تحليلات


كتب فاطيمة طيبى
5 سبتمبر 2023 1:58 م
-
افاق مستقبل الذكاء الاصطناعي في المدن الذكية

افاق مستقبل الذكاء الاصطناعي في المدن الذكية

اعداد ـ فاطيمة طيبي

يتطلب   الوضع  العالمي الجديد جعل أنماط الحياة في المدن  الذكية أكثر راحة وفاعلية من حيث التكلفة، ويجب أن تكون هذه المدن، خاصة التي يتم التخطيط لها مستقبلا، مدنا ذكية يتم إنجاز كل شيء فيها من خلال اتخاذ القرار معتمدين في ذلك على التقنيات القائمة على الذكاء الاصطناعي والرقمنة وإنترنت الأشياء.

 هذا ووفقا لتقديرات صندوق الأمم المتحدة للسكان، فإن المدن الذكية استوعبت 3.3 مليار فرد أي نحو 54% من سكان الكرة الأرضية في 2014، وبحلول منتصف القرن سيقيم في المدن خمسة مليارات نسمة أي 68 % من إجمالي سكان الكوكب.

تلك الزيادة لم يكن لها مثيل من قبل في تاريخ البشرية، وتعني باختصار أن القوى التي ستشكل المدن الحالية ومدن المستقبل هي التي ستشكل عالمنا أيضا. فالمدن الذكية  تتميز بالاستخدام الكثيف لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحسين الخدمات الحكومية والتنمية الاقتصادية ونوعية الحياة.

ـ الحياة الجديدة بوجود الذكاء الاصطناعي:

 لكن هناك نساؤلات تطرح فيما اذا سيصبح   للذكاء الاصطناعي امكانية تغير أنماط الحياة الحضرية وإن حدث ذلك  كيف سيكون شكل هذه المدن بعد عملية إدماج الذكاء الاصطناعي في إدارتها.

يقول المهندس دي.تي. كرونيس من قسم دراسات الذكاء الاصطناعي بكلية الهندسة في جامعة برمنجهام "المدينة نموذج معقد للغاية، وتصميم مدينة وتشييدها عملية شديدة التعقيد تتطلب تخصصات مختلفة، فعلى سبيل المثال تختلف مطالب وتصورات مخططي النقل، مقارنة بالمصممين الحضريين مثلا، وكل تخصص يشارك في بناء المدن الذكية لديه صومعة مختلفة، وعلينا كسر تلك الصوامع وجعلها تتفاعل مع بعضها البعض دون أن يعني ذلك حالة من الفوضى، فالتحدي الأكبر في تصميم المدن الذكية يكمن في وجود كثير من البيانات المتاحة، لكنها مجزأة للغاية وغير موحدة، ولا يوجد تداخل كاف بين التخصصات المختلفة يسمح لنا بفهم تأثيرها على بعضها البعض.

ويرى المهندس دي. تي. كرونيس أن الذكاء الاصطناعي والتخطيط المبني على البيانات يسمح بكسر الصوامع المختلفة، وتوفير نموذج شامل أو موحد يساعد في بناء مدن المستقبل.

ـ دمج بين الذكاء الاصطناعي والقطاعات الخدمية:

من المؤكد أن الذكاء الاصطناعي والمدن الذكية مرتبط ارتباطا وثيقا، فتطبيقات الذكاء الاصطناعي ستؤدي إلى أتمتة العملية التنظيمية للمدن، وهذا يوفر الوقت والجهد ويجنب الأخطاء المكلفة أيضا، لهذا نلاحظ في كثير من المدن الحديثة عملية دمج بين الذكاء الاصطناعي والقطاعات الخدمية، فعلى سبيل المثال يتم حاليا

ـ دمج الذكاء الاصطناعي في إدارة النفايات.

ـ السماح  بمتابعة عمليات إعادة التدوير.

ـ يقلص بذلك التلوث البيئي بشكل كبير وملحوظ.

ـ   ينعكس  ذلك بصورة إيجابية على مستويات الصحة العامة.

ـ تنخفاض الميزانيات المخصصة للقطاع الطبي، وبالتالي توجيهها إلى مجالات أخرى تزداد الحاجة إليها.

ـ الدور المهم الذي يلعبه الذكاء الاصطناعي في تحسين السلامة العامة والحد من انتهاك القوانين .

لكن تنامي استخدام الذكاء الاصطناعي في مجال إدارة المدن القائمة، أو الاعتماد عليه بشكل شبه مطلق في تصميم وتشييد المدن الذكية سلاح ذو حدين من وجهة نظر الدكتورة لورين كريس أستاذة التطوير العمراني في جامعة لندن.

اذ تقول : "هناك تحذيرات متزايدة مما يعرف بالجغرافيا غير المتكافئة لنشاط الذكاء الاصطناعي، فحتى في المجتمعات الثرية مثل الولايات المتحدة وأوروبا الغربية واليابان، وتلك البلدان قادرة على تمويل عملية دمج الذكاء الاصطناعي في إدارة المدن وتشييد المدن الذكية، هي عملية مكلفة ماليا للغاية وباهظة الثمن.

ولوحظ ان العديد من الدراسات  تفيد أن اللجوء للذكاء الاصطناعي في مجال تحديث المدن لا يسير بشكل متوازن أو حتى وفقا لترتيب الاحتياجات والأولويات، لذاك الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في إدارة المدن يتركز بشكل كبير في عدد صغير من المدن الثرية، وفي دراسة عن الولايات المتحدة وجد أن ذلك يتركز في المدن الساحلية الثرية".

وبذلك يعد استخدام الذكاء الصناعي في إدارة المدن أو تشييد الذكية منها سيكون ظاهرة تحتكرها البلدان الغنية، وليس ظاهرة عالمية تمتد لكل بلدان العالم، وهذا قد ينتج عنه اتساع الفجوة العالمية، سواء بين البلدان المختلفة أو حتى بين المدن المختلفة داخل الدولة الواحدة، فمن المنطقي أن تؤدي التباينات بين المدن الذكية وغيرها إلى أن تجذب تلك المدن العمال ذوي المهارات العالية، مقارنة بغيرها من المدن التقليدية".

ـ ضرورة الدمج:

لكن وجهة النظر تلك لا تروق للمهندس إم.سي. آرثر أستاذ الاقتصاد الحديث في جامعة لندن، إذ يرى أن المرحلة الراهنة من دمج الذكاء الاصطناعي في مجال إدارة المدن وتشييد المدن الذكية، حتى إن اتسمت حاليا بعدم التكافؤ الجغرافي تظل ضرورية للغاية بوصفها رأس حربة أولية في هذا الاتجاه العالمي، والذي سيتوسع دوليا في المستقبل مع انخفاض تكلفة الذكاء الاصطناعي بصفة عامة على حد قوله. كما ان "المدن التي ستستخدم تلك التقنيات تأخذ زمام المبادرة وتضع القواعد واللوائح للآخرين حول كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي من قبل المدن والبلدان الأخرى، التي ترغب في نسخها".

ويضيف "هناك مجموعة من المدن تدفع جهود الذكاء الاصطناعي لتثقيف المدن الأخرى حول أفضل الممارسات لنشر أنظمة الذكاء الاصطناعي بشكل أكثر فاعلية وأخلاقية، وهذا ما يجعل البعض يعتقد أن مدينة نيوم السعودية نموذج جديد تماما لمدينة تعتمد كليا على الذكاء الاصطناعي في إدارة تفاصيل الشأن اليومي، وبذلك يمكن أن تصبح مصدرا للمعرفة لكل المدن والباحثين حول مبادئ الممارسة العملية في استخدام الذكاء الاصطناعي في تشييد وإدارة المدن، وبما يسمح للمدن بتطوير معاييرها الخاصة في وقت لاحق".

تقف المدن اليوم في مفترق طرق وبتزايد فرص استخدام التكنولوجيا تتزايد معها المخاطر أيضا، فالتركيز على  استخدام التكنولوجيا فقط يترتب عنه مجموعة من المخاطر كأن يصبح الذكاء الاصطناعي مظهري دون استخدام حقيقي، فالحديث عن المدن الذكية واستخدام مزيد من التكنولوجيا في إدارة المدن، لا يجب أن يولد لدينا أوهاما بتوفير حلولا سريعة لمشكلاتنا الحضرية، ولا يجب أن نضع التركيز كله على التكنولوجيا نفسها، وإنما على كيفية دمجها في الممارسات والأنشطة اليومية مع إدراك لحدودها والتحديات، التي تواجه استخدامها.

 

 

 



التعليقات