تحليلات


كتب فاطيمة طيبى
2 يناير 2024 2:49 م
-
مثلت الصراع والتغير المناخي والحروب صنع معاناة القارة السمراء لتحقيق الامن الغذائي

مثلت الصراع والتغير المناخي والحروب صنع معاناة القارة السمراء لتحقيق الامن الغذائي

اعداد ـ فاطيمة طيبي

في تقريرها الصادر في شهر اغسطس 2023 قدرت واحدة من المنظمات الدولية العاملة في مجال الإغاثة أن 346 مليون شخص من غرب القارة الإفريقية إلى شرقها يعانون خطر انعدام الأمن الغذائي، هذا ما يعني ان ربع سكان القارة السمراء   يواجهون مشكلة غذائية حقيقية، من بينهم 140 مليون شخص يعانون الجوع.

في الصومال وحدها يوجد نحو 6.5 مليون شخص لا يحصلون على حاجاتهم من الطعام في وقت تتزايد فيها معدلات الوفيات بين الأطفال، بينما تظطر كثير من العائلات الإفريقية بعدم تعليم ابنائها من اجل الانخراط بالعمل للمساهمة بتوفير احتياجاتهم الغذائية. 

ـ تفاقم الازمة الغذائية :

خريطة الأزمة الغذائية في إفريقيا تكشف أن المشكلة قد تطول بلدانا بوزن نيجيريا، اذ يوجد 17.5 مليون شخص لا يملكون كفايتهم من الطعام  ، في وقت ان  45 % من الاطفال تموت بسبب الجوع  ، وفقا لتقديرات الصليب الأحمر البريطاني.

يقول مايكل فيليب استشاري سابق في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو": يعاني سكان القارة السمراء بشكل كبير من التغير المناخي والحروب والصراعات،  مما يزيد من حجم المعاناة للكثير من بلدان القارة لتعدد مشاكلها والتي تحد بدورها من  قدرتها على ضمان الأمن الغذائي لشعوبها، رغم  أن إفريقيا تتمتع بوفرة كبيرة في الموارد الطبيعيةوأراضي صالحة للزراعة وحياة برية ثرية، وبوجود صحاري اكثر جفافا في العالم، كانت سببا في تأخر مشاريع  التنمية ، اضف اليها الاضطرابات السياسية .

كما تشير التقديرات الدولية إلى الأزمة الغذائية الإفريقية في تفاقم نتيجة الجفاف الشديد والحروب المستعرة وارتفاع أسعار الغذاء العالمية بسبب الحرب الروسية ـ الأوكرانية والعقوبات الدولية المفروضة على روسيا، مما ارتتفعت معه  مخاوف منظمات الإغاثة الدولية من أن يؤدي الاهتمام الأوروبي والأمريكي المفرط بالحرب الدائرة في أوكرانيا إلى تجاهل احتياجات إفريقيا، من التمويل العالمي لحل مشكلة الاحتياجات الغذائية لسكان القارة.

من ناحية ثانية يرى الخبراء أن أسباب الأزمة الغذائية في إفريقيا تتصل بشكل ضئيل  بقضية الحرب الروسية - الأوكرانية والتي كانت سببا في  ارتفاع  معدلات التضخم بالعالم ، فالاسباب لها جذور تاريخية من ناحية تدهور الأمن الغذائي مع  تنامي دائم في أعداد  الافراد الذين يعانون من سوء التغذية ، لنجد ارتفاع  عدد الافراد الذين لا يمكلون المقدرة  على توفير احتياجاتهم الغذائية من 100 مليون نسمة في ستينيات القرن الماضي إلى 200 مليون عام 1995، وبحلول عام 2025، تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 60 % من السكان لن يكونوا قادرين على توفير احتياجاتهم من الطعام.

ـ عوامل ساهمت في ضعف الانتاج الغذائي :

من ناحيتها، ذكرت الدكتورة أورلا جورن أستاذة الدراسات الإفريقية في جامعة إدنبرة، أن  هناك عديدا من العوامل تشكل معوقات لإنتاج الغذاء في القارة الإفريقية تشمل ...

ـ تدهور خصوبة التربة.

ـ  سوء إدارة الموارد المائية المتاحة.

ـ الآفات والأمراض والطرق غير الملائمة لإنتاج وتخزين وتجهيز الأغذية.

ـ الصراعات الأهلية والحروب

ـ السياسات الاقتصادية الغير عملية  لدعم إنتاج الغذاء.

ـ الوضع الاقتصادي والاجتماعي المتدني للنساء اللائي يشكلن أغلبية منتجي الغذاء في القارة.

ـ  الزيادة بأعداد السكان من 118 مليون نسمة مطلع القرن الـ20 إلى 788.5 مليون عام 1997، والآن يتجاوز سكان القارة 1.4 مليار نسمة، وعلى الرغم من أن الزيادة السريعة ليست مشكلة بقدر ما أن المشكلة تكمن في فشل النمو الاقتصادي في مواكبة النمو السكاني.

يعتقد عديد من الخبراء أن السياسات الاقتصادية غير المتوازنة والانحياز الاجتماعي الذي يصب في مصلحة مجموعات وفئات محددة أدى إلى إفقار المناطق الريفية وهجرة كثير من سكان الريف إلى المدن بحثا عن سبل معيشة أفضل، آخذا في الحسبان أن معدل النمو الحضري في القارة يبلغ 4 % سنويا الأعلى في العالم، تجاهل الريف كان سببا في تدهور حال الأراضي وتقلص الايدي العاملة الريفية والتحاقهم  بالمدن  بحثا عن حياة افضل ليصطدمو بحياة اكثر صعوبة ينتج عنها السعي نحو الهجرة .

ـ البحث عن العملة لسد فجوة العجز المادي :

عمليات  تطوير الإنتاج الزراعي  بطرق حديثة ، تتجاوز عن  إنتاج المحاصيل الغذائية ذات لاحتياج المحلي  للغذاء اليومي، وانما  تتعدى إنتاجها للتصدير بهدف تحقيق عوائد مالية مرتفعة، من استيراد مواد الغذائية لا تقدلر الدولة على توفيرها للعديد من الاسباب ، ما ينجم عنه  تراجع  في عدد العاملين في القطاع الزراعي و مع غياب خطط حقيقية للتنمية الاقتصادية ترتفع الضغوط الاجتماعية  بتصاعد المشاكل .

واعتبارا ان حق القضاء على الجوع واحد من أهداف الأمم المتحدة الإنمائية، اضيف اليها ايضا  تحقيق الأهداف التنموية الأخرى. يعتبر الفقر سببا اوليا من أسباب الجوع في القارة السمراء،  لنجد أكثر من نصف سكان إفريقيا يعيشون تحت خط الفقر المقدر بـ1.5 دولار يوميا، 75 % منهم  من سكان الريف.

وهنا يوضح الباحث الاقتصادي إلبي رواي، " ربما يكون لتداعيات الحرب الروسية ـ الأوكرانية تأثير في تفاقم انعدام الأمن الغذائي في إفريقيا، وقد يتطلب ذلك تقديم مساعدات عاجلة لسكان القارة للخروج من هذا المأزق، لكن إفريقيا في حاجة إلى ما هو أكثر استدامة من تقديم المساعدات لمواجهة أزمتها الغذائية، إنها في حاجة إلى خطة متكاملة توجد حالة من التنمية المستدامة لإنقاذ مواطنيها من مهانة العوز والجوع، ورغم ان  للظواهر المناخية سببا لتصاعد المشكلة الغذائية في القارة السمراء في الأعوام الأخيرة، لا نعتبرها قضية بلا حل، ولكن هناك حالة من عدم الجدية في عديد من بلدان إفريقيا للتعامل مع المشكلة.

لذلك على الحكومات الإفريقية أن تدرك أن حل قضية انعدام الأمن الغذائي والجوع مسئوليتها أولا وأخيرا، فالاستقرار السياسي الغائب في بلدان كالصومال وإثيوبيا يرجع اليه  الجزء الأكبر من المشكلة الغذائية، اضف اليه الفساد في بلد ثري كنيجيريا ، و السياسات الاجتماعية المنحازة لمصلحة مجموعات وفئات محدودة ، وعدم وجود خطط حقيقية نابعة من الواقع المحلي لحل المشكلة، ما يجعل أزمة الأمن الغذائي والجوع في القارة مشكلة إفريقية من صنع أيادي قادة القارة أولا وأخيرا.

 

 

 



التعليقات