أبحاث


كتب فاطيمة طيبى
29 يونيو 2021 1:19 م
-
إندونيسيا : انتكاسة 2020 تعوق نموها الاقتصادي وطموح للمرتبة السابعة عالميا بحلول 2030

إندونيسيا : انتكاسة 2020 تعوق نموها الاقتصادي وطموح للمرتبة السابعة عالميا بحلول 2030

اعداد ـ فاطيمة طيبي

على الرغم من التذبذبات الاقتصادية في العقدين الماضيين، كانت البلاد تسير على خطى اقتصادية جيدة، حيث حققت 2018 معدلات نمو اقتصادي بلغت 5.17 %، أعلى مما حققته 2017.

ربما يظهر التأثير السلبي لوباء  كولرونا  على الاقتصاد الإندونيسي من تقديرات بعض الخبراء، التي تشير إلى أنه إذا تمكنت إندونيسيا من العودة سريعا إلى معدلات النمو السابقة لجائحة كورونا، فإنها قد تقفز من المرتبة الـ16 في الترتيب العالمي لأكبر الاقتصادات في العالم، الذي حظيت به 2019، إلى المرتبة السابعة عالميا بحلول 2030، لتتفوق بذلك على إيطاليا وكوريا الجنوبية وغيرها من البلدان، التي تعد في قمة ترتيب الهرم الاقتصادي الدولي.

في العقدين الماضيين شهد الاقتصاد الإندونيسي نجاحات يصعب إنكارها، لكنه عانى أيضا تذبذبا في الأداء، تجلى هذا بشكل واضح في معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي، فمن 5 % في أوائل العقدين الماضيين إلى 6.3 % في سنة  2007، قبل أن يعود إلى الانخفاض إلى 5 % في 2019.

والآن، فإن الاقتصاد ونتيجة جائحة كورونا تراجع 2.2 % في  2020، وعلى الرغم من تلك الانتكاسة فالتقارير الأولية تشير إلى أنه قد يعاود الانتعاش ويحقق نموا تتفاوت التقديرات بشأنه هذا العام، بسبب زيادة إنفاق المستهلكين والاستثمارات الحكومية في مجال البنية التحتية.

ـ أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا:

برايم بنشي الخبير الاستثماري والاستشاري في عدد من صناديق التحوط البريطانية يعد أن إندونيسيا تجربة اقتصادية واعدة على الرغم من الضغوط، التي تتعرض لها نتيجة تفشي وباء كورونا.

وحول المشهد الاقتصادي الإندونيسي يعلق   قائلا، "حتى قبل أن يجتاح الوباء العالم، كان الاقتصاد العالمي يتغير بسرعة، مدفوعا إلى حد كبير بالتقدم في التقنيات الرقمية، مثل الذكاء الاصطناعي والروبوتات وإنترنت الأشياء، وفي 2019 قدرت بعض الدراسات الدولية أنه بين 2014- 2023 ستوفر الأتمتة عددا أكبر من الوظائف في إندونيسيا أكثر مما يفقد، وكان السيناريو المتوقع أن يضيف هذا التقدم التكنولوجي نحو 23 مليون وظيفة إضافية للاقتصاد الإندونيسي".

الان يتطلب المشهد الراهن من الحكومة إعادة النظر في عديد من توجهاتها الاقتصادية، فلكي تحتل إندونيسيا المرتبة السابعة في الاقتصاد الدولي بنهاية هذا العقد، يجب أن تدفع النمو السنوي إلى نحو 7 %، بوتيرة أسرع من المستوى السابق للوباء، وهذا يتطلب التغلب على الثغرات، التي كشف عنها الوباء، إذ يجب أن يتم إعادة هيكلة الاقتصاد ليتمتع بمرونة أكبر ضد الصدمات الكبرى والصغرى، خاصة في إدارة نظم الرعاية الصحية والأمن الغذائي والسياحة المحلية وتطوير البنية التحتية.

تعد إندونيسيا أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا، وكانت تأمل في إحداث تحولات اقتصادية حادة بدءا من الربع الثاني من هذا العام، حيث تقوم بتقديم مزيد من برامج التحفيز لرفع الطلب المحلي الضعيف، مع توقع أولي أن يتوسع الناتج المحلي الإجمالي بين 6.9 و7.8 % خلال الربع الجاري، وتعد تلك وتيرة تتجاوز معدل النمو 2007، إلا أن محافظ البنك المركزي الإندونيسي حتى لا يغرق البلاد في تفاؤل زائف، أشارمنتصف يونيو 2021 إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للعام بأكمله سيراوح بين 4.1 و5.1

وعلى الرغم من أن النسبة لا تساعد إندونيسيا كثيرا على تحقيق طموحها بأن تكون سابع أكبر اقتصاد في العالم بحلول 2030، إلا أنها تظل أفضل بكثير من معدلات التراجع الاقتصادي التي منيت بها العام الماضي. باختصار ترمي إندونيسيا إلى أن يأخذ النمو خلال هذا العام شكل حرف V في اللغة الإنجليزية، حيث يصل الاقتصاد إلى القاع ويندفع سريعا للنمو، بدلا من حرف U حيث يبقى الأداء الاقتصادي ثابتا عند مستويات منخفضة قبل أن يواصل النمو.

ـ حرب مع الوباء و الديون :

تلك الرغبة تصطدم بالمعركة، التي تخوضها البلاد حاليا مع متغير دلتا من فيروس كورونا والذي تسبب في ارتفاع هائل في حالات الإصابة بالوباء أخيرا، حيث زادت الحالات الجديدة اليومية أكثر من ثلاثة أضعاف المعدلات السابقة، وزاد معها القلق الحكومي في الآونة الأخيرة لما يمثله تفشي الوباء من ضغط على الحكومة لتوفير ضمانات اجتماعية للفئات المتضررة، بما في ذلك حزم الطعام للطبقات الفقيرة والمهمشة، حيث يعيش 10 % من الإندونيسيين تحت خط الفقر.

من جهته، يقول الدكتور هنري براين أستاذ الاقتصاد الآسيوي في جامعة ليدز، "لم يترك لإندونيسيا سوى القليل من الخيارات السهلة لتعزيز نموها الاقتصادي، حيث يهدد انتشار الوباء تعافيها اقتصاديا في وقت تسعى لكبح جماح الديون، وتنامي المخاوف الدولية أن يقوم الفيدرالي الأمريكي بإنهاء ما يعرف بدعم عصر الوباء بعد نجاح جهود إدارة بايدن في خفض معدلات الإصابة بالفيروس، ما قد يدفع الولايات المتحدة لرفع أسعار الفائدة، فالحكومة الإندونيسية سعت لدفع قاطرة الإنعاش الاقتصادي بخفض أسعار الفائدة في 2020 ، بعد أن تعرضت ولأول مرة منذ عقدين إلى تراجع اقتصادي".

ويضيف "والخوف الآن أن يؤدي انتشار المتحور دلتا إلى وقف الإنفاق الاستهلاكي مجددا، ويدفع المستثمرون إلى إعادة التفكير مليا في جدوى الاستثمار في إندونيسيا، وهذا سيزعزع قيمة الروبية الإندونيسية الضعيفة بالفعل نتيجة تدفقات رأس المال القوية إلى الخارج". لهذا السبب، فإن خفض عجز الميزانية ربما أكثر ما يحظى باهتمام الحكومة الإندونيسية في الوقت الراهن، إذ يغرق الإنفاق الحكومي المتزايد لمواجهة الوباء، الجهود المبذولة لجعل عجز الميزانية أقل من 3 % من الناتج المحلي الإجمالي في غضون عامين، بينما نسبة العجز المتوقعة 5.7 %.

ـ التركيز على تطوير البنية التحتية:

  الباحث الاقتصادي جونثان سويفت يرى أن الاقتصاد الإندونيسي وعلى الرغم من التحديات، التي يواجهها، لا يزال لديه كثير من النقاط المضيئة. و يقول، "احتياطيات النقد الأجنبي في البلاد يمكن أن تساعد على التغلب على هروب رؤوس الأموال في الوقت الحالي، كما أنه لا يزال هناك ثقة دولية مرتفعة في الاقتصاد الإندونيسي، ويظهر ذلك في إعلان الإمارات عن استثمارات بقيمة عشرة مليارات دولار في صندوق الثروة السيادي الإندونيسي، حيث ستركز تلك الاستثمارات على القطاعات الاستراتيجية مثل البنية التحتية والطرق والموانئ والسياحة والزراعة".

ويضيف "لذلك قد يواجه الاقتصاد الإندونيسي ضغطا شديدا خلال هذا العام، بما في ذلك مخاطر هبوط حاد مع تفشي المتحور دلتا في البلاد، وقد أعلن البنك الدولي أخيرا أن إجمالي الناتج المحلي الإندونيسي قد يرتفع 2.1 %   فقط هذا العام، و3.1 % العام المقبل، وسيكون هذا- إن حدث- أسوأ سيناريو اقتصادي تواجهه إندونيسيا، مع هذا فإن الندوب الاقتصادية نتيجة تفشي الوباء ستكون متواضعة في الأجل المتوسط".

من هذا المنطلق تحديدا يعد التركيز على تطوير البنية التحتية أحد الأعمدة الرئيسة، التي يمكن أن تحدث تغيرات حقيقية في وتيرة نمو الاقتصاد الإندونيسي.

تشير بعض الدراسات الدولية إلى أنه بين 2020 و2030 سينمو الاستثمار في البنية التحتية بمتوسط 9 % سنويا، وسيصل الإجمالي الاستثماري إلى 330 مليار دولار، ويرجع ذلك إلى الطلب المتنامي نتيجة التوسع الحضري المستمر. وعلى الرغم من أن الاحتياجات تتركز في العاصمة جاكرتا وجزيرة جاوة، فإن إجمالي مشاريع البنية التحتية في المناطق الأخرى من البلاد قد بلغت 200 مليار دولار.

مع هذا ترى الدكتورة إليزابيث لويس أستاذة الاقتصاد الدولي في مدرسة لندن للاقتصاد، أن الاهتمام بمشاريع البنية التحتية قد يدفع الاقتصاد الإندونيسي للأمام، لكن دون التغلب على مشكلات الطاقة، التي تواجهها البلاد، فإن الشكوك ستحيط بقدرة الاقتصاد الإندونيسي على تحقيق التنمية المستدامة.

وتقول "كان قطاع الطاقة يكافح في إندونيسيا حتى قبل تفشي وباء كورونا، فقد انخفض إنتاج النفط والغاز الطبيعي إلى درجة أن إندونيسيا خرجت من عضوية منظمة "أوبك" وأصبح الاقتصاد الإندونيسي مستوردا صافيا للنفط، وقد يصبح قريبا مستوردا صافيا للغاز الطبيعي، وعلى إندونيسيا أن تتحول إلى موارد غير مستغلة مثل الطاقة المتجددة التي لا تزال مساهمتها في سد احتياجات البلاد من الطاقة هزيلة للغاية .. وركزت البلاد على بناء محطات الطاقة الأقل تكلفة، ونتيجة ذلك يتم تشغيل 60 % من مولدات تلك المحطات بالفحم، و22 % بالغاز الطبيعي".

وربما أدركت الحكومة الإندونيسية ذلك الخلل متأخرة بعض الوقت، فقبل الوباء أعلنت هدفا طموحا تمثل في إنتاج 23 % من احتياجات الكهرباء في البلاد من مصادر متجددة، إذ لم تكن تلك النسبة تزيد على 12 %، بينما تبلغ تلك النسبة في الفلبين على سبيل المثال 29 %.

وعززت الحكومة مسيرتها في ذلك الاتجاه عبر دعم السيارات الكهربائية، التي يتوقع أن تبلغ 2030 نحو 5.6 مليون مركبة كهربائية.

وتراهن جاكرتا في أن تحقيق ذلك يعني رسالة للمجتمع الدولي بالتزامها تجاه مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري، ما سيشجع على تدفق الاستثمارات الأجنبية. والأهم سيسهم بفاعلية في خفض فاتورتها من استهلاك الطاقة، بما يساعدها على معالجة الخلل في الميزانية العامة، وضخ ما يتم توفيره من أموال في قطاعات اقتصادية أخرى للمساعدة على تسريع وتيرة النمو الاقتصادي وتحقيق طموحها باحتلال المرتبة السابعة في الاقتصاد العالمي.

 

 

 


أخبار مرتبطة
 
24 أبريل 2024 3:33 متحالف صيني يرغب في إنشاء مدينة نسيجية متكاملة باستثمارات 300 مليون دولار23 أبريل 2024 3:14 موزير المالية: زيادة مخصصات الأجور إلى 575 مليار جنيه في العام المالي الحالي22 أبريل 2024 2:33 متوقعات صندوق النقد الدولي بارتفاع النمو العالمي في 2024 إلى 3.2%21 أبريل 2024 3:12 ملقاءات وزير المالية على هامش اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين بواشنطن17 أبريل 2024 9:43 صواشنطن: التحديات الدولية والإقليمية وتأثيرها على الأسواق الناشئة محاور مناقشة المشاط ومسئولي البنك الدولي15 أبريل 2024 2:34 ممفاعل الضبعة سيحل أزمة انقطاع الكهرباء بمصر وبدء إنتاج الطاقة بداية 202714 أبريل 2024 3:39 مبطاريات الطاقة الشمسية لتخزين الكهرباء7 أبريل 2024 1:23 مالدولة وضعت الحد الأقصى للاستثمارات العامة بتريليون جنيه لإفساح المجال للقطاع الخاص2 أبريل 2024 1:24 مالتيتانيوم .. السلاح الروسي الذي لا يعرفه احد31 مارس 2024 1:04 مأزمة أدوية تضرب العالم.. 26 دولة أوروبية أبلغت عن نقص في الأدوية في 2023

التعليقات