أبحاث


كتب فاطيمة طيبى
30 أغسطس 2022 2:24 م
-
الضغوط الاقتصادية العالمية ترجمت بارتفاع معدلات التضخم وزيادة عدم اليقين وتدني معيشة مليارات البشر

الضغوط الاقتصادية العالمية ترجمت بارتفاع معدلات التضخم وزيادة عدم اليقين وتدني معيشة مليارات البشر

اعداد ـ فاطيمة طيبي

في احصائية اخيرة قدمتها الأمم المتحدة  اوضحت من خلالها انه يتعرض ما يقدر بنحو 1.6 مليار شخص في 94 دولة إلى واحد على الأقل من أبعاد أزمة المعيشة الراهنة، من مشكلات في توفير الغذاء، وارتفاع أسعار الطاقة، ونقص في التمويل.ويعيش نحو 1.2 مليار منهم في دول وصفت بأنها تتعرض لـ"عاصفة كاملة".

ليأتي ما وصفه أنطونيو جوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة "موجة غير مسبوقة من الجوع والحاجة في العالم"، إذ يواجه الناس على مستوى العالم أزمة شاملة من ارتفاع تكاليف المعيشة بصورة لم نشهدها منذ أجيال، مع صدمات متواصلة نتيجة ارتفاع أسعار الغذاء العالمي والطاقة والأسمدة والعالم لا يزال يصارع تبعات جائحة كورونا.

أعلنت منظمة التجارة العالمية في توقعاتها التجارية 2022 - 2023 عن سوداوية  آفاق الاقتصاد العالمي منذ اندلاع الحرب في 24 فبراير الماضي 2022، إذ خفض الاقتصاديون توقعاتهم لنمو حجم تجارة البضائع لهذا العام من 4.7 % إلى 3 % .

يرى البروفسير إل. سي. ديمون أستاذ الاقتصاد الدولي والاستشاري في الأمم المتحدة أن الحرب وضعت ضغوطا غير مسبوقة على الاقتصاد العالمي، الذي لم يكن قد تعافى تماما من جائحة كورونا، حيث إن تلك الضغوط ترجمت في شكل ارتفاع شديد في معدلات التضخم وزيادة حادة في عدم اليقين الاقتصادي وتآكل مستوى معيشة مليارات من البشر.

ويقول "إنه وفقا لتحليل الفيدرالي الأمريكي إن الحرب أدت إلى تراجع مستوى الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنحو 1.5 % وارتفاع التضخم العالمي بنحو 1.3 نقطة مئوية، ولن تنجو أي منطقة في العالم من ارتفاع أسعار السلع الأساسية، مع اضطرابات كبيرة في الإمدادات".

ويضيف "الاقتصادات الأوروبية من بين أكثر الاقتصادات عرضة للخطر، حيث ستكلفها الحرب ما لا يقل عن أربع نقاط تراجع  في الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي نمو الناتج المحلي الإجمالي في الاتحاد الأوروبي سيقارب الصفر هذا العام إن لم يكن سلبيا، أما الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وعددها 39 دولة فإن معدل التضخم سيصل فيها  إلى 9 % مع تباطؤ في النمو ليصل إلى 2.8 %".

من جانبها، قالت فيكتوريا جاكسون من منظمة أوكسفام الخيرية، "إن الدول الواقعة في إفريقيا جنوب الصحراء لا تزال معرضة بشكل كبير للخطر، حيث يتعرض واحد من كل اثنين من الأفارقة في المنطقة لجميع الأبعاد الثلاثة للأزمة". وأشارت إلى أن منطقة أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي ثاني أكبر مجموعة تواجه أزمة تكلفة المعيشة مع ما يقرب من 20 دولة متأثرة، ويمكن أن يهدد الفقر المدقع حياة وسبل العيش لنحو ثلاثة ملايين شخص في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وفي جنوب آسيا يرجح أن يتعرض 500 مليون شخص بشدة لأزمة الغذاء والتمويل.

هذا الوضع بتأثيره السلبي في مستويات المعيشة وخفض الإنفاق الاستهلاكي في جميع أنحاء العالم، جعل الأعمال التجارية أقل تفاؤلا بشأن الإنتاج المستقبلي، ومن ثم تراجع الاستثمارات، ما يهدد بأضرار لأعوام مقبلة خاصة المتعلقة بالعرض، حتى تضع الحرب أوزارها. ويرى عدد من الخبراء أن أخطر ما نجم عن الحرب الروسية - الأوكرانية، أنها أوجدت أزمة اقتصادية تدور في حلقة مفرغة، لا يمكن إصلاح أي بعد من أبعاد الأزمة بمعزل عن الأبعاد الأخرى، ما يجعل عملية الإصلاح أو الخروج من الأزمة الاقتصادية أكثر تعقيدا.

فمعالجة جانب واحد من جوانبها لا يعني الخلاص من الأزمة الاقتصادية، فمع تراجع دخول الأسر، تضطر العائلات إلى اتخاذ قرار بشأن كيفية تخصيص الموارد المالية المتراجعة، من هنا تبدأ حلقة مفرغة جديدة تتعلق بدورة من الاضطرابات الاجتماعية التي توجد حالة من عدم الاستقرار السياسي نتيجة ضعف قدرة الدول والأسر على التعامل مع الأزمات الأخرى.

ـ تقلص الدخل:

بدورها،" ريبيكا كريس الباحثة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أن "التقديرات الحالية تشير إلى أن نحو 60 % من القوى العاملة في العالم لديها دخل أقل مما كانت عليه قبل الوباء، ويعاني أكثر من نصف أفقر دول العالم ضائقة ديون أو معرضة بشدة لخطرها".

ونوهت بأن زيادة الجوع منذ بداية الحرب يمكن أن تكون أكثر انتشارا، خاصة أن تقديرات برنامج الأغذية العالمي تشير إلى أن عدد الأشخاص الذين يعانون انعدام الأمن الغذائي الحاد قد تضاعف من 135 مليون شخص قبل جائحة كورونا إلى 276 مليونا خلال عامين من الجائحة، وهذا العدد يتوقع أن يرتفع نتيجة الآثار المتتالية للحرب في أوكرانيا إلى 323 مليون شخص هذا العام. وارتفاع معدلات التضخم، أدى إلى لجوء البنوك المركزية إلى اتباع أسلوب أكثر تشددا فيما يتعلق بأسعار الفائدة في محاولة لاحتواء موجات التضخم التي تضرب الاقتصاد الدولي، لكن بعض الخبراء يرون أن سياسة التشدد النقدي قد تنجم عنها حالة من عدم الاستقرار المالي، إذ يمكن أن تؤثر في جميع جوانب النشاط الاقتصادي وظروف التمويل.

ـ رفع الفائدة :

من ناحيته، أكد ريتشارد ويلش الخبير المصرفي، أن رفع أسعار الفائدة يمكن أن يسهم إلى حد كبير في خفض معدلات التضخم، لكن أيضا سيضعف الجاذبية المتعلقة بالاقتراض من أجل التوسع الرأسمالي، ما يعني تأثيرا سلبيا في المعروض من السلع والخدمات، إضافة إلى عدم التوسع في سوق العمل بما يلائم الزيادة في أعداد الأيدي العاملة.

وتابع "التشدد المالي يؤثر بشكل ملحوظ في أسعار الأسهم، وهذا ما حدث بالفعل على المستوى الدولي حيث تأثرت البورصات بسبب عدم اليقين الاقتصادي، ونظرا إلى الدور المركزي لأسواق الأسهم في النظام الاقتصادي الغربي، فإن الوضع بات أكثر تعقيدا أمام البنوك المركزية إذ عليها البحث دائما عن نقطة التوازن في أسعار الفائدة لدفع معدلات التضخم إلى التراجع دون التأثير في الأسواق الاستثمارية، وهذا التوازن يصعب تحقيقه أو بلوغه في كثير من الأحيان".

ـ سلاح النفط والغاز الطبيعي:

تمثل روسيا أكثر من 10 % من إنتاج النفط والغاز الطبيعي العالمي، ما يجعل للحرب الروسية على أوكرانيا والعقوبات الغربية التي فرضت على روسيا التي تضمنت مساعي جادة لتفكيك روابط أمن الطاقة بين روسيا وأوروبا التي تتجاوز نصف قرن حاليا، تأثيرات ضخمة للغاية في أسواق الطاقة العالمية، بل امتدت إلى انعكاسات سلبية للغاية على مجموعة من الصناعات الأوروبية الاستراتيجية خاصة في ألمانيا. وبينما يرى بعض الخبراء أنه أيا كان المؤشر الذي يستخدم، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يفوز في أسواق الطاقة، ويكسب يوميا مئات الملايين من الدولارات لتمويل الحرب، بينما تواجه أوروبا والدول الفقيرة خيارات صعبة تتمثل في ارتفاع أسعار الطاقة وتنتهي بالتأثير السلبي في قدرة أوروبا الصناعية.

بدوره، ذكر كيلفورد جليتشرست الخبير في مجال الطاقة، أنه "بدءا من أكتوبر 2022 سترتفع أسعار الطاقة في المملكة المتحدة 80 %، وبعض الخبراء يتوقعون أن يكون على البريطانيين المفاضلة في هذا الشتاء بين التدفئة والطعام، وعندما نتحدث عن بريطانيا فإننا نتحدث عن واحدة من أقل الدول الأوروبية الكبرى اعتمادا على الطاقة الروسية، فكيف ستكون الحال في ألمانيا التي تعتمد بشكل كبير على روسيا لإمدادها بالجزء الأكبر من احتياجاتها من الطاقة".

وأضاف "الحرب الروسية كشفت عن حاجة أوروبا إلى تنويع إمدادات الطاقة لتحقيق أمنها في هذا المجال، فالاعتماد المفرط على خطوط أنابيب الغاز الطبيعي الروسية مشكلة، فالاتحاد الأوروبي يلبي نحو 10 % من طلبه على الغاز الطبيعي محليا والباقي مستورد، ومن ثم فهو أكبر مستورد للغاز الطبيعي في العالم، ويأتي الغاز الطبيعي المستورد إلى الاتحاد الأوروبي بشكل أساسي من روسيا بنسبة 41 % والنرويج 24 % والجزائر 11 % .

وبالفعل فقد كشف تقرير صدر قبل أيام من معهد بحوث التوظيف أن الاقتصاد الألماني سيخسر أكثر من 265 مليار دولار من القيمة المضافة بحلول 2030 بسبب الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار الطاقة، وتأثيرها السلبي في سوق العمل، كما سينخفض الناتج المحلي الإجمالي لألمانيا 1.7 % للعام2023، وسيقل عدد الوظائف بنحو 240 ألف شخص.

ـ المانيا الاكثر تضررا :

من جانبها، تقول كاثرين ديفيد الباحثة في مجال الاقتصاد الأوروبي "القطاعات الكثيفة للطاقة في ألمانيا مثل الصناعات الكيمائية والمعادن ستتضرر بشدة من التطورات السلبية في أسواق الطاقة، إذ تضاعفت أسعار الطاقة وارتفعت 160 % والعام المقبل 2023  سيكون الاقتصاد الألماني أقل بنسبة 4 % مما كان يمكن أن يكون عليه بدون الحرب".

وتعتقد كاثرين ديفيد أن الحرب الروسية - الأوكرانية وأزمة الطاقة الناجمة عنها ستؤديان إلى حدوث انكماش عميق في ألمانيا في الربع الأخير من هذا العام والربع الأول من العام المقبل 2023.

مع هذا ، إذ تلقت أسعار الذهب دعما من الطلب القوي على المعدن النفيس باعتباره ملاذا آمنا. وعلى الرغم من أن أسعار المعدن الأصفر ستظل متقلبة إلا أنه من المتوقع أن تواصل الارتفاع مع استمرار الحرب، كما سيستفيد منتجو السلع الأساسية في أستراليا وكندا وأمريكا اللاتينية وجنوب إفريقيا من ارتفاع هذه السلع وخسارة المعروض الروسي في الأسواق العالمية. وبينما ستستفيد دول الشرق الأوسط المنتجة للنفط والغاز من ارتفاع الأسعار، فإن عديدا من الدول الآسيوية والإفريقية ستحقق أرباحا من ارتفاع أسعار عدد من السلع الأساسية.

 

 


أخبار مرتبطة
 
24 أبريل 2024 3:33 متحالف صيني يرغب في إنشاء مدينة نسيجية متكاملة باستثمارات 300 مليون دولار23 أبريل 2024 3:14 موزير المالية: زيادة مخصصات الأجور إلى 575 مليار جنيه في العام المالي الحالي22 أبريل 2024 2:33 متوقعات صندوق النقد الدولي بارتفاع النمو العالمي في 2024 إلى 3.2%21 أبريل 2024 3:12 ملقاءات وزير المالية على هامش اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين بواشنطن17 أبريل 2024 9:43 صواشنطن: التحديات الدولية والإقليمية وتأثيرها على الأسواق الناشئة محاور مناقشة المشاط ومسئولي البنك الدولي15 أبريل 2024 2:34 ممفاعل الضبعة سيحل أزمة انقطاع الكهرباء بمصر وبدء إنتاج الطاقة بداية 202714 أبريل 2024 3:39 مبطاريات الطاقة الشمسية لتخزين الكهرباء7 أبريل 2024 1:23 مالدولة وضعت الحد الأقصى للاستثمارات العامة بتريليون جنيه لإفساح المجال للقطاع الخاص2 أبريل 2024 1:24 مالتيتانيوم .. السلاح الروسي الذي لا يعرفه احد31 مارس 2024 1:04 مأزمة أدوية تضرب العالم.. 26 دولة أوروبية أبلغت عن نقص في الأدوية في 2023

التعليقات