نهضة الإقتصاد والنمو خاصة بعد تراجع القوة الشرائية للمستهلكين.

لذلك فأن قرارات خفض الفائدة تشجعهم على الإقتراض وبشكل كبير من أجل تنفيذ توسعاتهم ومشروعاتهم الإقتصادية، والذي يترتب عليه توافر العديد من السلع والخدمات وزيادة المعروض داخل البلد ومنها تقليص الإستيراد ما يؤدي إلى خفض الأسعار. كما تستهدف الحكومة تحقيق معدل نمو في الناتج المحلي الإجمالي 6% خلال العام المالي الجاري، مقابل 5.6% في عام 2018-2019.

2- البطالة والصادرات:

بعودة أقتراض المستثمرون من أجل تنفيذ مشروعاتهم وتوسعاتهم الإقتصادية وضخ إستثمارات جديدة سيتطلب السوق المزيد من الأيدي العاملة ممثلة في فرص عمل جديدة والتي من شأنها تقليل نسبة البطالة التي وصلت لمستويات لم تحقق من قبل؛ فبحسب بيانات حديثة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تراجعت معدلات البطالة خلال الربع الثاني من عام 2019 إلى 7.5% مقابل 8.1% خلال الربع السابق عليه، ومقابل 9.9% خلال نفس الربع من العام السابق. مما يترتب عليه زيادة مستوى المعيشة والرفاهية وخفض معدلات الفقر التي وصلت 32.5 % في عام 2017-2.18. أما من ناحية الصادرات، فأن توافد المستثمرون على الإقتراض حين خفض سعر الفائدة لتنفيذ مشروعاتهم سيزيد من فرص التصدير وزيادة الدخل من النقد الأجنبي.

3- المودعون وفوائد الديون:

قد يكون هذا التوجه سلبياً على أولئك من مودعي أموالهم في البنوك،فسوف يتم حصولهم على عائد أقل كلما توجه البنك المركزي تخفيض سعر الفائدة؛ لكن من وجهة نظر المركز أن العائد القليل الذي سيحصل عليه المودع في هذه الأوقات التي قلت فيها معدلات التضخم قد يكون أفضل بكثير من العائد الكبير في ظل إرتفاع معدلات التضخم من حيث الفائدة الحقيقية؛حيث كانت الفائدة في هذه الفترة سالبة مقارنة بمعدل التضخم والذي تجاوز وقتها مستوى الـ 30%، بينما كان أعلى عائد في السوق عند 20%.  أما عن سعر الفائدة الحقيقي والذي يمكن تقييمه عن طريق الفرق بين سعر الفائدة ومعدل التضخم فبحسب تقرير سابق لبنك استثمار شعاع فإنه يقدر ب 7 %.

أما بالنسبة للجهة المستفيدة من القرار فتأتي الحكومة من ضمن أبرز المستفيدين من خفض أسعار الفائدة، حيث سينعكس ذلك على مدفوعات الفوائد على الديون بالموازنة العامة للدولة بالانخفاض، والتي وصلت مخصصاتها لمستويات 569.1 مليار جنيه في الموازنة العامة للعام المالي الحالي وهو ما يمثل نحو 36.1% من مصروفات الموازنة؛ لأن زيادة أسعار الفائدة بواقع 1 % قد يؤدي إلى زيادة فاتورة خدمة دين أجهزة الموازنة العامة بنحو من 8 إلى مليارات جنيه سنويا. في حين تستهدف الحكومة مواصلة خفض عجز الموازنة خلال العام المالي الحالي، ليسجل 7.2% مقابل نحو 8.2% خلال العام المالي السابق.

4- التضخم:

من توابع حصول المودعين على فائدة حقيقية إيجابية مع خفض أسعار الفائدة والتراجع الكبير في معدلات التضخم هو لجوء العديد من المودعين خاصة ممن لا يمتلكون الخبرة الكافية في إدارة أموالهم في قنوات إستثمار أخرى إلى إيداع أموالهم في البنوك من أجل الحصول على تلك الفائدة الحقيقية وعدم التعرض للمخاطرة؛ وهذا ما سيؤدي إلى عدم توافر تلك السيولة في الأسواق التي قد تؤثر بشكل ملحوظ على التضخم. وسجل معدل التضخم السنوي 7.8% لإجمالي الجمهورية في يوليو مقابل 8.9% في يونيو الماضي وصولاً ل 6.7 % في أغسطس، ووصل في المدن إلى 8.7% في يوليو مقابل 9.4% خلال يونيووصولاً ل 7.5% خلال شهر أغسطس؛ مسجلا بذلكأقل مستوى منذ أغسطس 2015، والذي كان 7.9%، بحسب بيانات جهاز الإحصاء. وسجل معدل التضخم الشهري لشهر أغسطس معدل 0.7% لإجمالي الجمهورية مقابل 1.5% خلال شهر يوليو الماضي، بحسب ما أظهرته بيانات الجهاز، وأيضا وصل المعدل في المدن إلى 0.7% أيضا مقابل 1.1% في يوليو.

5- البورصة:

نتيجة للتوقعات باستئناف برنامج الطروحات الحكومية خلال الشهور المقبلة، سيدفع خفض سعر الفائدة إلى تشجيع أصحاب الأموال ممن لديهم الخبرة في مجال أسواق المال على الإقبال على البورصة المصرية وضخ إستثمارات جديدة فيها خاصة في ظل التوقعات باستئناف برنامج الطروحات الحكومية خلال الشهور المقبلة، بعد طرح واحد فقط عبارة عن حصة إضافية من أسهم الشركة الشرقية للدخان.

6-  إستثمارات الأجانب في أدوات الدين:

يرجح المركز أن تظل مصر من أحد أبرز الدول الجاذبة للإستثمارات الأجنبية؛ ويرجع ذلك الترجيح إلى إنخفاض معدلات التضخم بشكل كبير في مصر بغض النظر عن تراجح سعر الفائدة (ولكن كما ذكرنا سابقاً- أن الفائدة الحقيقية مرتفعة بالنظر لإنخفاض معدلات التضخم)، والأمر الاَخر هو خفض الفائدة ببعض الأسواق الأخرى مثل أمريكا وتركيا، بالإضافة إلى استقرار الأوضاع الاقتصادية في مصر، والمؤشرات الإيجابية التي حققها الاقتصاد في الفترة الأخيرة.

7- سعر الصرف:

مع التراجع في معدلات الفائدة إلى مستوياتطبيعية أو إلى مستويات أقل مع مرور الوقت، وعودة القطاع الخاص للتوسع وإنشاء مشروعات جديدة وضخ أستثمارات عالية، فمن المتوقع أن يؤثر ذلك إيجابيا على أسعار الصرف، مع توفير بعض السلع في السوق المحلية وزيادة الإنتاج وبالتالي اعتماد أقل على الاستيراد، بالإضافة إلى زيادة الصادرات من السلع وزيادة تدفقاتها من النقد الأجنبي.

أبرز المستفيدين من قرار خفض سعر الفائدة:

1- المصنعون ومقدمي الخدمات:

قال بنك استثمار برايم في تقرير له الأربعاء 25 سبتمبر 2019، "ما زلنا نرى القطاع الخاص يراهن على استعادة مستويات أسعار الفائدة قبل التعويم، ليتم تحفيزه لاستئناف دورة الإنفاق الرأسمالي". من هنا نرى بوضوح أن إنخفاض سعر الفائدة يشجع وبقوة كل المستثمرون على الإقتراض ومزاولة نشاطاتهم وتوسعاتهم الإقتصادية وما يترتب على ذلك من إذهار إقتصادي ذكر سابقاً.

2- أصحاب القروض الشخصية:

من أبرز المستفيدين من هذا القرار هم أصحاب القروض الشخصية؛ خاصة إن تلك القروض المسحوبة عبارة عن قروض أستهلاكية لا تدر عائداً مالياً على صاحب القرض، فكلما كانت الفائدة أقل كلما كانت فرص التسديد والتكلفة أفضل له. وقال برايم أن : "الاستهلاك الخاص يستعد لاستعادة مساهمته الكبيره في النمو على خلفية انخفاض معدل التضخم، والزيادة الأخيرة في الأجور العامة ورفع الحد الأدنى للأجور والمعاشات التقاعدية، ولذلك ينبغي أن يوفر المزيد من التيسير النقدي دفعة أخرى للاستهلاك الخاص للتعافي".

3- الحكومة:

الحكومة واحدة من أهم وأبرز المستفيدين على الساحة من توابع قرار خفض سعر الفائدة؛ في حين أن هذا القرار سينعكس إيجاباً عجز الموازنة وتقليل فوائد الديون. وكما ذكرت وزارة المالية في البيان المالي لموازنة العام الجاري إن ارتفاع أسعار الفائدة المحلية بنحو 1% مقارنة بالمستهدف بمشروع الموازنة سيكون له تأثيرا سلبيا على عجز الموازنة وذلك نتيجة زيادة فاتورة خدمة دين أجهزة الموازنة العامة بنحو 8 مليارات جنيه سنويا، وبالتالي من المتوقع أن يحدث العكس مع تراجع أسعار الفائدة عن المستهدف بالموازنة؛ وقد حدث الخفض بالفعل.

4- تجار الذهب والعقارات:

من الطبيعي خروج بعض الأموال من البنوك من قبل المودعين الذعين يرون خفض سعر الفائدة لم يكن قراراً يصب في مصلحتهم؛ وبالتالي يلجأ العديد منهم إلى إستثمار تلك الأموال في قنوات أخرى بحثاً عن عائد أفضل عن طريق وسيلة إستثمار أخرى غير البنوك ممثلة في مزاولة التجارة في الذهب والعقارات. 

5- العاطلون عن العمل:

عن طريق توفير فرص العمل الجديدة الناتجة من عودة إقتراض المستثمرون ومزاولة نشاطاتهم وممارساتهم ومشروعاتهم الإقتصادية.

طبيعة تباين أسعار الفائدة في مصر:

أما الاَن وبعد التطرق للحديث عن تأثير رفع أسعار الفائدة ودراسة الخفض الحالي لها في وقتنا الراهن ودوافع إضطرار البنك المركزي في اللجوء إلى إتخاذ مثل هذه القرارت وتحديد أياً منها، فالسؤال المطروح هو هل رفع سعر الفائدة أم خفضها هو القرار الأمثل والذي يخدم مصلحة أكبر فئة في الدولة؟ والأجابة قد تكون وضحت أكثر بعدعرض ظروف الخفض الحالي للفائدة وتأثيرها على الإقتصاد وخاصة مديونية الدولة؛ لكن بكل الأحوال نكاد أن نقول أن لكل قرار إقتصادي ظروفه التي تُحتِم إتخاذه، فليس هناك قرار إقتصادي سيراه الجميع صالحاً ويصب في مصلحة جميع الأطراف من حكومة ومواطنين ومستثمرين وأخرين؛

لكن هناك سياسات وعلى أساسها تبني الدولة تلك القرارات التي تراها مؤيدة لإصلاح عملية الإقتصاد ككل وتصب بالعائد الأكبر على أغلب الفئات وفي نفس الوقت لا تمثل ضرراً كبيراً على الجهات الغير مستفيده منه. لكن حين تضعنا الظروف أمام إضطرار البنك المركزي لرفع سعر الفائدة (والذي قد يكون غير مفضل في أوقات كثيرة) سنؤمن برؤية البنك في كون رفعه لسعر الفائدة سيجذب إليه فوائض الأموال والمدخرات لدى المواطنين التي في حوزتهم وإدخالها في أوعيته الإدخارية المختلفة ما يسهم في تقليل حجم النقدية لدى المواطنين وتقليل الطلب على السلع ومنها إنخفاض أسعار البضائع والخدمات وبالتالي خفض مستوى التضخم (بالطبع هذه الصورة المصغرة والضيقة للمواطنين)، والذي نرى إنه يمكن مواجهته أيضاً بخفض سعر الفائدة عن طريق الحصول على الفائدة الحقيقة للأموال والتي هي الفارق بين الفائدة المحصلة من البنوك ومستوى التضخم في وقتها. لكن في نهاية الأمر فأسعار الفائدة ما هي إلا إحدى وسائل البنك المركزي لإمتصاص الضغوط التضخمية التي قد تحدث نتيجة لقرارات إقتصادية مختلفة في أي دولة. فإنخفاضها وإرتفاعها لابد أن يكون في صالح الإقتصاد ككل- الأمر الذي يجعل كل الفئات على أقصى درجة من الوعي بأن إقتصاد الدولة أهم وأكبر بكثير من رؤيتهم الشخصية لمصالحهم الخاصة حينما تتقلب أسعار الفائدة صعوداً أو هبوطاً. 

 

 

 

 

 

 

 

 



التعليقات