تحليلات


كتب فاطيمة طيبى
29 يناير 2024 12:03 م
-
لعلاج خلل الرأس المال البشري.. أمريكا تحتاج لسياسة صناعية تنافسية شاملة

لعلاج خلل الرأس المال البشري.. أمريكا تحتاج لسياسة صناعية تنافسية شاملة

اعداد ـ فاطيمة طيبي  

قال جيري هار المحلل الأمريكي، أستاذ إدارة الأعمال الدولية في جامعة فلوريدا الدولية وزميل مركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين ومجلس التنافسية، وكلاهما في واشنطن العاصمة، "إن العامل المحفز لإعطاء الأولوية للسياسة الصناعية ذو شقين، هما جائحة كوفيد - 19 العالمية والصين".

وأضاف هار، في تقرير نشرته مجلة "ناشونال إنتريست" الأمريكية، أنه "في الحالة الأولى، كشفت الجائحة عن أوجه القصور في الاعتماد المفرط على عدد قليل من موردي البضائع المهمة للغاية، وفي الحالة الثانية، هناك قلق شديد إزاء القدرة التنافسية المتزايدة للصين عسكريا وصناعيا".

وتابع أن "الولايات المتحدة تتمتع بقدرة تنافسية، لكن حلفاءها وأعداءها أيضا يظهرون على نحو متزايد تحديا لقوتها الصناعية". وبينما تنفق الولايات المتحدة 792 مليار دولار على الأبحاث والتطوير وتضاعف عدد براءات الاختراع ثلاث مرات خلال العقدين الماضيين، تتفوق الصين في عدد طلبات براءات الاختراع، وتأتي بعدها مباشرة اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا.

ـ سياسة صناعية تنافسية ومستدامة :

هذا وقد اكتسبت السياسة الصناعية أهمية على مدار الأعوام العديدة الماضية، واحتلت مكانا رئيسا في الأجندات السياسية للحزبين الأمريكيين، الجمهوري والديمقراطي. وتعد هذه السياسة من المجالات القليلة التي يظهر فيها التعاون الحزبي الثنائي مثلما لوحظ في تمرير قانون الرقائق والعلوم وقانون الحزبين الخاص بالبنية التحتية .

وتحتاج واشنطن إلى سياسة صناعية تنافسية ومستدامة لتحدي الصين ودول أخرى، بحسب هار، الذي أوضح أن توافر سياسة صناعية ناجحة أمر لا غنى عنه لأي دولة تسعى لتحقيق قدرة تنافسية عالمية والحفاظ عليها، غير أنه لا يمكن تحقيق ذلك الهدف فقط من خلال استثمار مزيد من المال في الأبحاث والتسويق، كما أنه لا يمكن تحقيقه من خلال فرض حواجز جمركية وغير جمركية لحماية صناعات محلية غير تنافسية من المنافسين الأجانب.

والأمر المؤكد هو أنه أيا كان الشكل والمحتوى والنهج الذي تختاره أي دولة لسياستها الصناعية لتعزيز قدرتها التنافسية، فإنها لا يمكن أن تكون ناجحة بدون قوة عاملة كبيرة تضم أفرادا أصحاب مهارات عالية .

ـ تراجع أداء أمريكا في التعليم:

والأساس لأي قوة عاملة سيكون نظام التعليم "كيه - 12" الذي يشمل الحضانة والمراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية. وهذا هو أساس المنزل، إن صح التعبير. والشيء المحزن أنه على مدار عقود حتى الآن، تراجع أداء أمريكا بشكل مطرد.

وفعلا فاقمت الجائحة الوضع، لكنه كان يمضي في منحنى تنازلي في القراءة والرياضيات بالنسبة إلى التلاميد في سن المدرسة قبل تفشي الجائحة. ووضعت النتائج الأحدث للبرنامج الدولي لتقييم الطلاب الذي تشرف عليه منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، الصين وسنغافورة وإستونيا في المراكز الثلاثة الأولى. وجاءت الولايات المتحدة في المركز الـ22 .

وتقع المسؤولية بصفة عامة على تخفيف المناهج، ونقابات المعلمين التي تعطي الأولوية لمصالحها على حساب الطلاب وأولياء الأمور، وطرق التدريس المثيرة للجدل، وفشل أولياء أمور الطلبة في توفير التوجيه الذي يحتاج إليه أولادهم بشدة بعد المدرسة. والأمر الجوهري أيضا لأي قوة عاملة ذات مهارة عالية هو التعليم الفني والتلمذة الصناعية. ويؤدي التعليم الفني والتلمذة الصناعية إلى وظائف عالية الطلب تضمن الحصول على أجور جيدة .

ـ اكتساب المعرفة بالنسبة للعامل :

وسمة أخرى لأي سياسة صناعية ناجحة هي الإسهام في اكتساب المعرفة والتطوير ورفع مستوى مهارات العامل من جانب جهات العمل نفسها. وعشرات من الشركات تلجأ إلى الجامعات بشأن الحصول على برامج للتعليم التنفيذي في مجالات إدارة الأعمال والهندسة، ويوفر كثير منها برامج للتدريب الداخلي، وهي مصممة لتلبية الاحتياجات الحالية والمستقبلية للشركة .

ولدى كل من شركات جوجل بليكس، وأبل يونيفيرستي، وجي بي مورجان، وماكدونالدز، وكاتيربيلار، وتويوتا "جامعة"، حيث أعدوا برامج متخصصة لمديريهم من المستوى المتوسط والعالي. ولدى نقابات العمال، وبصفة خاصة نقابة الاتصالات الأمريكية "سي دبليو أيه"، والأخوة الدولية لعمال الكهرباء و"أي بي إي دبليو" منهج واسع من البرامج لعمالهم للمساعدة على تحسين الأداء والقدرة التنافسية .

وعندما يتعلق الأمر برأس المال البشري والقدرة التنافسية الأمريكية، يتمثل العائق الأكبر في سياسة الولايات المتحدة الخاصة بالهجرة، حيث تعد سياسة الولايات المتحدة المعقدة والمربكة والمتناقضة عائقا دائما أمام القدرة التنافسية الأمريكية. كما تواجه الولايات المتحدة نقصا في العمالة التي تلقت تعليما في مجالات الهندسة والعلوم والرياضيات والتكنولوجيا، بينما يستمر الالتحاق بالجامعات والتقدم للدراسات العليا في منحنى تنازلي 

ويتفوق الطلبة الدوليون في مجالات الهندسة والعلوم والرياضيات والتكنولوجيا في الجامعة، ومع ذلك يتعين عليهم عند التخرج العودة إلى أوطانهم ما لم يستطيعوا الحصول على فرصة تدريب عملي اختياري لمدة 12 شهرا. أما فيما يتعلق بالحصول على تأشيرة عمل "إتش - 1 بي" التي تمنح لغير المهاجرين وأصحاب المهارات المتخصصة، يواجه العاملون صعوبات كبيرة في الحصول على عقود عمل من دول أخرى كنتيجة الحد السنوي المنخفض للموافقة على تأشيرات "إتش - 1 بي".

والحد الأقصى لتأشيرات "إتش - 1 بي" لأولئك الذين يحملون درجة الماجيستير أو درجة أعلى هو 20 ألفا فقط في العام. ويؤدي تحرير سياسات الهجرة والقواعد بالنسبة إلى الأجانب المتعلمين وأصحاب المهارات العالية "مثلما تفعل كندا وأستراليا ونيوزيلندا" إلى فؤائد جمة تفوق كثيرا تكاليف الهجرة، وهي فوائد تعد ضرورية حقا لتعزيز القدرة التنافسية الأمريكية.

وهناك 55 % من الشركات الناشئة التي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات مؤسسها مهاجر، وعلاوة على ذلك أسس رواد أعمال مهاجرون وأبناؤهم أكثر من 25 %   من الشركات الهندسية والتكنولوجيا، بما في ذلك أبل وجوجل وأمازن وإي باي وياهو. ويتفق الديمقراطيون والجمهوريون على أن أمريكا تحتاج إلى سياسة صناعية تنافسية ومستدامة لتحدي الصين ومنافسين آخرين، "ولا يمكن أن ننجح في تحقيق ذلك الهدف بدون علاج الخلل في رأس المال البشري على كل المستويات".

واختتم هار تقريره بالقول "إن هذا سيتطلب جهدا منسقا بين قطاع الأعمال والعمال والقطاع الأكاديمي والحكومة والعالم غير الساعي إلى الربح، على نحو منفصل وجماعي، ليس فقط من أجل البقاء لكن للازدهار في البيئة العالمية التنافسية على نحو متزايد، التي ستؤدي فيها سياسة صناعية ذكية وصحيحة، ترسخها موهبة بشرية، دورا رئيسيا".

    



التعليقات