أبحاث


كتب فاطيمة طيبى
8 فبراير 2023 1:54 م
-
سيظل الاقتصادي البريطاني ساحة خصبة للشكوك والتساؤلات القلقة والحائرة بشأن مستقبله ومكانته العالمية

سيظل الاقتصادي البريطاني ساحة خصبة للشكوك والتساؤلات القلقة والحائرة بشأن مستقبله ومكانته العالمية

اعداد ـ فاطيمة طيبي  

حينما كان وزيرا للمالية في حكومة بوريس جونسون،   أطلق ريشي سوناك رئيس الوزراء البريطاني الحالي تصريحا أثار  موجة من الفزع في الأسواق، مفادها أن المملكة المتحدة دخلت رسميا في حالة من الركود اقتصادي لأول مرة منذ 11 عاما. من جهة اخرى نقلت عنه هيئة الإذاعة البريطانية تصريحا له مفاده ان الحكومة لا يجب على الاطلاق ان تتضاهر بان الجميع سيكونون قادرين على العودة إلى وظائفهم . 

ـ توقعات بانهيار شركات مع ارتفاع ازمة المعيشة  :   

اليوم يبدو القلق أكثر وضوحا في الأسواق البريطانية، وسط أنباء باحتمال أن يشهد عام 2023 موجة من انهيار آلاف من الشركات البريطانية مع استمرار تكلفة أزمة المعيشة، خاصة بعد أن كشفت آخر التقديرات أن عدد الشركات التي اقتربت من عتبة الإفلاس تضرر بأكثر من ثلثها نهاية العام الماضي، مع توقعات بارتفاع الفوائد بسبب  عدم قدرة تسديد الشركات القروض التي حصلت عليها خلال جائحة كوفيد، و تراجع  الاستهلاك، والمشاكل الناتجة عن خروج بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي. 

بالطبع يحمل تيار من الخبراء - ومن بينهم خبراء حكوميون- جزءا كبيرا من المشكلات المتراكمة حول ا لاقتصاد البريطاني خاصة فيما يخص قرار الخروج من الاتحاد الأوروبي، حيث تشير أرقام وزارة التجارة الدولية إلى أن قيمة صادرات المملكة المتحدة لا يمكن ان تصل في اي من الاحوال  إلى تريليون جنيه استرليني حتى عام  2035 و السبب الاتجاهات الاقتصادية الحالية، بل يتوقع أن تنخفض الصادرات البريطانية من 739 مليار جنيه استرليني العام الماضي 2022  إلى 707 مليارات جنيه هذا العام 2023 ، على أن تعاود الارتفاع بحلول عام 2027 لتبلغ 725 مليار جنيه استرليني.هذا كما نجد ان تجارة المملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي تراجعت بنسبة 14 % في عام 2021 مقارنة بعام 2020، في الوقت الذي وجدت فيه الحكومة البريطانية صعوبة في إنهاء المفاوضات التجارية مع الاقتصادات الكبيرة مثل الهند والولايات المتحدة. 

لكن تحديات الاقتصاد البريطاني والمصاعب التي تواجهه لا تقف عند هذا الحد. فالاقتراض الحكومي وصل إلى مستويات مرتفعة غير مسبوقة، تحديدا في ديسمبر الماضي 2022 ، مدفوعا في ذلك بتكلفة الدعم الحكومي المقدم في مجال استهلاك الطاقة، وارتفاع تكلفة فوائد الديون نتيجة الزيادات المتتالية في أسعار الفائدة، وبلغ الاقتراض البريطاني في ديسمبر فقط 27.4 مليار جنيه استرليني، وهو أعلى اقتراض في ديسمبر منذ عام 1993. 

كما أنه يزيد كثيرا عن الشهر ذاته في عام 2021، عندما لم يتجاوز اقتراض الحكومة البريطانية 10.7 مليار جنيه استرليني، وبهذا بلغت ديون القطاع العام البريطاني في مطلع هذا العام - وفقا لبيانات مكتب الإحصاءات الوطني- 2.5 تريليون جنيه استرليني، أي نحو 99.5 % من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا المشهد لم تمر به بريطانيا منذ أوائل الستينيات. تلك البيانات  نستنتج من خلالها تعزز مشاعر التوتر لدى البعض عند تقييمه مسار الاقتصاد البريطاني على الأقل في هذا العام.

ـ التراجع المخيف :

كريس فيليب رجل الأعمال والخبير الاستثماري يشير إلى توقعات بنك جولدمان ساكس بتراجع  الاقتصاد البريطاني بنسبة 1.% في 2023،وهذه النسبة من التراجع الاقتصادي الأعلى بين أكبر عشرة اقتصادات بالعالم، ويقول "إن التراجع الاقتصادي في المملكة المتحدة هذا العام سيكون عميقا مثل التراجع  الاقتصادي في روسيا، التي يتوقع أن ينكمش اقتصادها بنسبة 1.3 %، حيث تشن حربا على أوكرانيا، وتفرض عليها عقوبات اقتصادية قوية". كما ان ارتفاع التضخم وأسعار الفائدة قلصا من القوة الشرائية للأسر بشكل كبير، وعلى الرغم من توقعات تطور الاقتصاد البريطاني عام 2024 بنسبة 0.9 %، الا انه في الوقت نفسه سيمر بركود طويل .

 ـ تقرير مكتب الميزانية العمومية  في رسالة رسمية إلى وزارة الخزانة البريطانية:

يشيرالتقرير فيها إلى أنه بالغ في تقدير آفاق النمو للاقتصاد البريطاني التي أصدرها في نوفمبر الماضي من 2022 ، وآنه يرغب الآن في تعديل توقعاته بتراجع  نمو الاقتصاد الوطني، الذي سينكمش هذا العام 2023  بنسبة 1.4 %، لكنه سينتعش في العام المقبل 2024  ويحقق معدل نمو 1.3 % يليه نمو 2.6 و2.7 % في 2025 و2026 على التوالي.

 لورا كريس سيدة الأعمال، تظهر تفاؤلا بشأن مستقبل الاقتصاد البريطاني. وتعلق   قائلة :"أعتقد أن معظم الناس لديهم قناعة بأن ما يحدث من صعوبات في الاقتصاد البريطاني ليست مستدامة، وربما تعود إلى أن الدعم الحكومي الذي كان رائجا خلال الفترة التي تفشى فيها وباء كوفيد وصل إلى نهايته، ولا يوجد شيء في الأفق  عن حل بديل لهذا الدعم".كما كان لدينا وباء عالمي، وانتهى عصر الفائدة المنخفضة، وحرب في أوروبا، وارتفاعات ضخمة في الأسعار، ولذلك يمكنني القول إن الاقتصاد البريطاني رغم كل تلك الضربات أظهر مرونة لا تصدق".

وبغض النظر عن تباين التقييمات حول وضع الاقتصاد البريطاني حاليا، فإن ما يقلق الجميع هو أن أغلب التقديرات تشير إلى أن سوق العمل ستبدأ في التدهور في النصف الأول من هذا العام، على أن يصل إلى 4.9 % بحلول نهاية عام 2023، وإلى 5.9 % بحلول منتصف العام المقبل، و6.4 % بحلول عام 2025.

فالمتوقع أن يؤدي الركود الاقتصادي إلى زيادة البطالة، حيث يؤدي ضعف مستويات الإنفاق الاستهلاكي والتجاري إلى جانب ارتفاع التكاليف إلى دفع أصحاب الأعمال إلى اتخاذ قرارات صعبة بشأن مستويات التوظيف الملائمة، لكن المشكلة في المملكة المتحدة تبدو ذات أبعاد أكثر تعقيدا من ذلك.

وفي هذا السياق، يقول ال. دي ريتشارد الخبير السابق في منظمة العمل الدولية "إن التوقعات بارتفاع معدلات البطالة في المملكة المتحدة تأتي في وقت تكافح فيه الشركات للعثور على عدد كاف من الأيدي العاملة، في حين تجتاح البلاد موجة من الاضطراب في القطاع العام نتيجة رفض الحكومة زيادة الأجور، بما يضمن رفع أو الحفاظ على مستوى معيشة الطبقة العاملة، هذا الوضع يعني أن بريطانيا في طريقها إلى أن تكون الاقتصاد المتقدم الوحيد الذي لا يزال التوظيف فيه أقل من مستويات ما قبل كوفيد".

ـ الالتزام باستراتيجية اقتصادية طويلة الأجل:

هذا الوضع تحديدا دفع وزير الاقتصاد في حكومة ويلز إلى دعوة حكومة حزب المحافظين البريطاني إلى الالتزام باستراتيجية اقتصادية طويلة الأجل ومستقرة لتحقيق النمو المستدام مع إعطاء أولوية للعمل طويل المدى لتوفير وظائف أفضل. وبينما تركز وسائل الإعلام البريطانية جل اهتمامها على قضية التضخم، فإن معظم الخبراء يتوقعون أن يتراجع التضخم تدريجيا في وقت لاحق نهاية العام الجاري، رغم أن تكاليف المعيشة ستظل أعلى كثيرا من مستويات ما قبل جائحة كورونا.

ويرى هؤلاء الخبراء أن التحدي الأكبر حقا الذي يواجه الاقتصاد البريطاني يتمثل في نجاح أو فشل جيريمي هانت وزير المالية في استعادة ثقة المستثمرين بالشؤون المالية للحكومة، بعد الهزة التي تعرض لها الاقتصاد البريطاني نتيجة السياسات الاقتصادية الهوجاء لليز تراس رئيسة الوزراء السابقة.

مع هذا تبدو قضية العجز المالي الحكومي والاقتراض العام الذي يبدو في طريقة إلى مزيد من الزيادة الكبيرة هذا العام، وارتفاع فوائد الديون مع ارتفاع أسعار الفائدة في مقدمة الملفات المطروحة على جدول أعمال الحكومة البريطانية حاليا.

كما انه ومن جهة ثانية ، توقع آرثر بارتيننجتون الخبير المصرفي، أن يصل عجز الميزانية إلى 177 مليار جنيه استرليني في العام المالي حتى نهاية مارس 2023، أي ما يقرب من 40 مليار جنيه استرليني أكثر من العام السابق، لكن هذا العجز يتوقع أن ينخفض تدريجيا على مدى الأعوام القليلة المقبلة. وحتى تنجح المملكة المتحدة في زيادة صادراتها وتقليص ديونها وضمان الوظائف للأغلبية العظمى من الأيدي العاملة، سيظل الاقتصادي البريطاني ساحة خصبة للشكوك والتساؤلات القلقة والحائرة بشأن مستقبله ومكانته العالمية.

 


أخبار مرتبطة
 
24 أبريل 2024 3:33 متحالف صيني يرغب في إنشاء مدينة نسيجية متكاملة باستثمارات 300 مليون دولار23 أبريل 2024 3:14 موزير المالية: زيادة مخصصات الأجور إلى 575 مليار جنيه في العام المالي الحالي22 أبريل 2024 2:33 متوقعات صندوق النقد الدولي بارتفاع النمو العالمي في 2024 إلى 3.2%21 أبريل 2024 3:12 ملقاءات وزير المالية على هامش اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين بواشنطن17 أبريل 2024 9:43 صواشنطن: التحديات الدولية والإقليمية وتأثيرها على الأسواق الناشئة محاور مناقشة المشاط ومسئولي البنك الدولي15 أبريل 2024 2:34 ممفاعل الضبعة سيحل أزمة انقطاع الكهرباء بمصر وبدء إنتاج الطاقة بداية 202714 أبريل 2024 3:39 مبطاريات الطاقة الشمسية لتخزين الكهرباء7 أبريل 2024 1:23 مالدولة وضعت الحد الأقصى للاستثمارات العامة بتريليون جنيه لإفساح المجال للقطاع الخاص2 أبريل 2024 1:24 مالتيتانيوم .. السلاح الروسي الذي لا يعرفه احد31 مارس 2024 1:04 مأزمة أدوية تضرب العالم.. 26 دولة أوروبية أبلغت عن نقص في الأدوية في 2023

التعليقات