تحليلات


كتب فاطيمة طيبى
12 أكتوبر 2020 2:39 م
-
عقبات تحول دون توصل إلى اتفاق تجارة حرة، ينظم مستقبل العلاقات التجارية بعد "بريكست"

عقبات تحول دون توصل إلى اتفاق تجارة حرة، ينظم مستقبل العلاقات التجارية  بعد "بريكست"

 

اعداد ـ فاطيمة طيبي

خلال اتصال عبر تقنية الفيديو رغم تعهد بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني، وأورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية، بالعمل على نحو مكثف للتوصل إلى اتفاق تجاري لمرحلة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست".

  جميع المؤشرات التي ظهرت في الجولة الأخيرة من مفاوضات الجانبين في بروكسل، وما تلاها من تصعيد في حدة الخطاب السياسي من قبل رئيس الوزراء البريطاني تجاه الاتحاد، يكشف أن العقبات بين الطرفين لا تزال كبيرة، وبما يحول دون توصل الطرفين إلى اتفاق تجارة حرة، ينظم مستقبل العلاقات التجارية بينهما.

ـ الامل في القمة الأوروبية:

ربما تكون الورقة الأخيرة في  ، تدخل القادة الأوروبيين بشكل حاسم خلال القمة الأوروبية المقرر عقدها في 15  أكتوبر 2020 لحلحلة الوضع، باعتبار ذلك آخر موعد يمكن التوصل فيه إلى اتفاق، حتى يتسنى التصديق عليه في الوقت المناسب ليصبح ساري المفعول قبل نهاية العام.

وفي الواقع فإن الخلاف المحتدم بين الأوروبيين وبريطانيا بشأن تفاصيل الاتفاق التجاري بينهما، قد أسهم في كشف العورات الاقتصادية للطرفين بشكل فاضح، فعلى الرغم من أن عديدا من الخبراء يشيرون إلى الخسائر التي سيتعرض لها الاقتصاد البريطاني نتيجة الخروج دون اتفاق، فإن الأوروبيين لن يكونوا أحسن حالا كثيرا، خاصة في ظل المصاعب الاقتصادية التي يواجهها الوضع الاقتصادي للاتحاد في الوقت الراهن، نتيجة الموجة الثانية من تفشي وباء كورونا.

الاتحاد الأوروبي يواجه تباطؤا اقتصاديا غير مسبوق قد يستغرق عديدا من الأعوام ليتعافى منه، وكانت التوقعات الاقتصادية للمفوضية الأوروبية قد أشارت إلى احتمال انكماش اقتصاد الاتحاد بنسبة 8.7 % هذا العام نتيجة جائحة كورونا، وانكماش الاقتصاد بهذا المعدل يعني دخوله في ركود اقتصادي عميق.

وتزداد المخاوف حاليا في دول الاتحاد من الموجة الثانية من الإصابة بالفيروس، إذ قد يؤدي استفحال الأمر إلى دفع الحكومات إلى اتخاذ تدابير صارمة تتضمن العودة إلى الإغلاق الشامل، ما يعني عمليا أن الآمال في انتعاش اقتصادي في القريب العاجل قد باتت مهمة صعبة.

يقول "تشارلز راسل الباحث الاقتصادي، أوروبا تكافح الآن مع الموجة الثانية من تفشي فيروس كورونا، والمتوقع أن تلحق تلك الموجة مزيدا من الضرر باقتصاد الاتحاد الأوروبي عامة ومنطقة العملة الأوروبية الموحدة اليورو على وجه الخصوص، التي تشير البيانات الصادرة أخيرا إلى أن التراجع الاقتصادي لديها في الربع الثاني من هذا العام بلغ 11.8 %

مضيفا ان  "الموجة الثانية من فيروس كورونا أطاحت بكل الآمال المعقودة بأن يحقق اقتصاد الاتحاد الأوروبي انتعاشا في النصف الثاني من 2020 ، وفي الأغلب سنشهد تراجعا حادا في الربع الأخير من هذا العام". تلك التكهنات إضافة إلى الأفق الذي يبدو مسدودا حتى الآن بالنسبة إلى المفاوضات الجارية مع بريطانيا بشأن "بريكست"، تركت بصمات سلبية على كل من

ـ  قطاع الخدمات أحد اكثر القطاعات تضررا من الإجراءات المتخذة من قبل الحكومات الأوروبية لمواجهة فيروس كورونا.

ـ إلى جانب التقلبات في سوق الأسهم الأوروبية التي تعكس حالة من عدم اليقين والقلق الذي يهيمن على الأجواء الاستثمارية في الاتحاد.

ـ اضطراب سوق الاسهم الاوروبي :

بدوره، يقول جي . آر. أستون المحلل المالي في بورصة لندن، "الوضع المتقلب والمضطرب في سوق الأسهم الأوروبية في الآونة الأخيرة، يكشف بوضوح تأثر السوق بفشل المفاوضات البريطانية مع الاتحاد الأوروبي لتوقيع اتفاق تجاري عند الخروج من الاتحاد الأوروبي، إذ سيترجم ذلك في اضطراب واضح في التبادل التجاري بين الجانبين، كما أن طبيعة القوانين البريطانية ربما تضعف قابلية الأسواق البريطانية على استيعاب المنتجات الأوروبية، وهذا يمثل مأزقا كبيرا لدول الاتحاد الأوروبي في الوقت الحالي، حيث تواجه تراجعا اقتصاديا وهي في أمس الحاجة إلى كل سوق يمكنها إجراء تبادل تجاري معها ".

وتراجعت أسواق الأسهم الأوروبية أخيرا حيث خففت المخاوف من فيروس كورونا أي حماسة ناتجة عن علامات الانتعاش في قطاع التصنيع الألماني".

لكن تلك التحليلات لا تنفي وجود تيار عريض من الخبراء والمحللين الذي يرى أن كثيرا من المشكلات الاقتصادية للاتحاد الأوروبي ذو طبيعة هيكلية، تعود إلى افتقار المؤسسات السياسية التي تتناسب مع المؤسسات الاقتصادية، وعدم كفاية الهيئات التنظيمية الحالية، واستحالة إنشاء نظام مالي واحد متماسك.

ـ فشل وضعف  الهيئات الاقتصادية:

من جهته، يرى البروفيسور أندروا هاردي أستاذ الاقتصاد الكلي في جامعة أدنبرة أن تحميل فيروس كورونا وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كل المشكلات الاقتصادية التي يواجهها الاتحاد أمر مبالغ فيه.

ويقول ان فشل الهيئات الاقتصادية في الاتحاد في احتواء الاضطرابات الاقتصادية الخطيرة التي تعصف بالاقتصاد الأوروبي، خاصة مع الجولة الثانية من فيروس كورونا، يكشف أن تلك الهيئات غير مهيأة للتعامل مع الأوضاع الاستثنائية العنيفة، وربما يكون البنك المركزي الأوروبي الاستثناء الوحيد لتصرفه بطريقة عملية "براجماتية" مع الأوضاع، وفي الوقت ذاته سعى إلى الحفاظ على استقلاليته".

ويعتقد البروفيسور أندروا، أن ضعف الهيئات الاقتصادية في الاتحاد وعدم فاعليتها في تلك الأوقات يعد التحدي الاقتصادي الأكبر الذي يفوق انخفاض معدل النمو الاقتصادي أو حتى دخول اقتصاد الاتحاد الأوروبي مرحلة الركود.

تحظى وجهة النظر تلك بقبول لدى قطاع واسع من الخبراء البريطانيين الذين يعتقدون أن الاتحاد الأوروبي في حاجة إلى إعادة هيكلة اقتصادية، وأن تفشي وباء كورونا، والمصاعب الاقتصادية الناجمة عنه إضافة إلى تبعات خروج بريطانيا من الاتحاد قد تكون فرصة ذهبية لإعادة تشكيل هيئات الاتحاد بطريقة تجعلها أكثر فاعلية وديناميكية.

تلك الرؤية على الرغم من قبول البعض بها  لا تنفي أن الاستثمار في إعادة البناء يعني زيادة أعباء الديون على الاتحاد، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فأزمة كورونا لم تؤثر في اقتصادات جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على قدم المساواة، إذ عانت الاقتصادات المبنية على السياحة أكثر من غيرها، وكانت إيطاليا وإسبانيا ضمن أكثر الدول تضررا، ومن ثم فإن وقع أزمة الديون يختلف من دولة إلى أخرى، بل والقدرة على الاستدانة ستختلف أيضا من دولة إلى أخرى.

ـ اللجوء للاقتراض:

من ناحيته، يقول إلتون سميث الخبير المصرفي، "قد يبدو الأمر نظريا، وعند البحث والنقاش سهلا ومنطقيا، لكن عند التطبيق العملي سيختلف الموقف". ويعتقد إلتون سميث أن دول الاتحاد الأوروبي ذات الميزانيات العامة الأكثر استقرارا ستكون أكثر قدرة على إدارة تكلفة خدمة مستويات عالية من الدين العام في المدى القصير، لكن ما الذي يدفع دولا مثل هولندا وألمانيا والسويد إلى الاقتراض لإصلاح الهيئات الاقتصادية للاتحاد الأوروبي، في ضوء عدم قدرة دول مثل إيطاليا واليونان على الاقتراض للقيام بذلك .؟

وفي الواقع فإن بعض الخبراء يشيرون إلى أن الدعوة ذاتها إلى إصلاح هيئات الاتحاد لتكون قادرة على التعامل مع التحديات الاقتصادية الناجمة عن تفشي وباء كورونا وتحديدا الموجه الثانية، تواجه بعدم ارتياح من قبل عديد من الدول الأعضاء خاصة من دول الجنوب الأوروبي، إدراكا منها أن عملية الإصلاح عملية مكلفة ماليا.

كما أنه نظرا إلى اضطراب الميزانيات العامة فيها فلن تكون قادرة فعليا على الاقتراض للمساهمة في عملية الإصلاح، التي ستقوم بها في الغالب الدول الأكثر استقرارا ماليا، ما سيتيح لتلك الدول فرض رؤيتها الاقتصادية لكيفية تسيير شؤون الاتحاد مستقبلا.

 

 


أخبار مرتبطة
 
15 مايو 2024 12:08 مالأوضاع المضطربة لقطاع الشحن البحري انعكاس للشكل الاقتصادي العالمي في 202314 مايو 2024 12:45 مالاستثمارالأجنبي المتراجع والتضخم والديون قنبلة خطرعلى الاقتصاد البلجيكي14 مايو 2024 12:12 مخطر يهدد امريكا لو.. انفصلت ولاية تكساس باقتصادها العملاق نتيجة الخلاف الاخير14 مايو 2024 11:26 صقراصنة البث الرقمي خطر يهدد أرباح شركات هوليوود التقليدية14 مايو 2024 11:04 صسلطة نقدية تتحكم بالدولار وحكومة تستغل وضعه الدولي ما اثار قلق الاقتصادات العالمية24 أبريل 2024 2:21 متبعات اقتصادية محتملة للتصعيد بين إسرائيل وإيران23 أبريل 2024 2:28 م"فاينانشال تايمز": زيارة بلينكن للصين تحمل رسائل لتقليل حدة التوتر22 أبريل 2024 11:24 صوزيرة التخطيط: إطلاق أول منظومة لسياسات سوق العمل سبتمبر 202421 أبريل 2024 1:16 مختام فعاليات مؤتمرعلوم البيانات والذكاء الاصطناعى فى جامعة مصر17 أبريل 2024 12:26 مالمشاط: نطالب المجتع الدولي بضرورة التوسع بأدوات التمويل المبتكرة ومبادلة الديون

التعليقات