أبحاث


كتب فاطيمة طيبى
5 ديسمبر 2021 1:31 م
-
"أبينوميكس" السياسة الاقتصادية اليابانية الراهنة هل تساعد على تخفيف خطر الديون رغم حزم التحفيز المليارية

"أبينوميكس" السياسة الاقتصادية اليابانية الراهنة هل تساعد على تخفيف خطر الديون رغم حزم التحفيز المليارية

اعداد ـ فاطيمة طيبي

في وقت يتزايد فيه الحديث العالمي عن مخاطر التضخم المتنامي، وضرورة خفض إجراءات التيسير الكمي التي تتبناها البنوك المركزية والحكومات للسيطرة على معدلات التضخم، أعلن فوميو كيشيدا رئيس الوزراء حزمة قياسية جديدة من التحفيز المالي بقيمة 314 مليار دولار للعام المالي 2021، بحيث سيتم توزيع 872 دولارا للأسر  التي لديها أطفال اقل من 18 عاما.

ـ حزم التحفيز اليابانية:

كما انه على غرار الولايات المتحدة الأمريكية سارت اليابان، حيث قدمت حزما من الإنفاق المالي لتحفيز الاقتصاد في مواجهة التداعيات الاقتصادية السلبية لوباء كورونا. حزم التحفيز اليابانية لم تكن بسيطة أو هينة، إذ بلغت 17% من الناتج المحلي الإجمالي لثالث أكبر اقتصاد في العالم.

قد يبدو الأمر للوهلة الأولى إيجابيا، ويسهم في مساعدة الأسر اليابانية في الأوقات الاقتصادية الصعبة. وربما يقارن البعض بين الحزمة اليابانية الأخيرة، وقيام الإدارة الأمريكية بتقديم حزمة مساعدات تقارب تريليوني دولار. مع هذا فإن أصوات الخبراء تصاعدت محذرة من التداعيات السلبية لحزمة التحفيز المالي اليابانية، باعتبارها تسعى لكسب أصوات الناخبين أكثر منها وسيلة حقيقية لإخراج اليابان من عثرتها الاقتصادية.

فالحزم المالية التي وزعتها الحكومات اليابانية السابقة على أمل أن تسهم في إنعاش الاقتصاد الوطني عن طريق زيادة الاستهلاك العام ورفع معدلات التضخم المحلي ومن ثم تحفيز رجال الأعمال على مزيد من الاستثمار لم تحقق مرادها ومبتغاها، إذ لم ينفق اليابانيون تلك الأموال، وفضلوا الاحتفاظ بها في مدخراتهم في البنوك والمؤسسات المالية، والمؤشرات المتاحة تشير إلى أن النتيجة لن تختلف كثيرا هذه المرة.

ـ ديون اليابان وتحديات اقتصادية صعبة:

الأمر في الحقيقة لا يقف عند هذا الحد، فحزم التحفيز تلك التي تبلغ مليارات من الدولارات والتريليونات من الينات اليابانية، ترتبط بشكل كبير بقضية تعد شديدة الخطورة ولها كثير من الأبعاد الاقتصادية السلبية على الأمد الطويل، القضية باختصار تتعلق بديون اليابان التي بلغت هذا العام 13.11 تريليون دولار، لتحتل البلاد بذلك المركز الأول عالميا من حيث المديونية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، إذ بلغ الدين 266 % من ناتجها المحلي الإجمالي.

لكن إذا كانت حزم التحفيز خذلت الاقتصاد الياباني في السابق، وتزيد من حدة المديونية، فما الذي يجب فعله لإنعاش الاقتصاد الوطني.. وما الذي يفرق بينها وبين نظيرتها الأمريكية؟

وفقا للدكتور توم أدم أستاذ الاقتصاد الدولي في جامعة كامبريدج، فإن حزم التحفيز اليابانية ليست حزما جيدة التصميم ولا تلائم المتطلبات الاقتصادية الحقيقية. وبينما تنصب حزم التحفيز الاقتصادي الأمريكية على تطوير البنية التحتية مع دعم القطاع الاستهلاكي بطبيعة الحال، فإن الحزم التحفيزية اليابانية تركز على دعم المستهلكين ولا تمنح القدر ذاته من الاهتمام للبنية التحتية، ومن ثم تعتبر ذات طبيعة مؤقتة، وليست طويلة الأمد مثل نظيرتها الأمريكية.

ويقول: "إن حزم المساعدات اليابانية غير مواتية، لأنها تعطي الأولوية لتسريع الانتعاش الاقتصادي عبر التحفيز المالي المؤقت، بينما يجب أن تركز على إيجاد وسائل لزيادة النمو طويل الأجل للاقتصاد الوطني، من خلال الاستثمار الذي يستهدف قطاعات مثل الصحة العامة وسوق العمل. كما ان المثير في الأمر أن تلك الحزم المالية لم تحظ بشعبية بين المواطنين، حيث تظهر استطلاعات الرأي العام أن الأغلبية تشكك في جدواها".

ـ جدل حول توقيت حزم المساعدات:

توقيت حزم المساعدات يبدو للبعض أيضا محل جدل في أفضل تقدير، فاليابان هي الأبطأ بين الدول المتقدمة في التعافي الاقتصادي بعد وباء كورونا، وبينما تجاوز الاقتصاد الأمريكي والصيني بالفعل حجمهما قبل الوباء، فإن البيانات اليابانية الرسمية تكشف أن الناتج المحلي الإجمالي لا يزال اصغر مما كان عليه في الربع الأخير من 2019 قبل انتشار الوباء في العالم.

كما أن أزمة سلاسل التوريد العالمية، أدت إلى أن يشهد الربع الثالث من العام الجاري 2021  تقلص الاقتصاد الياباني 0.8 % مقارنة بتوسع 0.4 في الربع السابق، حيث انكمش الاقتصاد الياباني 3 % على أساس سنوي، وإن كان يتوقع له أن ينمو في الربع الأخير من العام 2021 حتى بدون حزم التحفيز، ومن ثم فإن تلك الاستراتيجية الاقتصادية لم تؤد في واقع الأمر إلا إلى زيادة الدين العام الياباني.

كما أنه نتيجة التدابير والإجراءات الإدارية، فإن الإعانات المالية لن تصل إلى الأسر اليابانية إلا بحلول الربع الأول من 2022، ما سيضعف تأثيرها الاقتصادي ويؤخره، تلك الانتقادات تدفع بالبعض إلى الدعوة لضرورة النظر في ركائز السياسة الاقتصادية اليابانية الراهنة التي تعرف بـ"أبينوميكس" التي وضعت أسسها إدارة شينزو آبي رئيس الوزراء السابق، التي تولت السلطة بين 2012 - 2020، فعلى الرغم من مرور أعوام من التطبيق فإن اليابان لا تزال تواجه تحديات اقتصادية صعبة أبرزها الركود الاقتصادي والانكماش النقدي.

ـ انعكاس الضريبة على سلوك القاعدة العريضة من المستهلكين:

في هذا السياق، يرى وارثينجتون مارتن الباحث الاقتصادي أن وضع الاقتصاد الياباني يراوح بين الانكماش والنمو الاقتصادي المنخفض، منذ انفجار فقاعتها الاقتصادية في أوائل التسعينيات، وأن المزج بين سياسة نقدية صارمة وسياسة مالية مرنة كاستراتيجية لإنعاش النمو الاقتصادي، لم تحقق الانتعاش المأمول خاصة في فترة تفشي وباء كورونا، الذي أثر في التصنيع، وتسبب في تراجع السياحة والصادرات، خاصة مع تراجع الطلب الصيني وانخفاض الإنفاق الاستهلاكي.

و يضيف قائلا "إن العبء الهائل للدين العام دفع الحكومة اليابانية إلى زيادة ضريبة المبيعات من 8 % إلى 10 %، وبالطبع انعكس هذا على سلوك القاعدة العريضة من المستهلكين الذين عملوا على خفض الإنفاق، وللتغلب على هذا الوضع أدخلت الحكومة تدابير تشمل حسومات على مشتريات محددة عند الشراء باستخدام المدفوعات الإلكترونية، وبلغت نسبة الخصم 5 % ".

ويضيف "أيضا هناك مشكلة الصادرات، فالمصنعون اليابانيون يتخلفون عن الركب مقارنة بنظرائهم في الدول المتقدمة، لأنهم يعتمدون على الأسواق الخارجية أكثر من الأسواق المحلية، واليابان تعاني انخفاضا في الطلب العالمي على صادراتها خاصة المعدات الإلكترونية وقطع غيار السيارات، وكثيرا من علاماتها التجارية الرئيسة مثل "تويوتا" و"هوندا" تعاني تراجع المبيعات".

من هذا المنطلق فإن التوقعات الراهنة سلبية بشأن وضع الاقتصاد الياباني في الأجل القصير، وحتى على المدى الطويل فإن هناك حاجة ماسة إلى معالجة قضايا ترتبط بمشكلات هيكلية مثل ضعف نمو الإنتاجية.

ـ قضية الديون:

بالطبع قضية الديون التي يمكن أن يؤدي التراخي في التصدي لها إلى انفجارها وعرقلة الاقتصاد الياباني، كما أن قضية الشيخوخة السكانية تترك تدريجيا بصمات تحد من نمو الاقتصاد الياباني، بحيث تتعالى أصوات الاقتصاديين بأن صانعي القرار السياسي يجب أن ينظروا إلى طرق فعالة لرفع النمو الاقتصادي طويل الأجل، من خلال فتح الأبواب أمام مزيد من الهجرة، إذ لا يزال عدد المهاجرين إلى اليابان أقل بكثير من الولايات المتحدة، حيث لم تستضف اليابان منذ أواخر العام الماضي حتى الآن سوى 1.72 مليون عامل أجنبي من إجمالي عدد السكان البالغ نحو 126 مليون نسمة.

 


أخبار مرتبطة
 
24 أبريل 2024 3:33 متحالف صيني يرغب في إنشاء مدينة نسيجية متكاملة باستثمارات 300 مليون دولار23 أبريل 2024 3:14 موزير المالية: زيادة مخصصات الأجور إلى 575 مليار جنيه في العام المالي الحالي22 أبريل 2024 2:33 متوقعات صندوق النقد الدولي بارتفاع النمو العالمي في 2024 إلى 3.2%21 أبريل 2024 3:12 ملقاءات وزير المالية على هامش اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين بواشنطن17 أبريل 2024 9:43 صواشنطن: التحديات الدولية والإقليمية وتأثيرها على الأسواق الناشئة محاور مناقشة المشاط ومسئولي البنك الدولي15 أبريل 2024 2:34 ممفاعل الضبعة سيحل أزمة انقطاع الكهرباء بمصر وبدء إنتاج الطاقة بداية 202714 أبريل 2024 3:39 مبطاريات الطاقة الشمسية لتخزين الكهرباء7 أبريل 2024 1:23 مالدولة وضعت الحد الأقصى للاستثمارات العامة بتريليون جنيه لإفساح المجال للقطاع الخاص2 أبريل 2024 1:24 مالتيتانيوم .. السلاح الروسي الذي لا يعرفه احد31 مارس 2024 1:04 مأزمة أدوية تضرب العالم.. 26 دولة أوروبية أبلغت عن نقص في الأدوية في 2023

التعليقات