دراسات


كتب فاطيمة طيبى
8 مارس 2020 3:41 م
-
الرابحون .. شركات الأدوية والخاسرون.. الصناعة والطيران والسياحة "كورونا" الأسوأ لم يأت بعد

الرابحون .. شركات الأدوية والخاسرون.. الصناعة والطيران والسياحة "كورونا" الأسوأ لم يأت بعد

  

اعداد ـ فاطيمة طيبي  

 

هناك أعداد كبيرة من القطاعات الاقتصادية التي تعرضت لخسائر، قدر بعضها مبدئيا بمليارات الدولارات، وهناك قطاعات أخرى حققت أرباحا ضخمة من محاولة التصدي للفيروس، والمثير في الأمر أن هناك بعض القطاعات حققت خسائر، ولكن رغم ذلك تتصاعد دعوات بعض الخبراء للاستثمار فيهم الآن، لأن انتعاشها بعد تراجع الفيروس واقع لا محالة.

وحتى تاريخ الثامن من شهر مارس 2020  كان عدد المصابين بفيروس كورونا على مستوى العالم قد بلغ 100 ألف شخص، بينما قدر عدد الضحايا بنحو 3000 شخص، كم ستختلف الأرقام، كل يوم واخر  ومعها سيختلف حجم الخسائر الاقتصادية الناجمة عن هذا الفيروس القاتل، وسيختلف أيضا حجم الأرباح التي حققتها بعض القطاعات من تفشي "كورونا".

وتعد سوق الأسهم العالمية أول الخاسرين من انتشار الفيروس، ويفسر ذلك   فيليب هاريس المحلل المالي في بورصة لندن قائلا: "سنلاحظ أن عبارة أسوأ أسبوع لأسواق الأسهم العالمية احتلت العناوين الرئيسة لوسائل الإعلام أكثر من مرة في الآونة الأخيرة، وبعض التقديرات تشير إلى أن سوق الأسهم الأمريكية خسرت بمفردها قبل أسبوع 3.18 تريليون دولار، وإذا أخذنا خسائر الأسواق الآسيوية والأوروبية في الحسبان نتيجة تفشي الوباء فإن إجمالي الخسائر ربما يراوح بين ستة وسبعة تريليونات دولار".


ويعد قطاع الطيران أيضا واحدا من أكثر القطاعات التي تعرضت لخسائر فادحة نتيجة انتشار "كورونا"، حيث يشير تقييم الرابطة الدولية للنقل الجوي لخسائر القطاع منذ ظهور الفيروس على نطاق واسع، إلى أن إجمالي إيرادات شركات الطيران العالمية تقلصت بنحو 29.3 مليار دولار، وسط توقعات بتفاقم خسائر طيران منطقة آسيا والمحيط الهادئ إلى 27.8 مليار هذا العام، لاعتمادها على السياح الصينيين بشكل كبير.

وستتأثر الخطوط الجوية في الصين بشكل واضح، حيث يتوقع أن تبلغ خسائرها 12.8 مليار دولار نتيجة إلغاء الرحلات الجوية، لتتراجع الصين من ثالث أكبر سوق للطيران الدولي حول العالم لتحتل المرتبة الـ25 بعد البرتغال.

أوروبيا، أسفر الفيروس عن انهيار شركة فلاي بي أكبر شركة طيران إقليمية في أوروبا التي تتخذ من المملكة المتحدة مقرا لها، ما دفع مؤسسات دولية في مجال الطيران إلى أن تقدر الخسائر الإجمالية للقطاع هذا العام بنحو 113 مليار دولار، وسط توقعات بمزيد من الإخفاقات بالنسبة لشركات الطيران حيث يقوم الركاب بإلغاء رحلاتهم الجوية بشكل متزايد.

وتراجع قطاع الطيران نتيجة طبيعية لتراجع القطاع السياحي على المستوى الدولي، إذ يقدر آندي آندرسون الخبير في المجال السياحي، إجمالي الخسائر الدولية في القطاع بنحو 240 مليار دولار.ويشير إلى أن إلغاء ملايين السائحين خاصة الصينيين خطط السفر، أوقع ضربة قاصمة بإيرادات شركات السفر والحجز عبر الإنترنت، ويؤكد آندرسون أن خسائر القطاع السياحي ستتركز في الصين وبلدان جنوب شرق آسيا، وأوروبيا في إيطاليا وإسبانيا باعتبارهم من أكثر المناطق جذبا للسياح في أوروبا.

ويضيف: "المؤكد الآن أن القطاع السياحي العالمي لن يتعافى إلى مستويات ما قبل "كورونا" حتى الربع الثاني من العام المقبل، وربما إلى الربع الثالث من العام المقبل إذا لم يتم التوصل إلى لقاح للفيروس بحلول الصيف، وهذا ربما يرفع إجمالي خسائر القطاع السياحي لنحو 500 مليار دولار منتصف العام المقبل".

ولا تزال أسواق النفط تعاني بفعل تفشي الفيروس، فانخفاض السفر وانخفاض إنتاجية الصناعات التحويلية وارتفاع المخزون وضع ضغوطا رهيبة على الأسعار.

ويشير الدكتور راؤول ساس أستاذ الطاقة في جامعة أكسفورد، إلى أن أسعار النفط تتراجع منذ أواخر يناير ، بعد انخفاض حدة التوترات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة وإيران، فيما أسهم الإنتاج الأمريكي المزدهر والنمو الاقتصادي الفاتر في انخفاض أسعار الطاقة العالمية.


ويعد ساس، فيروس كورونا بمنزلة الصدمة للنظام الاقتصادي العالمي، ما أدى إلى انخفاض أسعار النفط إلى أدنى مستوى لها في عام، منوها إلى أن التقرير الشهري لوكالة الطاقة الدولية يشير إلى أن عواقب "كورونا" ستكون كبيرة حيث يتقلص الطلب بشكل كبير.

ويبدو ساس، حذرا تجاه المستقبل ويضيف أن "القيود المفروضة على السفر وانخفاض الإنتاجية الصناعية وتراجع النشاط التجاري على المستوى الدولي سيؤدي إلى انخفاض الأسعار. وبغض النظر عن الخطوات التي اتخذتها الحكومات والبنوك المركزية لتحفيز الطلب على السلع الاستهلاكية، فمن المحتمل ألا تتفوق على الحجر الصحي وحواجز السفر عندما يتعلق الأمر بالطلب على الوقود. وربما الأسوأ لم يأت بعد".

ربما تبدو تلك القطاعات الخاسر الأكبر من تفشي فيروس كورنا في أكثر من 90 دولة على مستوى العالم، إلا أن هناك صناعات أخرى تعرضت لضربات مؤلمة نتيجة هذا الفيروس، فصناعة أدوات التجميل في الصين مثلا تلقت ضربة موجعة خاصة أن الفيروس تفشى بالتزامن مع احتفالات العام القمري الجديد، ونظرا لاعتماد الصناعة على القوى الاستهلاكية الضاربة في الصين، فإن الأزمة دفعتها إلى إعادة النظر في مستقبلها.

وازداد الأمر سوءا مع نشر تقارير طبية بأن فرش المكياج والإسفنج قادرة على إيواء البكتريا الضارة، ونتيجة لذلك لم تنحصر خسائر صناعة التجميل في الصين فحسب، بل امتدت لأستراليا والقارة الأوروبية.

الصناعات الترفيهية كانت أيضا أحد القطاعات العالمية التي تضررت نتيجة "كورونا"، فإضافة إلى تأجيل العمل في مجموعة من الأفلام العالمية، وإلغاء مجموعة أخرى من الفعاليات والأنشطة السينمائية ومن بينها بعض المهرجانات، والشكوك المحيطة بإمكانية عقد مجموعة من المهرجانات الدولية من بينها مهرجان كان في مايو  2020، الذي يحضره بين 74 ألفا و200 ألف مشاهد سنويا، فإن التقديرات الأولية تشير إلى أن دور السينما العالمية خسرت حتى الآن نحو ملياري دولار.

ويختصر آندي سميث الخبير الاقتصادي في هيئة الإذاعة البريطانية مشهد أبرز الخاسرين من تفشي "كورونا" قائلا إنه "يصعب حساب الخسائر حاليا، فالمصابون يزداد عددهم ساعة بعد أخرى، ما يوجد حالة من السيولة ويفقدنا القدرة على حساب الخسائر بشكل دقيق، كما أن بعض الدول المتضررة مثل الصين، لا تفصح بشكل حقيقي عن حجم الخسائر القطاعية، وتضعها عند حدها الأدنى".

ويضيف أن "الأرقام المتاحة أغلبها تقديرية، ولكن المؤكد هو أن الخسائر ستقدر في عديد من القطاعات بمئات المليارات أما في أسواق الأسهم والسندات فنحن نتحدث عن تريليونات الدولارات".

ولكن هل يبدو المشهد سوداويا إلى هذا الحد..؟ ألم يخرج أي قطاع رابحا من تلك المعركة؟ وماذا عن القطاع الطبي وشركات الأدوية التي بات التكالب العالمي على منتجاتها الوقائية مثل الكمامات والمطهرات كبيرا للحد الذي يظهر فيه شح في الأسواق في عديد من دول العالم.

وتوضح   ليندا جونسون المحللة المالية في بورصة لندن: "أزمة كورونا مثلت اختبارا للقطاع الصحي على المستوى العالمي، ويلاحظ أنه في الوقت الذي كانت تتراجع فيه الأسهم في البورصات العالمية، كان القطاع الصحي وشركات الأدوية العالمية ومؤسسات الرعاية الصحية تشهد تحسنا ملحوظا، فمثلا أسهم شركتي جلعاد و"إم آر إن أيه" ارتفعت نتيجة إعلانهما تحقيق تقدم في مجال اكتشاف لقاح كورونا، لكن المشكلة التي تحد بشكل كبير من تحقيق شركات الأدوية الطبية ارتفاعا كبيرا في قيمة السهم، أن معظم سلاسل الإمداد في الصناعات الطبية موجودة في الصين وقد تضررت نتيجة تفشي الفيروس هناك".

ويعتقد ألن دي الخبير الاقتصادي أن شركات الأدوية وتحديدا المنتجة للكمامات والأقنعة الوقائية والمطهرات ستحقق أرباحا ضخمة في الربع الأول من هذا العام، ويظهر ذلك من اختفاء تلك المواد الطبية الأولية من عديد من المحال التجارية والصيدليات في العالم.

إلا أن ألن دي، يشير إلى أن الأرباح المحققة من قبل تلك الشركات لن تتجاوز في أفضل الأحوال ملياري دولار، وإنما الأرباح الحقيقية ستحدث إذا أفلحت شركة ما في الوصول إلى لقاح حقيقي ضد الفيروس، إذا سترتفع قيمة أسهمها بشكل غير مسبوق في البورصات العالمية.

لكن عددا من الخبراء يشيرون إلى أن مواقع الترفيه الإلكترونية مثل موقع "نتفليكس" يعد من أبرز الرابحين من الأزمة العالمية نتيجة انتشار كورونا، إذ أدى تفشي المرض إلى تفادي المستهلكين التوجه للأسواق واستبدلوا ذلك بالبقاء داخل منازلهم أمام شاشات التلفاز أو أجهزة الكمبيوتر، وفي الوقت الذي كانت فيه أسعار الأسهم العالمية تتعرض للانهيار ارتفع قيمة سهم "نتفليكس" بنحو 0.8 %.

وتجمل الدكتورة ماجي بلير أستاذة الاقتصاد الدولي في جامعة شيفيلد المشهد قائلة: "ككل ظاهرة اقتصادية هناك رابح وخاسر، ومجمل القطاعات الاقتصادية الدولية خرجت خاسرة من تفشي فيروس كورونا، أما القطاعات التي حققت نتائج إيجابية وأرباحا فهي ضعيفة للغاية ولا تتناسب مع حجم الخسائر التي يتعرض لها الاقتصاد الدولي، بل إن بعض القطاعات سيواصل خسائره لبعض الوقت حتى مع اكتشاف لقاح للفيروس، وربما يكون القطاع السياحي في مقدمة تلك القطاعات".

وتضيف ماجي أن حجم الضرر للاقتصاد العالمي ربما يكون غير مسبوق، فعندما تفشى وباء سارس عام 2003 كانت الصين سادس أكبر اقتصاد عالمي، إذ كانت تسهم بنحو 4.2 % من الناتج العالمي الإجمالي، واليوم هي ثاني أكبر اقتصاد عالمي وتسهم بنحو 16.3 % من الناتج العالمي الإجمالي، ومن ثم فإن أي وعكة صحية في قطاعات الاقتصاد الصيني تحدث هزة في قطاعات الاقتصاد العالمي كافة.

 

 



التعليقات