دراسات


كتب فاطيمة طيبى
21 ديسمبر 2022 3:31 م
-
الدولار القوي بدأ يترك بصمات سلبية على البنوك المركزية بالعالم هل تتدخل أمريكا لإضعاف عملتها ؟

الدولار القوي بدأ يترك بصمات سلبية على البنوك المركزية بالعالم هل تتدخل أمريكا لإضعاف عملتها ؟

اعداد ـ فاطيمة طيبي

البعض وصفا الوضع الراهن لقوة الدولار بأن الولايات المتحدة تخوض حرب عملات ضد العالم بأكمله، بينما عد بعض الخبراء أن قوة الدولار نتيجة طبيعية لقيام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع أسعار الفائدة سبع مرات هذا العام، وأن الانجذاب للدولار سيد العملات وأقواها أمر طبيعي للغاية في ظل الاستقرار النسبي الذي يتمتع به الاقتصاد الأمريكي، وسط الظروف الاقتصادية الدولية الصعبة التي يمر بها الجميع.

بينما يرى البعض الآخر أن الأخطر من تنامي قوة الدولار، أن محاولات صانعي السياسة في الصين واليابان وأوروبا وفي معظم - إن لم يكن جميع - الاقتصادات الناشئة فشلت في الدفاع عن عملاتها إلى حد كبير في مواجهة الارتفاع المتواصل للدولار.

  في يونيو الماضي مثلا ارتفع مؤشر الدولار الذي يقيس العملة الأمريكية مقابل سلة من 16 عملة بنسبة 8.7 % ليسجل أفضل وضع له منذ 2010، قوة الدولار تلك دفعت المستثمرين إلى الانسحاب من الاقتصادات الناشئة لإعادة استثمار أموالهم بالدولار القوي.

يمكن التأكيد أن قوة الدولار لم تترك آثارها في الاقتصادات الناشئة فحسب، فالعملات في الدول المتقدمة نالت نصيبها من الألم وانخفضت قيمتها في مواجهة الدولار الأمريكي.

فعلى سبيل المثال فقد الجنيه الاسترليني 20 % من قيمته في مواجهة الدولار منذ بداية العام، وانخفض اليورو في بعض الأشهر إلى ما دون سعر التكافؤ مع الدولار، مسجلا أضعف مستوى له منذ 2002.

بينما كان الدولار قادرا على شراء أكثر من سبعة يوان صيني للمرة الأولى منذ 2020، وخسر الين الياباني نحو خمس قوته في مواجهة الدولار هذا العام، وعلى مستوى الاقتصادات الناشئة خسر الجنيه المصري أكثر من 25 % من قيمته، وتراجع الفورنت المجري 20 % وخسر الراند الجنوب إفريقي نحو 9.5 % من قيمته أمام العملة الأمريكية. وحول تلك التراجعات، يقول جيمس هانون المحلل المالي في بورصة لندن، "ارتفاع قيمة الدولار أدى إلى انخفاض مؤشر العملات الناشئة 3.5 % هذا العام وذلك أدني مستوى في 18 شهرا، إلا أن البحث في التفاصيل سيجعلنا ندرك أن الخسائر أكبر من ذلك وتراوح بين 9 - 15 % على عملات مثل الزلوتي البولندي والليرة التركية".

البروفيسور آدم وستفيلد أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة لندن يعلق قائلا: "ارتفاع قيمة الدولار يهدد بتفاقم تباطؤ النمو وتضخيم مشكلة التضخم للبنوك المركزية في العالم، فدور الدولار كعملة مستخدمة في التجارة والتمويل العالميين يعني أن تقلباته لها تأثيرات واسعة النطا ، لكن على الرغم من أن عملات الاقتصادات المتقدمة تراجعت أمام الدولار إلا أن هياكلها الاقتصادية لم تتضرر كثيرا، بعكس تأثير ارتفاع سعر الدولار في الاقتصادات الناشئة، فالضغوط المالية تتصاعد في دول مثل مصر، سيريلانكا، وباكستان وجميعها طلبت مساعدات من صندوق النقد الدولي، فالضغوط في الأسواق الناشئة تتفاقم .

التحدي الأخطر الذي يعتقد الخبراء أن الاقتصادات الناشئة ستواجه العام المقبل نتيجة ارتفاع قيمة الدولار يكمن في كيفية تعاملها مع الديون واجبة السداد، فلدى حكومات الأسواق الناشئة ديون بقيمة 83 مليار دولار تستحق السداد بحلول نهاية العام المقبل، وذلك وفقا لبيانات معهد التمويل الدولي، والوفاء بمدفوعات تلك الديون ربما سيأتي على حساب حفض الإنفاق على الرعاية الصحية والتعليم.

ويقول  إل.إم. جابرييل المحلل المالي لاقتصادات الأسواق الناشئة في عدد من المؤسسات المالية البريطانية أن الاقتصادات الناشئة لا تزال، رغم تنامي قوة الدولار أمام عملتها الوطنية، قادرة على الفرار من فخ المديونية حتى الآن، لكنه يحذر من المستقبل قائلا "المشكلة التي تواجه الاقتصادات الناشئة ليس قيمة الدولار حاليا، وإنما مستقبلا، فإذا واصل الدولار الارتفاع هنا تقع الطامة، ولن تكون عديد من الاقتصادات الناشئة قادرة على التعامل مع قضية المديونية".والسبب وراء ذلك، من وجهة نظره، استنفاد الأسواق الناشئة للوسائل التي يمكن أن تتبناها لجذب مزيد من الدولارات.

ويضيف "البنوك المركزية في الاقتصادات الناشئة اتخذت خطوات جذرية لكبح انخفاض قيمة عملاتها وسنداتها أمام الدولار. الأرجنتين على سبيل المثال رفعت أسعار الفائدة إلى 75 % كوسيلة لكبح التضخم والدفاع عن البيزو الذي فقد ما يقرب من 30 % من قيمته في مواجهة الدولار منذ بداية العام، غانا أيضا رفعت أسعار الفائدة إلى 22 %، مع هذا استمرت عملتها في الانخفاض، ومن ثم لن تستطيع أغلب الأسواق الناشئة مواصلة رفع أسعار الفائدة، لأن ذلك يعني عدم قدرة رجال الأعمال على العمل تماما وإصابة الاقتصاد بالركود".

المشكلة أن الاقتصادات النامية لا تكافح بمفردها لمواجهة تراجع قيمة عملتها في مواجهة الدولار، فمنطقة اليورو التي تضم 19 اقتصادا أوروبيا تعاني أيضا نتيجة ضعف اليورو أمام الدولار، في وقت لم تفلح فيه حتى الآن في السيطرة على التضخم. وأعلنت كريستين لاجارد رئيسة المصرف المركزي الأوروبي في   سبتمبر الماضي وخلال اجتماع البنك المركزي الأوروبي، أن العملة الأوروبية الموحدة فقدت 12 % من قيمتها أمام الدولار هذا العام، وسط تشكك بأن يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة الأوروبية إلى حل المعضلة الاقتصادية الأوروبية والمتمثلة في معدلات تضخم متزايدة وعملات أوروبية متراجعة القيمة.

المعاناة المشتركة للاقتصادات الناشئة والمتقدمة من شراسة الدولار تدفع ببعض الاقتصاديين إلى الحديث عن ضرورة اتخاذ إجراء ذي صبغة عالمية للمساعدة في إضعاف الدولار رغم قناعتهم بأن احتمالية اتخاذ خطوة من هذا القبيل مشكوك فيها حاليا، لكنهم يذكرون بتجربة سابقة في 1985 عندما أطلقت الولايات المتحدة، فرنسا، ألمانيا الغربية، المملكة المتحدة، واليابان جهدا مشتركا يعرف باسم اتفاق بلازا لخفض قيمة الدولار وسط مخاوف حينها بأن يؤدي تصاعد العملة الأمريكية من تأثير ضار في الاقتصاد العالمي.

ـ  لماذا تتدخل الولايات المتحدة وتتعاون مع جهود دولية لإضعاف عملتها؟

يرى الاستشاري المصرفي باريش كريستوفر، أن الولايات المتحدة وبوصفها قائدة الاقتصاد العالمي تدرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها بضمان توازن الاقتصاد الدولي، فهي لا تحيا في جزيرة معزولة واشتعال النيران في منازل الجيران حتما سيطولها نتيجة الشرر المتطاير، خاصة أن أسباب اشتعال النيران تأتي من عندها.

ويقول "إذا تسبب الدولار القوي في أزمات اقتصادية حادة للجميع فإن الجميع قد يتحالفون معا لإضعافه بطريقة قد تؤدي في نهاية المطاف إلى إضعاف المركزية الأمريكية في الاقتصاد الدولي، ولهذا فإن واشنطن يمكنها أن تتعاون مع الاقتصادات الناشئة والمتقدمة لكبح جماح الدولار تفاديا لما لا يحمد عقباه".

ويضيف "إذا رفضت واشنطن التعاون، وقرر الشركاء التجاريون الانتقام عن طريق خفض قيمة عملاتهم الوطنية، فإننا سنشهد حرب عملات لن تقف عند حدود الخسائر المالية، بل يمكن أن تفرز نظاما اقتصاديا مشوها".

وفي الواقع فإن الدولار القوي بدأ يترك بصمات سلبية على جهود البنوك المركزية عبر العالم في مكافحة التضخم، إلى الحد الذي دفع بالصين للعمل على إنقاذ عملتها الوطنية من مواصلة التراجع في مواجهة الدولار بإطلاق مزيد من السيولة الدولارية في الأسواق المحلية بخفض كمية الاحتياطات التي تحتاج البنوك إلى الاحتفاظ بها مقابل الودائع بالعملات الأجنبية.

مع هذا يرى الخبراء أن تعاون الإدارة الأمريكية مع الآخرين للسيطرة على القوة المتزايدة للدولار أمر شديد الأهمية، لكن المرحلة الراهنة تتطلب اهتماما خاصا بالأوضاع في الاقتصادات الناشئة، حيث يواجه 11 من الأسواق الناشئة ـ الأرجنتين، تشيلي، كولومبيا، مصر، غانا، كينيا، تونس، باكستان، المجر، رومانيا، وتركيا - وبعضها يتمتع بكثافة سكانية كبيرة خطر أزمة ميزان المدفوعات، وإذا وقعت تلك الأزمة فسيسفر ذلك حتما عن ركود قوي في تلك الأسواق، وسيبلغ التأثير المباشر في نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي "- 0.3 %".

كما أن سبعا من هذه الأسواق الناشئة، هي الأرجنتين، مصر، غانا، كينيا، تونس، باكستان، وتركيا، لديها مخاطر عالية للتخلف عن سداد الديون السيادية بسبب القوى المتنامية للدولار وهو ما يعني أن الدولار القوي قد بات عنصر إضعاف لعديد من حلفاء الولايات المتحدة ما يتطلب وقفة جادة من الإدارة الأمريكية والاحتياطي الفيدرالي لحل تلك المشكلات قبل فوات الأوان.


أخبار مرتبطة
 
24 أبريل 2024 3:08 منصف الدول العربية مدينة لصندوق النقد الدولي بـ 17 مليار دولار23 أبريل 2024 1:37 مسد النهضة.. وبدون دراسات جدوى اقتصادية حقيقية إكذوبة أكبر سد بإفريقيا لتوفيرالكهرباء22 أبريل 2024 3:29 مالصين: 2.5% نمو سنوي بمبيعات التجزئة المؤشر الرئيسي لاستهلاك الأسر بيوليو202321 أبريل 2024 2:12 مغرفة التجارة الأمريكية: السعيد ..العمل على تعزيز النمو الاقتصادي بمعدل 8%17 أبريل 2024 10:59 صالتخطيط: 8 مليارات جنيه استثمارات عامة موجهة لمحافظة القليوبية بخطة 2023 ـ 202416 أبريل 2024 12:37 مقفزة بصادرات مصر السلعية بالربع الأول وصلت 9.6 مليار دولار من 202415 أبريل 2024 3:13 متخصيص 495.6 مليار جنيه للصحة و 635.9 مليار جنيه للحماية الاجتماعية بموازنة العام المقبل14 أبريل 2024 1:00 م13.2 مليار جنيه استثمارات لتنفيذ 242 مشروعا تنمويا بالوادي الجديد بخطة 2024/20237 أبريل 2024 12:26 م7.6 مليار جنيه قيمة الاستثمارات العامة الموجهة للشرقية و34.7 لمحافظة الإسكندرية بخطة 23/20242 أبريل 2024 11:24 صفاعلية تأثير السياسة النقدية على الاقتصاد الإيطالي في الأعوام الأخيرة

التعليقات