تحليلات


كتب إدارة التحرير
14 فبراير 2020 10:24 م
-
تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي

تداعيات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي

في 18 يناير 2020، أعلنت الحكومة البريطانية أنهاتخطط لوضع ساعة في محيط مقرها في لندن لتبدأ عداتنازليا زمنيا في 31 يناير في إطار خطتها للاحتفال بيومالانفصال رسميا عن الاتحاد الأوروبي (البريكست)، ومن المقرر أيضا أن تُطلق عملة معدنية تذكارية بقيمة 50 بنساللتوثيق لهذه المناسبة، ومن المتوقع أن يكون رئيس الوزراءالبريطاني، بوريس جونسون، هو أول من يتسلم هذهالعملة التذكارية التي تحمل شعار "السلام، والرخاء،والصداقة مع كل الأمم".

 

 

وذكرت الحكومة البريطانية، إن جونسون، سوفيترأس اجتماعا لمجلس الوزراء في ذلك اليوم في شمالإنجلترا لمناقشة سبل "نشر الرخاء والفرص" في البلاد، وقالت الحكومة إنها سوف تستغل "هذه اللحظة الهامة فيتاريخ البلاد" من أجل "إزالة الانقسامات وتوحيد صفالمجتمع، والتطلع إلى البلد الذي نريد بناءه في العقدالمقبل"، وتجدر الاشارة الي أن الناخبين البريطانيين قد صوتوا لصالح خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي بنسبة52 في المئة مقابل 48 في المئة صوتوا ضد البريكستفي الاستفتاء العام الذي أُجري في يونيو 2016. 

 

بريطانيا تخرج رسميا من الاتحاد الاوروبي:

احتفلت بريطانيا، في الأول من فبراير 2020،بخروجها رسميا من الاتحاد الاوروبي، بعد ما يقارب نصف قرن من انضمامها إلى هذا التكتل الإقليمي، وقد شهدت هذه اللحظة التاريخية، احتفالات المؤيدينواحتجاجات للمناهضين لخروج بريطانيا من الاتحاد، وقد احدث خروج بريطانيا من هذا التكتل الاقليمي حالة من الجدل حول مغادرة الاتحاد أو البقاء فيه، إذ خرج الكثيرون للاحتفال بهذا اليوم حاملين الأعلام البريطانية أمام ساحة البرلمان، بينما يخيم الصمت على بعض المناطق من البلاد، وقد نشرت صحيفة التايمز على صدرصفحتها الأولى تقريرا بعنوان "الوداع للاتحاد الأوروبي"،وتشير فيه إلى احتفال أنصار الخروج من الاتحادالأوروبي في ساحة البرلمان رافعين الأعلام البريطانية. 

 وفي خضم هذه الاحداث دعا جونسون إلى الوحدة، واصفا هذه الخطوة بأنها فصل جديد في تاريخ الأمةالبريطانية، وقد اعرب جونسون عن تفهمه لشعور المتخوفينمن تأثير الخروج من الاتحاد الأوروبي على حياتهم،مؤكدا أن مهمة الحكومة هي "لم شمل جميع البريطانيينوالمضي بهم قدما"، وأضاف: "إنه فجر مرحلة جديدة لانقبل فيها أن تكون حظوظ نجاحك مرهونة بالمنطقة التينشأت فيها، إنها اللحظة التي نبدأ فيها بناء الوحدةوالمساواة، نزرع الأمل ونفتح الفرص في جميع مناطقبريطانيا"، وأعلن ما وصفها بأنها مرحلة جديدة منالتعاون الودي بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.

 

موقف القادة الاوروبيين تجاه خروج بريطانيا من الاتحاد:

 

 

اعرب العديد من رؤساء الدول الاوروبية وقاداتها، عن اسفهم من خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، وفي هذا الصدد قال الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون: "إنخروج بريطانيا صدمة للأوروبيين"، لافتا أن بريطانيا لمتكن من الدول المؤسسة للاتحاد الأوروبي في عام 1950، ولكن دول الاتحاد مدينة لها بالكثير.  

 أما المستشارة الألمانية، انجيلا ميركل، فكانت "الأكثرتشاؤما"، حسب صحيفة التايمز، إذ قالت إن خرورجبريطانيا من الاتحاد الأوروبي "جرح غائر" في أجسامنا،مشيرة إلى أن المفاوضات في المرحلة المقبلة لن تكونسهلة، وقالت رئيسة الحكومة في اسكتلندا إن بلادهاأخرجت من الاتحاد الأوروبي ضد رغبة أغلبية شعبها، كما عبرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فان در ليان عنأسفها لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ولكنها قالت: "سنثبت للعالم أننا جيرانا متقاربين جدا جدا".

 

 

ماذا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي: 

 في تمام الساعة 23:00 بتوقيت غرينتش، تم انزالالعلم البريطاني من أمام المفوضية الأوروبية والبرلمانالأوروبي دون مراسم، كما أغلقت حسابات الدبلوماسيينوالنواب البريطانيين في أجهزة الاتحاد في بروكسل، وبالرغم من أن صفحة البريكست قد طويت، إلا أن بريطانيا فتحت فصلا جديدا من تاريخها، ولكنها ليستالنهاية، إنما هي نهاية البداية، وأمام بريطانيا كم هائلمن المفاوضات والتهديد والتنازلات لترسم مستقبل علاقاتهامع الاتحاد الأوروبي.

وفور خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، اصبح كافة المعنيين بالبريكست يتساءلون: ماذا بعد؟، وظل هذا التساؤل هو الشغل الشاغل لكافة المعنيين بملف البريكست، وفي هذا الصدد، أصدرت صحيفة آي، نشرةخاصة بالبريكست، وعلى صدر صفحتها الأولى تساءلتماذا بعد؟، ويقول أوليفر داف في مقال افتتاحي إنبريطانيا استعادة السيطرة على شؤونها، ماذا بعد يارئيس الوزراء؟. 

 

ويذكر أوليفر أنه بعد 1317 يوما وثلاثة رؤساء وزراءوانتخابات عامة مرتين خرجنا من الاتحاد الأوروبي، هليعتبر هذا حلما تحقق أم لحظة حزن عميق؟، ويضيف أنالسؤال الذي لم يطرحه الاستفتاء، وما عجز مهندسوالخروج في الإجابة عنه مدة ثلاثة أعوام ونصف هو: "ماالذي سيحدث بعدها؟"، هنا يبدأ العمل الشاق، تستعيدالسيطرة على شؤونك، نعم. لن يكون بمقدور السياسيينإلقاء اللوم على بروكسل من الآن فصاعدا. ولكن ماذا بعد، لقد طلب منا جونسون النظر إلى اليوم، ليس على أنهنهاية، بل بداية. ولكن كلامه، حسب أوليفر، لن تكون لهمصداقية إلا بعدما يشرح لنا بالتفصيل خطته للخروج منالاتحاد الأوروبي. 

 وتسعى بريطانيا، بعد خروجها من الاتحاد، إلىتوقيع اتفاق تجارة حرة دائم مع الاتحاد الأوروبي شبيهباتفاق الاتحاد مع كندا، ولكن قادة دول الاتحاد حذروابريطانيا من أنها ستواجه مفاوضات شاقة للتوصل إلىاتفاق في الآجال المحددة، ومهما كانت طبيعة الخروج منالاتحاد الأوروبي، فإن اقتصاد بريطانيا سيكون، لا محالة، أصغر مما كان عليه ضمن التكتل، وبما أنالحكومة ترفض البقاء في الاتحاد الجمركي والسوقالموحدة، فإنها بذلك تكون قد اختارت اتفاق التجارة، وهو الطريق الأصعب، وفي هذا الصدد، قالت رئيسة المفوضيةالأوروبية، أورسولا فان در ليان، إن بريطانيا وبروكسلستصارعان من أجل مصالحهما في المفاوضات التجارية.

 

 

وقد شدد العديد من الخبراء الاقتصاديين ورجال السياسة، أنه على الاطراف المتفاوضة ان تدرك اهمية التوصل لاتفاق يحقق مصالح الجميع، فمصالح بريطانيا تحتم عليها أن تبقى أقرب ما يمكن من الاتحاد الأوروبي،فتحافظ على التعاون الأمني وتبادل المعلوماتالاستخباراتية مع دول الاتحاد، وعلى الدول الأعضاء فيالتكتل الأوروبي أيضا الاعتراف بفوائد بقاء علاقتها قويةمع بريطانيا، وأن ينعكس ذلك على المفاوضات معبروكسل.وقد كانت الثلاثة أعوام الماضية من أكثر الفتراتاضطرابا في تاريخ البلاد، إذ هز الخروج من الاتحادالأوروبي أركان الديمقراطية البريطانية وهدد وحدة البلاد،وأثار غضبا في مناطق واسعة شعرت بأنها كانت مهمشةلفترة طويلة، ولذا على جونسون، والذي امتاز عن سلفهتيريزا ماي في أنه يملك أغلبية مريحة في البرلمان، أن يستغل هذه الاغلبية في التوصل لاتفاق ناجح مع دول الاتحاد الاوروبي.

 

وترى صحيفة الفايننشال تايمز أنه على بريطانيا ان تعالج الصدع الذي أحدثه الاستفتاء على الخروج، الي جانب الحرص على وضع إطار جديد للعلاقات مع الاتحاديحمي وحدة البلاد، وقد وعدت الحكومة بالاستثمار فيالبنى التحتية وأعلنت إجراءات وتدابير تجعلها أكثر تحكمافي الاقتصاد، ولكن الخروج من الاتحاد الأوروبي سيجعل وفاء الحكومة بهذه الوعود أمرا صعبا، وخاصة في ظل سعيها لإرساء الانسجام الاجتماعي في الوقت الذيتواجه تحديات دستورية كبيرة.ومن جانبه، يرى أوليفر داف، أنه على حكومة بوريس جونسون أن تخوض في التوافقات المطلوبة في محاولةللتوازن بين المصالح المتضاربة داخليا ومع حلفاء بريطانياعلى المستوى الدولي، وتساءل أوليفر: ما هو الثمن الذي على بريطانيا دفعه من أجل التوصل إلى اتفاق تجاري مع دول الاتحاد؟.

 

الاتفاقات التجارية المرتقبة لبريطانيا بعد خروجهامن الاتحاد الاوروبي:

اعلن سفير الولايات المتحدة في لندن " Woody Johnson" فور خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أن المملكة المتحدة لن تجد صديقا ولا حليفا وشريكا أفضل منالولايات المتحدة، بل ان الرئيس الامريكي، دونالد ترامب، توقع إبرام اتفاق تجاري "قوي" مع بريطانيا "في القريبالعاجل"، وجدير بالذكر ان ثمة محادثات جرت بين البلدين، قبل خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، بهدف رسمملامح اتفاق تجاري محتمل بينهما، ولكن لم يتم الكشف عما تم الاتفاق عليه، ولم توقع بريطانيا أي اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة، إذ تقضي قواعد الاتحاد الأوروبيبألا توقع بريطانيا أي اتفاق تجاري، إلا بعد مغادرتهاالاتحاد.

 وفي حديث لاذاعة BBC، أوضح " Adam Marshall" المدير العام لاتحاد غرف التجارة البريطانية،إن الخبرة الأمريكية في مثل هذه المفاوضات تجعل منالصعب على بريطانيا التوصل لاتفاق جيد، لافتا ان ثمة قلق يثاور البريطانيين حول قدرة بلادهم على التفوق علىالولايات المتحدة، في مفاوضات شاقة ومعقدة، وشدد على ضرورة ان ينصب التركيز بين البلدين على تطوير "أمورإجرائية صغيرة"، مثل إلإجراءات الجمركية بدلا من اتفاقتجاري شامل.

 

وفي سياق متصل، عبر كل من اتحاد النقاباتالعمالية (TUC) واتحاد عمال يونايت (Unite)البريطانيان عن قلقهما، من التوصل لاتفاق تجاري سريعمع الولايات المتحدة، وقالت فرانسيس أوغريدي، رئيسة(TUC)، لصحيفة (The Guardian)، أنه على الوزراءأن يركزوا على كيفية الحصول على أفضل اتفاق ممكن معالاتحاد الأوروبي، بدلا من أن يلقوا بأنفسهم على سريرترامب.وتوقع المحلل الاقتصادي المستقل "Michael Hughes" أن تركز المحادثات الحالية بين البلدين علىالخدمات المالية والزراعة، وأضاف: "في كلا المجالين، فإنبريطانيا سيكون عليها أن تخفف من بعض المعايير التيتعتمدها الآن، سواء فيما يتعلق بالأغذية المعدلة وراثيا، أوفيما يتعلق بقواعد عمل شركات الخدمات المالية فيبريطاينا، وذلك بهدف التوصل لاتفاق، ولذلك فإنه اتفاقحساس".

 

والي جانب الولايات المتحدة، فانه يتحتم على بريطانيابناء علاقات تجارية جديدة مع 27 دولة لا تزال موجودةداخل الاتحاد ومع دول أخرى حول العالم، وجدير بالذكر أن بريطانيا كانت جزءا من اتفاقيات تجارية تفاوضبشأنها الاتحاد الأوروبي، وتشمل 22 اتفاقية تجارية معدول مختلفة وخمس اتفاقيات متعددة الأطراف تشمل دولاعدة.

وينبغي على بريطانيا، إذا أرادت الاحتفاظ بامتيازاتداخل أسواق 52 دولة تغطيها تلك الاتفاقيات، ان تتفاوضمن جديد بشأن اتفاقيات تجارية معها جميعا، وتعدبريطانيا سوقا كبيرة، ولذا ثمة حافز يدفع الكثير منالبلدان للتفاوض معها بشأن صفقات تجارية، ويرى مؤيدوالخروج من الاتحاد الأوروبي أنه لن يكون من مصلحةأحد وقف الشراكات الاقتصادية الحالية.

 

 

 

 

 

 

 



التعليقات