تحليلات


كتب فاطيمة طيبى
26 أكتوبر 2022 4:21 م
-
سوق التخزين العالمية تواجه أزمة مستودعات مع ارتفاع حجمها بحلول 2025

سوق التخزين العالمية تواجه أزمة مستودعات مع ارتفاع  حجمها بحلول 2025

اعداد ـ فاطيمة طيبي

مساعي شركة أمازون في الحصول على تصريح تكشف عن اتجاه مستقبلي لتعزيز شبكتها اللوجستية، وإن هذا التوجه ذو طابع استراتيجي طويل الأمد، يخالف توقعات بعض الخبراء بأن الشركة ستعيد النظر في توسعها اللوجستي بعد تباطؤ إيراداتها ربع السنوية.

من هنا حصلت شركة التجارة الإلكترونية العملاقة أمازون على موافقة محلية من ولاية نيويورك تسمح لها ببناء مركز توزيع من خمسة طوابق بتكلفة تبلغ 550 مليون دولار، وبمساحة تقدر بـ 3.1 مليون قدم مربعة.

المستودع الجديد جزء من شبكة مستودعات التخزين ومراكز التوزيع التي تمتلكها الشركة في الولايات المتحدة وعبر العالم وجميعها تهدف إلى ضمان وصول البضائع للمستهلكين في أسرع وقت.

وفي الحقيقة لا تعد "أمازون" حالة فريدة من نوعها، فعديد من الشركات الدولية حول العالم تواجه مشكلة حقيقية فيما يتعلق بالسعة التخزينية المتاحة لديها، وقدرتها على استئجار مستودعات جديدة. فشركات مثل "وول مارت" و"بست باي" وغيرها بات لديها وفرة غير متوقعة من السلع، حيث أدى ارتفاع معدلات التضخم على المستوى الدولي إلى انخفاض الإنفاق الاستهلاكي من قبل الأفراد والعائلات.

ـ الطلب على المستودعات :

وتقدر التقارير الدولية أن الطلب على المستودعات حول العالم في أعلى مستوياته على الإطلاق، ومعدلات شغور المستودعات في الوقت الراهن أقل من 4 % على المستوى العالمي، وهو مستوى منخفض للغاية، وفي الولايات المتحدة انخفض معدل شواغر المستودعات إلى 2.9 % مقابل 7.7 %قبل عشرة أعوام.

والأكثر خطورة عدم وجود بوادر لتحسن الوضع دوليا، إضافة إلى ما يمثله ذلك النقص من مشكلة كبيرة للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم ذات الميزانيات المحدودة.

ـ  تقلص مساحة المستودعات حول العالم:

تظهر الأهمية العالمية لسوق التخزين من القيمة السوقية له ومعدلات النمو المتوقعة، ففي 2020 قدرت شركة جلوبال نيوزوير للأبحاث سوق التخزين العالمية بنحو 427 مليار دولار مع توقع أن يصل إلى 628 مليار دولار 2025 وبمعدل نمو سنوي مركب 9 %.

وبينما كانت منطقة آسيا والمحيط الهادئ أكبر منطقة في سوق التخزين العالمية باستحواذها على 33 % من السوق قبل عامين، فإن منطقة أمريكا الشمالية احتلت المرتبة الثانية بنسبة 27 %.

توضح ليز كاميرون، المديرة التنفيذية لشركة "بروبرتي لينك" لتأجير المستودعات أسباب نقص مستودعات التخزين على المستوى الدولي بالقول "أحد أسباب الندرة الراهن للمستودعات هو الطفرة العالمية في مجال التجارة الإلكترونية، فمزيد من التسوق عبر الإنترنت والتزام أغلب شركات التجارة الإلكترونية بسرعة التسليم يعني أنها تحتاج إلى أماكن تخزين أكبر وأكثر، وهذا أوجد طلبا كبيرا للغاية على المستودعات بما لا يتناسب مع حجم المعروض .

وتعد ليز كاميرون أن السبب الآخر لنقص المستودعات هو أزمة سلسلة التوريد العالمية، إذ تحاول الشركات تخزين البضائع لمواجهة التأخير في سلاسل التوريد.

وتعتقد أن جائحة كورونا أوجدت تحولا في إدارة المخزون من الأسلوب التقليدي القائم على فكرة "في الوقت المناسب" إلى أسلوب "عند الضرورة "، إذ تتحوط الشركات من النقص المحتمل في السلع وعدم تسلمها من المنتجين في الوقت المحدد عبر طلب كميات أكبر وتخزينها، كما أن أزمة سلاسل التوريد أدت أيضا إلى إبطاء بناء المستودعات والمخازن الجديدة، فإمدادات البناء كانت عرضة للنقص أو التأخير، ما أدى إلى وقف أو تقييد كثير من مشاريع بناء المستودعات، خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية خلال العامين الماضيين.

ـ المنافسة الحادة بين الشركات الكبيرة:

هذا ويعتقد بعض الخبراء أن النقص في المستودعات أوجد منافسة حادة بين الشركات الكبيرة من جانب والمتوسطة وصغيرة الحجم من جانب آخر، فيما يتعلق بشراء أو استئجار المستودعات، وبالطبع كان للشركات الكبيرة اليد الطولة، نظرا لقدرتها على تحمل الزيادة في أسعار استئجار أو شراء المخازن، هذا الوضع أدى إلى انخفاض المساحات التخزينية المتاحة في الأسواق، التي يمكن للشركات الصغيرة والمتوسطة استغلالها.

تقول شركة Prologis Inc أكبر مالك للمستودعات في العالم من حيث المساحة، إنها تتوقع أن تكون هناك حاجة إلى 800 مليون قدم مربعة إضافية من مساحة المستودعات بما يتجاوز التوقعات السابقة للتعامل مع المخزونات الزائدة، أي أن هناك حاجة الآن لنحو 300 مليون قدم مربعة من مساحة المستودعات بشكل عاجل.

ـ  احتمالية تراجع شديد في التجارة الدولية:

من جهته، يقول ، ماكلوين راين، رئيس قسم الأبحاث العلمية في شركة ون للنقل البحري "نقص المستودعات وتراجع القدرة الاستيعابية للشركات الدولية على تخزين السلع يمكن أن يؤدي إلى تراجع شديد في التجارة الدولية، إذ ستقوم تلك الشركات بخفض طلبها الإجمالي، ولن يتوقف الأمر عند هذا الحد، حيث ستتكدس الشحنات الواردة في أرصفة الموانئ البحرية بما يسد شبكات التوزيع في جميع الدول".

إلا أن الدكتورة ميليندا سايمون، أستاذة التجارة الدولية في جامعة لندن تطرح القضية من وجهة نظر أخرى مختلفة، حيث ترى أن المخاوف الراهنة بشأن نقص المستودعات مبالغ فيها.

وتؤكد أنه مع امتلاء المستودعات وانخفاض القدرة على التخزين، منطقيا أن تعمل الشركات على تفريغ المخزون الفائض والمخزون خارج الموسم، ولن تجد من وسيلة أكثر فاعلية لتحقيق ذلك إلا بخفض الأسعار، ما سيزيد الطلب من المستهلكين ومن قبل شركات التجزئة أيضا، وهذا سيؤدي بمرور الوقت إلى حل مشكلة المستودعات.

انخفاض المعروض من المستودعات والمخازن شجع رؤوس الأموال على الاندفاع بقوة للاستثمار في هذا المجال، فما يقرب من نصف جميع الأموال التي تستثمر على المستوى العالمي في مجال العقارات تستهدف الآن العقارات ذات الطبيعة الصناعية واللوجستية.

ـ المشكلة ذات طبيعة دولية :

لكن البروفيسور آندي مارتن أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة كامبريدج يرى أن مشكلة نقص المخازن والمستودعات جزء من مشكلات ذات طبيعة دولية ستعيد تشكيل الاقتصاد العالمي مستقبلا.

ويقول  إنه "منذ جائحة كورونا وتوتر العلاقات الاقتصادية بين الغرب والصين هناك إعادة نظر لبعض من المفردات الأساسية في التوازنات الاقتصادية الدولية، فالمعادلة التي قبل بها الغرب خلال العقود الثلاثة الماضية، والقائمة على أن تكون الولايات المتحدة وأوروبا الغربية مركزا للإبداع التكنولوجي العالمي، وأن تصبح الصين مركز الإنتاج السلعي العالمي تتعرض الآن لإعادة النظر".

ويضيف "فمنذ جائحة كورونا وجد الغرب نفسه رهينة للصناعات الصينية، والآن فكرة إعادة الصناعات إلى المنزل، أو إعادة توطين الصناعات في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية تحصل على دعم متزايد في دوائر صنع القرار في البلدان الكبرى، ومشكلة نقص التخزين والمستودعات تعزز تلك النظرية، لأن الدول الكبرى لا يمكنها أن تقبل بأن تكون رهينة لمشكلات سلاسل التوريد".

لكنه يؤكد أن الشركات ستحتاج إلى استثمار تريليون دولار على مدى خمسة أعوام لنقل جميع الصناعات الأجنبية الموجودة في الصين، التي لا تتجه للأسواق الصينية، حتى يحدث ذلك سيظل الطلب على المستودعات من الشركات والمستثمرين قويا.

 

 

 



التعليقات