دراسات


كتب فاطيمة طيبى
5 نوفمبر 2019 3:15 م
-
"الصحة العالمية": 7.5 تريليون دولار حجم الاستثمار في الانفاق على الصحة

"الصحة العالمية": 7.5 تريليون دولار حجم الاستثمار في الانفاق على الصحة

 

 اعداد ـ فاطيمة طيبي

 

 قالت منظمة الصحة العالمية  في تقرير أعدته مع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والبنك الدولي أنه على الرغم من بعض التقدم الذي أحرز فإن عددا أكبر من الناس يضطرون للدفع من أموالهم الخاصة للأدوية والعلاج المكلف في الغالب. كما إن نحو 7.5 تريليون دولار تنفق سنويا على الصحة على مستوى العالم .

وأضاف أن الخدمات الصحية الأساسية تغطي بالكاد نصف سكان العالم البالغ عددهم 7.7 مليار نسمة ودعا إلى زيادة هذا الرقم إلى ضعفين. وقال التقرير إنه مع ذلك إذا استمرت التوجهات الحالية، مع الأخذ في الاعتبار الزيادة السكانية، فإن ما يصل إلى خمسة مليارات نسمة لن يحصلوا على رعاية صحية في 2030، وهو الهدف الذي حدده زعماء العالم في 2015 للرعاية الصحية الشاملة. مضيفا أن نحو 925 مليون نسمة ينفقون أكثر من 10 % من دخلهم على الرعاية الصحية منهم 200 مليون نسمة ينفقون أكثر من 25 %

هذا ومن المتوقع أن يعيش أكثر من 9 مليارات نسمة على كوكب الأرض بحلول عام 2050، وأن يتجاوز عدد من هم فوق سن الـ 60 ملياري شخص.. كما يوجد هذا الواقع السكاني ومتطلباته من رعاية صحية، خاصة لكبار السن، ضغطا اقتصاديا ضخما على الحكومات والميزانيات العامة وعلى النظام الاقتصادي ككل.

وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن تحقيق التنمية المستدامة سيتطلب زيادة الاستثمارات الجديدة في مجال الرعاية الصحية من 134 مليار دولار سنويا إلى 371 مليارا بحلول عام 2030. وبالطبع، فإن تلك الأرقام تكشف عن حجم التحديات الصحية التي تواجه البلدان الضعيفة ومتوسطة الدخل البالغ عددها 67 دولة على مستوى العالم، إلا أن الواقع يشير إلى أنها باتت تمثل مشكلة اقتصادية حتى في بلدان متقدمة كاليابان مثلا.

الدكتورة رينيتا داس الرئيسة التنفيذية السابقة لقسم الأبحاث العلاجية في وزارة الصحة البريطانية تشير إلى أن تقديرات المراكز البحثية البريطانية تكشف عن أن صناعة الرعاية الصحية ستسجل معدل نمو مستقر هذا العام، وبينما تقدر قيمة سوق الرعاية الصحية العالمية حاليا بنحو عشرة تريليونات دولار، فإن عوائد القطاع ستتجاوز 1.85 تريليون دولار على المستوى العالمي. وتضيف أن "صناعة الرعاية الصحية ستشهد تواصلا في منحنى النمو، حيث ستواصل التقنيات الجديدة تعزيز الحلول الابتكارية حول جودة الرعاية  ". كما تشير داس إلى أن "دول آسيا والمحيط الهادئ ستمتلك زمام المبادرة في هذا القطاع الحيوي، خاصة المستشفيات الذكية، وسيعزز استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل كبير قطاع الرعاية الصحية عالميا".إلا أن القطاع الصحي العالمي لا يزال يشهد جدلا بشأن العلاقة بين دور القطاع العام والخاص فيه لتحقيق أعلى درجة ممكنة من الرعاية الصحية للإنسان.

وعلى الرغم من أن مساهمة القطاع الخاص في هذا المجال باتت واقعا لا يمكن إنكاره، إلا أن نطاق القطاع الخاص وكفاءته يوجدان ويشكلان الأسواق بطرق جديدة، قد تجعل قطاع الرعاية الصحية يعمل بشكل أفضل فيما يتعلق باستخدام الموارد من وجهة نظر البعض.

ويعتقد الدكتور جفري دين أستاذ الصحة العامة في كلية لندن الجامعية، أنه "لا يوجد حل سحري في هذا الشأن، فلا يمكن القول إن ما ينطبق على المجتمع البريطاني والألماني من حيث العلاقة بين القطاعين الخاص والعام في المجال الصحي ينطبق على السودان أو تشاد مثلا، لكن يمكن القول إنه كلما زاد معدل النمو الاقتصادي للدولة، فإن مساهمة القطاع الخاص في القطاع الصحي ستزداد أهمية.".

ويستدرك دين قائلا، "إن الفجوة التمويلية المتنامية بين العرض والطلب التي يقدرها البعض بأنها تصل في البلدان النامية إلى 2.5 تريليون دولار، تجعل من الضروري البحث عن أنماط تمويل غير تقليدية لسدها، ويشير عدد من مؤسسات التمويل الدولية من بينها البنك الدولي، إلى أن هناك تريليونات من الدولارات في صورة رأسمال خاص يمكن الاستفادة منها في التنمية الصحية، فأكبر عشرة صناديق معاشات في العالم لديها أصول بنحو تريليوني دولار، وأكبر شركات التأمين العالمية لديها 4.5 تريليون دولار، و100 تريليون دولار في سوق السندات العالمية، وهذا الأمر يكشف أن إعادة توزيع الموارد تجعلنا قادرين على القضاء على الفجوة التمويلية في القطاع الصحي العالمي، من خلال مزيد من المشاركة للقطاع الخاص".

بيد أن عددا من المختصين الاقتصاديين في القطاع الصحي يعتقدون أن الأفكار والمواقف الداعمة لدور القطاع الخاص في سوق الرعاية الصحية، يصعب أن تجد لها تطبيقا على أرض الواقع، إذ إن الفجوة المتنامية في القطاع الصحي، لا بد أن تبحث عن حلول غير تقليدية، تكمن في الأساس في عالم التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي، بدلا من حصرها في مسألة العلاقة بين القطاعين العام والخاص. ويشير أصحاب تلك الرؤية إلى الصعوبات التي تواجه النظام الاقتصادي الياباني مثلا نتيجة تنامي تكلفة فاتورة الرعاية الصحية لكبار السن، وما تمثله من ضغط على الميزانية الصحية والميزانية العامة للدولة.

الدكتور جورج باتن أستاذ الاقتصاد الصحي من جامعة نيوكسل يعتقد أن "الإنفاق السنوي على الرعاية الصحية في اليابان نما بوتيرة أسرع بمعدل 40 مرة من نمو الاقتصاد الياباني خلال الفترة بين عامي 2000 و2016، وهذا يمثل مشكلة رهيبة في دولة مثقلة بالديون السيادية أكثر من أي دولة صناعية كبرى في العالم، وقاعدة متناقصة من دافعي الضرائب، والمشكلة أن اليابان تتوقع ارتفاع الفاتورة الصحية بحلول عام 2040 إلى 620 مليار دولار أي بزيادة قدرها 66 % مقارنة بـ 2018". ويدعو باتن إلى مزيد من استثمارات الذكاء الصناعي في المجال الطبي، باعتباره العامل الأساسي القادر على خفض تكلفة الرعاية الصحية مستقبلا.

المهندس أنمر فاراج أحد الباحثين في جامعة جلاسكو في مجال الذكاء الاصطناعي يشير إلى الدور المتزايد للذكاء الاصطناعي في قطاع الرعاية الصحية. ويقول  "إن الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على تحقيق عاملين رئيسيين يتطلبهما الحفاظ على مستوى عال من الرعاية الصحية وهما :

ـ التشخيص الدقيق للمرض وبفاعلية تفوق العنصر البشري

ـ     السرعة في الأداء.

لكنه يشير إلى أن المشكلة تكمن أيضا في عاملين :

 الأول: يتعلق بالحاجة إلى استثمارات مالية ضخمة في مجال الذكاء الاصطناعي، لإحداث طفرة حقيقية يمكن أن تسهم مستقبلا في خفض التكلفة الإجمالية لفاتورة الرعاية الصحية.

 الثاني:  فإن الطفرة المستقبلية للذكاء الصناعي في مجال الرعاية الصحية ستواصل تركزها في الولايات المتحدة وكندا وبعض دول أوروبا الغربية واليابان وعدد محدود من المستشفيات باهظة التكلفة في الاقتصادات الناشئة.

ويدعو فاراج إلى تشكيل صندوق عالمي تابع لمنظمة الصحة العالمية، يعمل على الاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي في المجال الطبي، بحيث تعود نتائجه بالفائدة على مجمل بلدان العالم وفقا لاحتياجاتها الطبية، وهو ما يضمن من وجهة نظره خفضا عاما لإجمالي فاتورة الرعاية الصحية عالميا وتوجيه الفائض إلى مجالات أخرى.

 

 



التعليقات