أبحاث


كتب فاطيمة طيبى
28 ديسمبر 2022 1:38 م
-
رفع أسعار الفائدة قد يعزز التضخم أحيانا

رفع أسعار الفائدة قد يعزز التضخم أحيانا

اعداد ـ فاطيمة طيبي

كثيرا من الاشارات تفسران معدلات التضخم  المرتفعة لتي عان منها الاقتصاد الدولي في 2022، لا يمكن ان تستمر للسنة المقبلة  الا انه  لا تزال هناك  بعضا من المخاوف  لدى الخبراء لضبابية الوصول الى نتائج يقينية مستقبلية ،غير انه ومن المؤكد الوصول الى التضخم سيكون مصدرا للقلق لكثير من الدول المتقدمة منها  أو النامية أو بما يطلق عليها اسم الأسواق الناشئة.

ويبدو الفكر السائد لدى المسؤولين في البنوك المركزية الكبرى أن هناك احتمالية استمرار هذا الوضع لسنوات قادمة .فالدول الغنية التي عرفت شكلا عال في معدلات التضخم لم تعرفها منذ أربعة عقود لم تستطع تحمل استمرارية هذا الوضع، فما بالك بالدول الفقيرة والاقتصادات الناشئة.

ـ ارتفاع الفائدة:

أسعار الفائدة، التي ترتفع باستمرار والتي حذر منها مرارا محافظو البنوك المركزية من الارجح انها ستستمر في الارتفاع في العام المقبل. 2023 رغم ما ينشرونه من توقعات في ان وتيرة الارتفاع القادم في أسعار الفائدة ستكون أقل.

لذلك ارتفاع أسعار الفائدة سيؤدي حتما إلى جذب أموال المستهلكين وإيداعها كمدخرات في البنوك، وبذلك يتم سحب السيولة من الأسواق بدرجة ما، لينخفض الطلب على السلع والخدمات، وتتراجع أسعارها.

يبدو الأمر منطقيا جدا، و السؤال إذا كان الأمر بهذا المنطق والسلاسة فكيف ان البنوك المركزية حول العالم رفعت أسعار الفائدة في 2022 مرات عديدة - البنك المركزي الأمريكي رفع نسبة أسعار الفائدة سبع مرات - مع هذا لم يتراجع التضخم بنسبة توازي نسبة ارتفاع أسعار الفائدة البنكية.

ـ العلاقة العكسية :

يقول البروفيسور ديفيد فليكس أستاذ الاقتصاد الكلي في مدرسة لندن، "العلاقة بين أسعار الفائدة والتضخم عكسية، فرفع البنوك أسعار الفائدة يؤدي إلى خفض التضخم، لكن الأمر لا يعني أن رفع أسعار الفائدة 1% يعني انخفاض معدل التضخم 1% ، فالقضية أكثر تعقيدا من ذلك، كما أننا لا نضغط على زر فيتم رفع أسعار الفائدة، وفي اليوم التالي ينخفض التضخم بنسبة ارتفاع الفائدة. الأمر يتطلب وقتا لتبدأ الآليات الاقتصادية في العمل، والمدى الزمني لحدوث هذا يختلف من اقتصاد إلى آخر، وفقا لعديد من العوامل المتعلقة بالتطور الاقتصادي وثقل المؤسسات المالية في المنظومة الاقتصادية وثقافة المجتمع الاقتصادية". وفي الواقع فإن عودة التضخم في بداية العام الجاري كانت مفاجئة للجميع، واليوم ورغم رفع أسعار الفائدة فإن التضخم يأبى أن يتزحزح كثيرا عن موقعه، ففي ديسمبر 2020 أخطأ الفيدرالي الأمريكي عندما توقع أن الأسعار سترتفع بنسبة أقل من 2 % في 2021 - 2022، وكرر الخطأ مرة أخرى في ديسمبر 2021 عندما توقع أن التضخم في 2022 لن يتجاوز 2.6  %.

ويعتقد مات هانت الباحث في الشؤون المصرفية أن تأثير رفع أسعار الفائدة لم ينعكس بالنسبة ذاتها على معدل التضخم لعدد من الأسباب، من بينها الحرب الروسية - الأوكرانية وتداعياتها على الدولار الأمريكي.

ويؤكد أن الحرب الروسية - الأوكرانية أسهمت في رفع قيمة الدولار في مواجهة العملات الدولية الأخرى، حيث إن ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة دفع الاحتياطي الفيدرالي إلى شن حملة ضد التضخم المتنامي محليا، فرفع أسعار الفائدة ومن ثم زادت قيمة الدولارويضيف "إذا أخذنا في الحسبان أن رفع قيمة الدولار 10% يرفع الأسعار بالنسبة إلى المستهلكين في الأسواق الأجنبية بنحو 1% ، وتزيد تلك النسبة كلما كان الاقتصاد محل البحث يعتمد على الواردات، فهذا  يعني أن زيادة الفائدة لن تنعكس على التضخم وتؤدي إلى خفضه بالنسبة ذاتها".

ـ رفع أسعار الفائدة يعتبر مؤشرا إلى وجود أزمة اقتصادية:

بينما يرى ليام توبي رئيس قسم التحليل المالي في مجموعة لويدز المصرفية أن الارتباط العام بين رفع سعر الفائدة وخفض معدل التضخم لا يعني التحرك بمعدل نقطة مئوية مقابل نقطة مئوية، إذ يجب الأخذ في الحسبان عددا من العوامل المتعلقة بالقيم والمعتقدات الاقتصادية للمجتمع وتجربته السابقة في مثل تلك الحالات.

ويقول :"إن كثيرا من المجتمعات خاصة النامية تنظر إلى رفع أسعار الفائدة باعتباره مؤشرا إلى وجود أزمة اقتصادية تدفع الحكومة إلى محاولة الحصول على العملات المحلية والأجنبية والمعادن النفيسة خاصة الذهب المدخر من قبل الأفراد، ويعمق ذلك غالبا القناعات الشعبية بأن الوضع الاقتصادي مقبل على التدهور، وبدلا من أن يكون ذلك وسيلة لخفض الطلب نجد أن الطلب يرتفع جراء المفاهيم الشعبية بأن هناك موجة قادمة من رفع الأسعار، ما يدفع كثيرا من المستهلكين إلى الإسراع بعمليات شراء بالأسعار الراهنة، تفاديا للشراء مستقبلا بأسعار أعلى، ومن ثم نجد أن رفع أسعار الفائدة قد يعزز التضخم أحيانا".

ـ استبعاد الوصول إلى 2% :

المؤكد الآن أن التضخم لن يكون مؤقتا، على الرغم من أن معظم مصادر التضخم ستنحسر تدريجيا خلال الأعوام المقبلة، ومع مواصلة التشديد النقدي فإن إمكانية السيطرة على التضخم ستتزايد، لكنه سيظل من المستبعد أن يصل إلى 2% وهي النسبة التي تستهدفها البنوك المركزية الكبرى في القريب العاجل.

مع هذا يجب التنويه بأن الأفكار السائدة حول رفع معدلات الفائدة أنها وسيلة ناجعة للسيطرة على التضخم، تلك الفكرة لا تلقى بالضرورة قبولا لدى كل الاقتصاديين، ومن بينهم الدكتورة إلسي أوليفر أستاذة الاقتصاد الاجتماعي في جامعة كامبريدج. اذ تؤكد أن المدافعين عن نظرية رفع أسعار الفائدة لخفض التضخم يحاولون تجنب الإجابة عن التساؤل الرئيس: ما الذي يسبب التضخم؟

وتقول "الأمر ببساطة أن الطلب أعلى من العرض، ورفع أسعار الفائدة يجعل من الصعب حشد مزيد من رؤوس الأموال من أجل الاستثمارات التي ستزيد جانب العرض، وبذلك رفع أسعار الفائدة يمكن أن يسبب ضغوطا تضخمية.

وتشير إلى أن السياسات المالية الموجهة بشكل جيد من خلال إعادة النظر في الضرائب والإنفاق الحكومي يمكن أن تروض التضخم أفضل من السياسات النقدية التي تركز على المعروض من النقود وأسعار الفائدة.

وتضيف "لا أنكر أن رفع أسعار الفائدة قد يدفع بمعدلات التضخم إلى التراجع، لكنه سيكون طريقا مؤلما وسيترك اثارا طويلة الأمد على الاقتصاد، بينما السياسات المالية ربما لا تؤدي إلى خفض التضخم سريعا، لكن ستحقق من خلال آليات العمل الخاصة بها كثيرا من الفوائد الاجتماعية طويلة الأمد".

وتختتم الدكتورة إلسي أوليفر بقول لأحد علماء النفس المشهورين يدعى إبراهام ماسلو "إنه بالنسبة إلى رجل يحمل مطرقة، كل شيء يبدو كأنه مسمار، ولأن الفيدرالي الأمريكي يمتلك مطرقة وهي قيادته البنوك المركزية في العالم فإن هذا لا يعني أن يستخدمها لتحطيم الاقتصاد الدولي".

 


أخبار مرتبطة
 
24 أبريل 2024 3:33 متحالف صيني يرغب في إنشاء مدينة نسيجية متكاملة باستثمارات 300 مليون دولار23 أبريل 2024 3:14 موزير المالية: زيادة مخصصات الأجور إلى 575 مليار جنيه في العام المالي الحالي22 أبريل 2024 2:33 متوقعات صندوق النقد الدولي بارتفاع النمو العالمي في 2024 إلى 3.2%21 أبريل 2024 3:12 ملقاءات وزير المالية على هامش اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين بواشنطن17 أبريل 2024 9:43 صواشنطن: التحديات الدولية والإقليمية وتأثيرها على الأسواق الناشئة محاور مناقشة المشاط ومسئولي البنك الدولي15 أبريل 2024 2:34 ممفاعل الضبعة سيحل أزمة انقطاع الكهرباء بمصر وبدء إنتاج الطاقة بداية 202714 أبريل 2024 3:39 مبطاريات الطاقة الشمسية لتخزين الكهرباء7 أبريل 2024 1:23 مالدولة وضعت الحد الأقصى للاستثمارات العامة بتريليون جنيه لإفساح المجال للقطاع الخاص2 أبريل 2024 1:24 مالتيتانيوم .. السلاح الروسي الذي لا يعرفه احد31 مارس 2024 1:04 مأزمة أدوية تضرب العالم.. 26 دولة أوروبية أبلغت عن نقص في الأدوية في 2023

التعليقات