تحليلات


كتب فاطيمة طيبى
24 فبراير 2021 5:42 ص
-
تأثير خفض المساعدات سيكون أكثر خطورة على قضية مكافحة الفقرمن جائحة كورونا

تأثير خفض المساعدات سيكون أكثر خطورة على قضية مكافحة الفقرمن جائحة كورونا

اعداد ـ فاطيمة طيبي

في الواقع إن الفترة الممتدة منذ عام 1999، شهدت انخفاضا في عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع بأكثر من مليار شخص على المستوى الدولي، إلا أن جائحة كورونا قلبت المشهد وجعلته يسير في الاتجاه المعاكس، ونتيجة تفشي الوباء فإن نحو 31 مليون شخص تمكنوا سابقا من الإفلات من براثن الفقر المدقع عادوا إليه مرة أخرى.

ومن المتوقع في عام 2021 أن يرتفع عدد الفقراء بسبب الجائحة من 150 مليون شخص في تقديرات سابقة إلى ما يراوح بين 143 و163 مليون شخص وفقا لآخر التقديرات.

 لان وباء كورونا يعد  كارثة حقيقية للجهود الدولية المبذولة منذ عقود لمكافحة الفقر، إذ أدى تفشي الوباء وعدم السيطرة التامة عليه حتى الآن، إلى تآكل كبير في الإنجازات الدولية التي تحققت منذ ستينيات القرن الماضي وحتى اليوم في مجال التنمية المستدامة والتغلب على الفقر المدقع.

وفي أكتوبر2020 قدر البنك الدولي أن ما بين 88 و115 مليون شخص في جميع أنحاء العالم سيقعون في غيابات الفقر المدقع في عام 2020، وعدل البنك الدولي من توقعاته في يناير 2021 ، بشأن عدد الفقراء المتوقع في العالم، ليرتفع العدد ويراوح بين 119 و124 مليون شخص في عام 2020.

كما حذر البنك الدولي من خطورة الوضع، ووصف الزيادة في مستويات الفقراء بأنها "زيادة غير مسبوقة"، وتبع ذلك التحذير تجدد الدعوات الدولية بإعفاء الدول الفقيرة من الديون، كما حذر عدد من الخبراء من أزمة متنامية في مجالات متعددة من التعليم إلى التوظيف، نتيجة تنامي أعداد الفقراء، مع ترجيح أن يستمر الشعور بتلك المأساة لأعوام مقبلة.

ـ  انعكاس سلبي على الاقتصاد وقطاع التوظيف والعمالة:

ويقول الدكتور إيان أليكسندر أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة كامبريديج إن "معدل الفقر العالمي شهد انخفاضا منذ الستينيات، عندما كان نحو 80 %   من سكان العالم يعيشون في فقر مدقع، انخفض هذا العدد إلى 10 %. وأضاف، "المشكلة الآن لا تكمن فقط في تزايد عدد الأفراد الذين يعيشون تحت خط الفقر البالغ 1.90 دولار، بل إن هناك قلقا حقيقيا من ارتفاع أعداد الأشخاص الذين يعيشون على أقل من 3.20 دولار يوميا في الفترة  التس حددت بين  يونيو  من عام 2020  و  يناير  2021".

ويبدو أن جائحة كورونا وانعكاسها السلبي الشديد على الاقتصاد وقطاع التوظيف والعمالة،   أصاب الطبقات العاملة في معظم إن لم يكن جميع الاقتصادات بأضرار فادحة، وقدرت منظمة العمل الدولية أن الطبقة العاملة على المستوى الدولي خسرت نحو 3.7 تريليون دولار من أرباحها نتيجة الوباء، وحتى في الدول التي يبدو فيها أن متوسط الأجور قد ارتفع، فإن ذلك حدث في ثلثها على الأقل نتيجة فقدان أعداد كبيرة من العمال من أصحاب الأجور المنخفضة وظائفهم.

بدورها ترى إلينا سميث الاستشارية السابقة في صندوق النقد الدولي أنه على الرغم من الإشادة بما سبق تحقيقه في مجال مكافحة الفقر قبل تفشي وباء كورونا، إلا أن الجائحة كشفت بوضوح مدى هشاشة التقدم المحرز، وإن ما سبق وتحقق أبعد ما يكون متطابقا مع أهداف التنمية المستدامة، وإنه لا يتمتع بأرضية صلبة تمكنه من الصمود في مواجهة التحديات".

وتعتقد دكتورة إلينا أن الأضرار الناجمة عن وباء كورونا ربما تمثل فرصة ذهبية لإعادة البناء مرة أخرى، لكن على أسس أكثر صلابة.

وفي هذا السياق تقول، "على الرغم من أهمية إعفاء الدول الفقيرة وربما الفئات الفقيرة أيضا في المجتمعات الغنية من الديون، إلا أن الأمر يتجاوز ذلك بمراحل، ولا بد من بناء نظام اقتصادي عالمي أكثر توازنا وأكثر صلابة وأكثر تكاملا وتكافلا في مواجهة تلك الجوائح، ويجب مساعدة الدول الفقيرة والنامية على بناء أساس لاقتصاد حقيقي بحيث تكون قادرة على التوقف عن تلقي المعونات في أوقات الأزمات".

ويعتقد البعض أن قضية الفقر وتزايد أعداد الفقراء في العالم ربما يشهد مزيدا من التدهور في الأعوام المقبلة خاصة مع التخفيضات في ميزانية المساعدات المقبلة من الدول الغربية، ما يعني إتاحة موارد أقل للتصدي لقضية الفقر التي سيتواصل صداها لأعوام طويلة، وهو ما يدفع البعض إلى التحذير من مغبة إقدام الدول المتقدمة الثرية على خفض معدلات المساعدات الخارجية.

ويشير والتر لويس الباحث الاقتصادي إلى أن  تأثير خفض المساعدات، ربما سيكون أكثر خطورة على قضية مكافحة الفقر من جائحة كورونا. ويضيف "خفض المساعدات لن يؤدي فقط إلى صعوبة مكافحة الفقر الناجم عن وباء كورونا في الدول الفقيرة أو النامية، إذ في الأغلب سيؤدي استمرار قضية الفقر في تلك الدول إلى تدفق مزيد من المهاجرين على الدول متوسطة الدخل أو الأكثر ثراء، بما يوجده ذلك من صراعات وأزمة حادة في العلاقات الدولية".

ويستدرك بالقول إن انخفاض المساعدات من الدول الغنية للفقيرة ربما يؤدي إلى حدوث فقر جديد في الدول ذات الدخل المتوسط، إذ إن تراجع الوضع الاقتصادي ربما ينجم عنه إفقار مجموعات جديدة لم يكن الفقر مسارها الطبيعي إذا لم تحدث الجائحة.

وفي الواقع فإن بعض الاقتصاديين يعربون عن مخاوفهم من ان يستمر تأثير وباء كورونا على قضية الفقر لمدة عقد كامل، وأن ما روج له إعلاميا بأنه سيتم تعويض الفقراء وانتشالهم من الأوضاع التي يعيشون فيها نتيجة الوباء بمجرد انتعاش الاقتصاد العالمي هذا العام مع توفر اللقاحات، يتضمن قدرا كبيرا من المبالغة.

ويعود ذلك إلى أن انتعاش التجارة العالمية والاستثمارات الأجنبية المباشرة قد لعبا دورا مهما في إخراج ملايين من الأشخاص من الفقر المدقع خلال العقدين الماضيين، وأنه من غير المرجح أن تنتعش التجارة الدولية وتتدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة سريعا حتى مع تحسن أداء الاقتصاد العالمي.

ويعتقد الدكتور إيان أليكسندر أنه حتى مع تحسن أوضاع الاقتصاد الدولي فإنه سيكون هناك ما يراوح بين 50 - 80 مليون شخص ضمن دائرة الفقر المدقع أعلى من الأرقام التي كانت متوقعة قبل تفشي الوباء.

 

 



التعليقات