أبحاث


كتب فاطيمة طيبى
7 مايو 2021 2:21 م
-
صعوبة قدرة شركات التكنولوجيا الصينية على التوسع العالمي نتيجة القرارات التنظيمية والغرامات الباهظة

صعوبة قدرة شركات التكنولوجيا الصينية على التوسع العالمي نتيجة  القرارات التنظيمية والغرامات الباهظة

اعداد ـ فاطيمة طيبي

تحضى شركة علي بابا  بإشادة واضحة من الخبراء باعتبارها أحد رموز التفوق الصيني في مجال التجارة الإلكترونية، كما تتمتع بحظوة في الدوائر الرسمية باعتبارها المنافس الصيني لشركة أمازون الأمريكية. كما نجد ان هذه  الشركة الصينية للتجارة الإلكترونية تتمتع بشعبية هائلة في الصين على وجه الخصوص ، وفي عديد من الأقطار الأخرى ايضا ، كما تتمتع بثقل اقتصادي ضخم لا يمكن إنكاره، إذ حققت  في عام 2020 عائدات  وصلت الى  72 مليار دولار.

ـ جرس إنذار لجميع شركات التكنولوجيا:
كل هذا التقدير والمكانة لم يشفع لها عند الحكومة الصينية، فتاريخ الشركة التي تعد المؤسس الحقيقي لصناعة التكنولوجيا في الصين، وشعبيتها التي تتجلى في هيمنتها على السوق المحلية والتي يستخدمها أكثر من 800 مليون مستخدم في الصين وحدها، لم يمنع الحكومة الصينية من تغريمها مبلغ 2.8 مليار دولار أي نحو 4 % من الإيرادات المحلية للشركة وذلك في  2019، بتهمة إساءة استغلال وضعها في السوق الصينية لأعوام، بتقييد التجار من ممارسة الأعمال التجارية وإدارة العروض الترويجية على منصات منافسة.
تلك الخطوة جرس إنذار لجميع شركات التكنولوجيا الصينية بضرورة إعادة النظر في أوضاعها "الاحتكارية" في السوق الصينية، ولم تعول الحكومة على فهم المسؤولين في شركات التكنولوجيا الصينية الرسالة، إذ استدعت المسؤولين في 34 شركة رائدة في مجال التكنولوجيا في الصين لإبلاغهم رسالة واحدة "احذروا واجعلوا "علي بابا" درسا لكم".
شركة علي بابا لم تجادل كثيرا، إذ أسرعت شركة المدفوعات الرقمية "آنت جروب" التابعة لشركة علي بابا بالإعلان عن خطة لإعادة هيكلة جذرية ستتصرف بمقتضاها كبنك أكثر من كونها شركة مدفوعات رقمية.
ويقول   الدكتور روبرت هنري أستاذ الاقتصاد الآسيوي في جامعة مانشستر، "هناك قراءتان:

ـ  الأولى: أن الرئيس شي جين بينج يبعث برسالة إلى شركات التكنولوجيا بأن تحذر، وأنه مهما بلغ نموها فلن تخرج عن سيطرة الحزب الشيوعي، وأن الحزب وليس الشركات هو المهيمن على الحياة الاقتصادية الصينية.

ـ  القراءة الثانية: مبنية على أن السلطات الصينية تعمل على تحقيق مصلحة المستهلك، وتنظيم قطاع التكنولوجيا المترامي الأطراف، وأنها تسعى إلى تنظيم الصناعة، ومن ثم فإن ما يحدث علامة على نضج السوق الصينية".
تعلم السلطات الصينية أن شركات التكنولوجيا بمنزلة الأوزة التي تبيض لها ذهبا، ولن يكون في مصلحتها ذبحها، لكنها تعلم أيضا المخاطر الاقتصادية والسياسية الناجمة عن عدم كبح الطابع الاحتكاري لتلك الشركات، إذ سيعوق ذلك نمو الشركات الصغيرة، وفي الوقت ذاته سيتيح لـ"علي بابا" وغيرها من شركات التكنولوجيا الصينية الانفراد بتحديد الأسعار، ما يمثل استغلالا للمستهلكين.
من جهتها، ترى الدكتورة هولي جوردين أن ما حدث في الصين اتجاه عام عالمي، إذ يواجه عمالقة التكنولوجيا حواجز تنظيمية متزايدة أمام التوسع، لمنع التركيز المتزايد لقوة السوق من جانب تلك الشركات.
لكنها تعتقد أن طريقة تفاعل الشركات الصينية مع تلك الحواجز مقارنة بنظيرتها الأمريكية مثل "جوجل وفيسبوك وأمازون" يكشف عن اختلافات جوهرية بين الشركات الصينية والأمريكية.
وتقول : "إن الشركات الصينية تجبر على التكيف مع القرارات المتخذة خلف الأبواب المغلقة، وقدرتها على مواجهة القيود التنظيمية المفروضة من قبل الحكومة ضعيفة ومحدودة، ومن ثم لديها نفوذ قانوني أقل للضغط على الحكومة مقارنة بنظيرتها الأمريكية والأوروبية".
وتضيف "هذا لا يعني وضعا قانونيا أو سياسيا مختلفا بين شركات التكنولوجيا الصينية والأمريكية فقط، لكنه يمتد إلى القدرة الابتكارية لدى الطرفين، فالجانب الصيني يكون غالبا محكوما بالرؤية المركزية للدولة للتطور الاقتصادي، على العكس تماما الشركات الأمريكية والأوروبية محكومة بقوى السوق".
بطبيعة الحال يعتقد كثير من الخبراء أن القرارات الصينية التنظيمية ضد شركات التكنولوجيا الوطنية - أيا كانت دوافعها- قد يترك بصمة سلبية على قدرة الصين في الصعود كقوة تقنية عالمية عظمى، وسيحصر الشركات الصينية في الإطار المحلي ويعوق جهودها في التوسع عالميا، لتجد الصين نفسها عالقة في فقاعة محلية وغير قادرة على المنافسة دوليا بشكل متزايد.

ـ طريقة لعقاب الشركات التكنولوجية  في الصين:
في هذا الإطار يحذر المهندس وليم هاوسن الخبير في مجال الأنظمة التكنولوجية قائلا، "الطريقة التي تعاقب بها الصين الشركات التكنولوجية الضخمة لديها تتمثل في فرض غرامات مالية باهظة عليها، ما يضعف قدرتها الاستثمارية على النطاق الدولي، وإذا تم إقصاء الشركات الصينية عن الأسواق الخارجية الرئيسة، فقد تتعثر الصين كقوة تكنولوجية أولى وتتحول إلى قوة تكنولوجية من الدرجة الثانية، ولن تكون قادرة على وضع معايير لبقية العالم، وتصبح منتجاتها التكنولوجية محلية بحيث لا يمكن أو يصعب استخدامها في أي مكان آخر خارج الصين".
ويضيف "وتصبح بذلك جزيرة تكنولوجية معزولة، يستخدم سكانها أنظمة تكنولوجية خاصة بهم، لا يستخدمها معظم المستهلكين في العالم، وتصبح صناعة التكنولوجيا الصينية بذلك جزءا لا يتجزأ من السوق المحلية ومنفصلة عن الاتجاهات الخارجية، وتصبح ببساطة غير قادرة على المنافسة".
ويشير البعض إلى أن هدف الحكومة الصينية المتمثل في تحقيق الاكتفاء الذاتي في التكنولوجيا لن يؤدي إلا إلى زيادة الضغط على الشركات الوطنية لشراء المنتجات المحلية، حتى إن كانت المنتجات الأجنبية أكثر تطورا.
ومن هنا يتخوف الخبراء من أن يؤدي إفراط الحكومة الصينية في معاقبة شركات التكنولوجيا الوطنية إلى ابتعادها عن الأسواق الخارجية، ما سيرفع من تكاليف البحث والتطوير التي تتحملها والتي بطبيعتها مرهقة لميزانية معظم الشركات، ويتم التخفيف النسبي من ضخامتها وإرهاقها للميزانيات العمومية لشركات التكنولوجيا عن طريق التوسع في الأسواق الخارجية، وما تحققه من أرباح مقارنة بالسوق المحلية.
ومن ثم ستكون المحصلة النهائية لفرض غرامات مالية على شركة التكنولوجيا الصينية ارتفاعا في سعر المنتج المقدم للمستهلك المحلي، وتراجع جودته مقارنة بنظيره العالمي، وبالتالي خروج الشركات الصينية من المنافسة مع نظيرتها الأمريكية والأوروبية.
يشار إلى أن قطاع التكنولوجيا بات ركيزة أساسية وأحد أحجار الزاوية الرئيسة في المنظومة الاقتصادية الدولية، خاصة في الدول المتقدمة أو الدول والاقتصادات الناشئة الساعية إلى حجز مكان مرموق في اقتصاد المستقبل.  


ـ عملاق الاقتصاد قبل 2020 :
 في الواقع فإن قطاع التكنولوجيا وشركاته كان بالفعل عملاقا اقتصاديا قبل عام 2020، حيث ضم هذا القطاع الاستراتيجي شركة أبل التي تجاوزت قيمتها تريليون دولار عام 2018، لكن ما إن حل شهر  يناير  من 2020 إلا وكانت بعض شركات التكنولوجيا مثل شركة ألفابت الشركة القابضة لموقع البحث الشهير جوجل تنضم إلى نادي شركات التكنولوجيا التريليونية، بينما بلغت "أبل" في شهر  أغسطس  2020  تريليوني دولار.
ومع تفشي وباء كورونا على المستوى العالمي، زادت أهمية قطاع التكنولوجيا بشكل هائل، نتيجة تسريع الاعتماد على التكنولوجيا سواء في العمل أو المنزل،  كانت النتيجة أن تلقت شركات التكنولوجيا العام الماضي دفعة كبيرة، بحيث بات عام 2020 أحد الأعوام الفارقة في مسيرتها حتى الآن.
من المتوقع أن تستمر تلك الآثار الإيجابية في شركات التكنولوجيا هذا العام وما بعده أيضا، فالجائحة رغم اللقاحات التي أنتجت لا تزال تفعل أفاعيلها في الحياة البشرية، والوباء لا يزال يواصل حصد أرواح البشر في كثير من الدول، وعلى الرغم من أن التخلي عن سياسات الإغلاق وعودة الحياة إلى طبيعتها تدريجيا، ربما يدفع إلى تقليص نسبي في الاعتماد المفرط على التكنولوجيا، وربما نشهد أيضا - عندما تعود الحياة إلى سابق عهدها- انخفاضا نسبيا في استخدام بعض الخدمات التكنولوجية، مثل عقد الاجتماعات عبر تقنية زووم، إلا أن استخدام التكنولوجيا بصورة أكثر كثافة عما كان عليه الوضع قبل ظهور فيروس كورونا اتجاه عام لا يمكن إنكاره.
والمستفيد الأكبر من تلك التطورات هو شركات التكنولوجيا حيث يمكنها تقديم خدمات واسعة لأداء الأعمال، وإذا أخذ في الحسبان ضخامة العقود التي تقدمها الحكومات والقطاع العام في مجالات كالتعليم، الصحة، والخدمات العامة وطبيعة العقود فيها التي تمتد إلى أعوام، فإن شركات التكنولوجيا قد بات لديها الآن إمكانية نادرة وقوية للغاية للنمو في الأعوام المقبلة، نتيجة دمج القطاع العام في الاقتصاد الرقمي.

 

 

 


أخبار مرتبطة
 
24 أبريل 2024 3:33 متحالف صيني يرغب في إنشاء مدينة نسيجية متكاملة باستثمارات 300 مليون دولار23 أبريل 2024 3:14 موزير المالية: زيادة مخصصات الأجور إلى 575 مليار جنيه في العام المالي الحالي22 أبريل 2024 2:33 متوقعات صندوق النقد الدولي بارتفاع النمو العالمي في 2024 إلى 3.2%21 أبريل 2024 3:12 ملقاءات وزير المالية على هامش اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين بواشنطن17 أبريل 2024 9:43 صواشنطن: التحديات الدولية والإقليمية وتأثيرها على الأسواق الناشئة محاور مناقشة المشاط ومسئولي البنك الدولي15 أبريل 2024 2:34 ممفاعل الضبعة سيحل أزمة انقطاع الكهرباء بمصر وبدء إنتاج الطاقة بداية 202714 أبريل 2024 3:39 مبطاريات الطاقة الشمسية لتخزين الكهرباء7 أبريل 2024 1:23 مالدولة وضعت الحد الأقصى للاستثمارات العامة بتريليون جنيه لإفساح المجال للقطاع الخاص2 أبريل 2024 1:24 مالتيتانيوم .. السلاح الروسي الذي لا يعرفه احد31 مارس 2024 1:04 مأزمة أدوية تضرب العالم.. 26 دولة أوروبية أبلغت عن نقص في الأدوية في 2023

التعليقات