أبحاث


كتب فاطيمة طيبى
28 مايو 2023 4:05 م
-
التوقعات المستقبلية لسوق المعادن الاستراتيجية في افريقيا ودور مجموعة الدول الست لفرض قيود لتصديرها

التوقعات المستقبلية لسوق المعادن الاستراتيجية في افريقيا  ودور مجموعة الدول الست لفرض قيود لتصديرها

اعداد ـ فاطيمة طيبي

المنافسة التجارية على المستوى العالمي عنيفة، ويجمع الاقتصاديون على ان  العالم يشهد بالفعل حربا تجارية فعلية خاصة فيما يتعلق بالهيمنة على أسواق المعادن، الاستراتيجية منها خاصة. لما تمثله هذه المعادن كقضية مهمة في استراتيجية الأمن الاقتصادي.

فتوسيع سلاسل التوريد من خلال ضخ مزيد من الاستثمارات، خاصة أن توقعات الطلب العالمي تشير إلى زيادة تراوح ما بين ثلاثة إلى 42 ضعفا على بعض المعادن  الضرورية لذا  الخطوة الأولى التي ستمكن المجتمع الدولي من صياغة استراتيجية عالمية توجد آفاقا أكثر رحابة لتعاون عالمي حقيقي يعود بالنفع على المنتجين والمستهلكين في آن واحد.

ـ قيود واسعة:

في عام 2020، كانت  الصين في الصدارة بين مجموعة الدول الست التي فرضت قيودا على تصدير المعادن، تلك الدول هي: الصين، الهند، الأرجنتين، روسيا، فيتنام، وكازاخستان. والآن أصبحت قيود الصين على تصدير المعادن أكبر تسع مرات مما كانت عليه عام 2009.

وفي  أكتوبر  الماضي 2022، جاء قرار واشنطن بمنع وصول الصين إلى المعرفة التكنولوجية الأمريكية لإنتاج أشباه الموصلات المتقدمة، وجاء رد بكين بعدها في يناير من هذا العام بفرض مزيد من قيود التصدير  ، وأعلنت أن المصنعين الصينيين سيحتاجون بعد الان   للتقدم بطلب للحصول على تراخيص إذا كانوا يريدون تصدير رقائق الألواح الشمسية والبولي سيلكون اللازم لتصنيعها. المهندس ك. إس. ديلتون المسؤول عن قسم العلاقات الدولية في شركة "إيفرز"، إحدى أكبر شركات التنقيب عن المعادن في المملكة المتحدة، يعلق   قائلا: "الصراع كان شديد الوضوح في مؤتمر تعدين إندابا، أكبر مؤتمر للاستثمار في التعدين في إفريقيا، الذي عقد في   (فبراير) الماضي في كيب تاون في جنوب إفريقيا، وكانت هناك وفود من جميع المتمرسين الرئيسين في العالم بينهم السعودية،

والتمثيل الاكبر كان   لوفد من الولايات المتحدة، حيث ضم مسؤولين من البيت الأبيض ووزارات الخارجية والتجارة والطاقة، ما يعكس حجم التعطش الأمريكي إلى نحو 50 معدنا مهما ضروريا لتقليل انبعاثات الكربون وإيجاد وظائف خضراء" مضيفا ان  "الصراع على المعادن في جزء منه صراع على إفريقيا التي تضم 30 % من الموارد المعدنية في العالم".

ـ سوق الصراع :

من جهته، يقول البروفيسور آدم كارثون أستاذ التجارة الدولية في جامعة جلاسكو "المسؤولون في الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي وروسيا ينظرون إلى أسواق المعادن على أنها سوق صراع، تلعب فيه القارة السمراء الدور الرئيسي. واشنطن ترى في إفريقيا الحل لمشكلة  هذا الصراع من زاويتين.

ـ الأولى: نقص المعادن يعني عدم قدرة المجتمع الدولي على تحقيق أهدافه بالنسبة لقضية المناخ، فصانعو تقنيات الطاقة النظيفة في حاجة إلى 40 ضعفا من الليثيوم، و25 ضعفا من الجرافيت ونحو 20 ضعفا من النيكل والكوبالت بحلول عام 2040، والطلب على المعادن أو العناصر الأرضية النادرة قد يكون أعلى سبع مرات بحلول نهاية العقد المقب. "

ـ الجانب الثاني:  تمثله الصين  لما لديها من تأثير ضخم على سلاسل التوريد في   للمعادن، إذ تقوم بتكرير نحو 70 %  من النيكل في العالم، و40 % من النحاس، و60 % من الليثيوم، و73 % من الكوبالت، وبذلك فإن شركاتها تتنافس مع الشركات الغربية بقوة في مجال التعدين، وإذا أخذنا في الحسبان التقارب الحالي بين الصين وروسيا، فإن تعاونهما في مجال التعدين قد يؤدي إلى تغير المشهد الدولي في تلك الصناعة مستقبلا، وهذا تحديدا ما يقلق الولايات المتحدة وحلفاءها".

الأرقام التي تفسران  بعضا من الدول الفقيرة  لها النصيب الأكبر من احتياطات المعادن الاستراتيجية ما  يمكن أن يقلق واشنطن وبقوة، فالكوبالت الذي يستخدم في صناعة البطاريات، تعد الكونجو المصدر الرئيسي له، إذ تنتج 70 % من الإنتاج العالمي، اما الصين  تمتلك 15 من أصل 19 منجما للكوبالت في الكونغو.

ـ  رؤيا  لتوقعات طبيعة المسار المستقبلي للسوق الاستراتيجية:

يرى الخبراء أن طبيعة الاستراتيجيات المطروحة حتى الآن ترسخ فكرة الصراع، فالنهج الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة يقوم على أساس تشكيل جبهة متعددة الأطراف تضم حلفاء غربيين لتأمين الاحتياجات الغربية من المعادن، حيث أسست واشنطن ما أطلقت عليه "شراكة أمن المعادن" التي تضم في عضويتها أستراليا ،كندا ، فنلندا ،فرنسا ،ألمانيا ،اليابان ،كوريا الجنوبية ،السويد ،المملكة المتحدة ،الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

لكن خصوم الولايات المتحدة فسرو هذا التحالف الغربي انه  يرمي إلى مواصلة البلدان التي تلتف حول  ما يسمى بـ  "شراكة أمن المعادن"  الى الهيمنة على أسواق المعادن في العالم، وعلى الرغم من أن الدول الأعضاء في تلك الشراكة سيدعمون شراكاتهم الخاصة، إلا أنه سيكون هناك تنسيق مشترك بينهم يتضمن ممارسة الضغط الدبلوماسي الجماعي إذا لزم الأمر على الدول الفقيرة المنتجة للمعادن أو قيامهم بتمويل مشترك للمشاريع عندما يتعلق الأمر بالمنافسين الآخرين مثل الصين أو روسيا. وفي الواقع، فإن تلك الاستراتيجية ترتبط بدبلوماسية أمريكية ناشطة في القارة الإفريقية.

وفي هذا السياق، تعلق الدكتورة سكيلر آيان أستاذة الدراسات الإفريقية في المعهد الدولي للدراسات الإفريقية، قائلة: "استضاف الرئيس بايدن أكثر من 40 من القادة الأفارقة في واشنطن في ديسمبر الماضي، ويقوم كبار المسؤولين في الولايات المتحدة بزيارات متكررة للقارة، بالطبع هناك عديد من الاهتمامات الأمريكية في إفريقيا لكن المعادن تأتي في المقدمة، وقد وقعت الولايات المتحدة مذكرة تفاهم مع الكونغو وزامبيا في يناير الماضي لمساعدة أكبر مصدرين للنحاس في إفريقيا على القيام بما هو أكثر من بيع المعدن في شكله الخام ، وتعد بداية لاستراتيجية جديدة قائمة على مساعدة الأفارقة على بناء سلاسل التوريد لمعالجة المعادن الخام وتحويلها للاستخدام في الصناعات المتطورة"

ـ الواقع الاستثماري :

يصف الخبير الاستثماري كوبر دكلين الأمر بالقول "غالبا، لا تكون الأولويات الإفريقية أولويات أمريكية".لإن "نقاط القصور لدى الجانب الأمريكي، أن مشاريعه   تستغرق وقتا طويلا حتى تعرف النور على عكس الصينيين.الامر الثاني   ان الاستثمارات الأمريكية لديها إفراط شديد في الربط بين الاستثمار والحفاظ على البيئة، وهذا الجانب يأخذه الصينيون أيضا في الحسبان، ولكن ليس بذات الدرجة من الاهتمام الأمريكي". هذا ما يدفع ببعض الخبراء إلى طرح استراتيجية بديلة من منطلق أن ترحيب قادة القارة الإفريقية بالاستثمارات الأمريكية في مجال المعادن لا يعني أنهم سيتخلون عن الصين أو روسيا.

بدوره، يؤكد الدكتور إم. إن. موريس أستاذ التاريخ الاقتصادي في جامعة ليدز، أن القرن الـ21 سيكون قرن الصراع على المعادن، "فعلينا أن نتذكر أن الزعيم البريطاني ونستون تشرشل هو من قام بتحويل البحرية الملكية البريطانية التي كانت تمثل العمود الفقري للقوة العسكرية البريطانية من الاعتماد على الفحم إلى النفط، ما سمح للسفن البريطانية بالسفر أسرع بشكل كبير، لكن هذا التحول الذي سارت على دربه البلدان الأوروبية والولايات المتحدة كان يعني أن القوة العسكرية الغربية باتت تعتمد في تلبية احتياجاتها من الطاقة على مصادر خارجية، لا على مصادرها الذاتية كما كانت الحال مع الفحم".

هذا المشهد يتكرر مرة أخرى من وجهة نظر الدكتور إم. إس. موريس مع المعادن التي ستعمل على تعزيز التحول في مجال الطاقة، وستحدث طفرة في الابتكار التكنولوجي، فهي ليست مدخلات صناعية مهمة فحسب، بل الأكثر خطورة أنها مورد استراتيجي وضروري لبناء وتجهيز ونشر الجيوش وتزويد الاقتصادات التي تدعمها بالطاقة، فالأمن القومي والاقتصادي بات يعتمد بشكل متزايد على التقنيات المتقدمة ذات القدرة المعدنية العالية.

 ـ  ـ علاقة المعادن بالطاقة :

للإجابة عن هذا التساؤل تتعدد الآراء ، ويشير بعض الخبراء إلى أن الجو    السياسيى العام للمعادن أقل خطورة مما يحيط بالنفط والغاز، الا ان رؤية البعض       ان الصورة المستقبلية للصراع العالمي تجعل من هذا المستقبل اكثر قتامة .

 ولتفادي هذا الوضع الذي سينعكس حتما على الاقتصاد الدولي، تطرح كيالي لوقا أستاذة الجغرافيا السياسية في قسم الجغرافيا بجامعة أدنبرة رؤيتها في هذا الشأن، حيث تقول "إنه لمنع العودة إلى منطق نفطة الصفر التي سادت إبان الحرب الباردة في الصراع بين القطبين فيما يتعلق بالنفط والغاز، يجب توسيع سلاسل التوريد المعدنية ابتداء من المناجم إلى المعالجة النهائية وإعادة التدوير، وهنا حتما ولا مفر من ذلك ستتطلع البلدان النامية ومتوسطة الدخل الغنية بالمعادن إلى الولايات المتحدة والصين، وبدرجة أقل الاتحاد الأوروبي، وهنا لا يجب أن تبنى الاستراتيجية الأمريكية على فكرة إزاحة الصين من الدور الذي تقوم به حاليا  بل ينبغي بدلا من ذلك تعزيز تنمية القدرات التعاونية بين الطرفين".

وتضيفان "طبيعة المعادن وعلاقتها بالطاقة تجعل التعاون الأمريكي - الصيني مجديا للجميع، للمنتجين من البلدان النامية والفقيرة، وللدول الغنية المستهلكة للمعادن، فمصادر الطاقة المتجددة لا تستهلك المعادن باستمرار، فالمعادن مدخلات في البنية التحتية وتسهل إنشاء وتخزين طاقة الرياح أو الطاقة الشمسة أو الطاقة الحرارية للأرض أو الطاقة المائية أو لأنواع الطاقة المتجددة الأخرى، من ثم عدم الوصول إلى المعادن يقلص فرص توسيع السعة أو إصلاح البنية التحتية، لكنه لا يترجم إلى أزمة طاقة فورية، أما النفط والغاز، فإن أي خلل في أسواقهما يؤدي إلى اهتزاز عنيف في الاقتصاد الدولي".

وتؤكد أن المعادن ليست كالنفط أو الغاز، فما يستهلك من النفط أو الغاز لا يسهل تدويره ، أما عديد من المعادن المهمة مثل النحاس يمكن إعادة تدويرها دون أن تفقد خصائصها الوظيفية.

على أي حال، لا تزال أسواق المعادن بالطبع أضعف من أسواق النفط والغاز الطبيعي، حيث تجاوزت الصادرات العالمية من الوقود التقليدي تريليوني دولار عام 2020، بينما بلغ إجمالي صادرات الكوبالت عالميا، وهو واحد من أهم المعادن المستقبلية، أقل من خمسة مليارات دولار، وصادرات النيكل 30 مليار دولار، هذا يعني أن القوى المهيمنة على الاقتصاد الدولي أمامها فرصة لإعادة النظر في استراتيجيتها بشأن إنتاج واستهلاك المعادن.

 

 

 


أخبار مرتبطة
 
24 أبريل 2024 3:33 متحالف صيني يرغب في إنشاء مدينة نسيجية متكاملة باستثمارات 300 مليون دولار23 أبريل 2024 3:14 موزير المالية: زيادة مخصصات الأجور إلى 575 مليار جنيه في العام المالي الحالي22 أبريل 2024 2:33 متوقعات صندوق النقد الدولي بارتفاع النمو العالمي في 2024 إلى 3.2%21 أبريل 2024 3:12 ملقاءات وزير المالية على هامش اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين بواشنطن17 أبريل 2024 9:43 صواشنطن: التحديات الدولية والإقليمية وتأثيرها على الأسواق الناشئة محاور مناقشة المشاط ومسئولي البنك الدولي15 أبريل 2024 2:34 ممفاعل الضبعة سيحل أزمة انقطاع الكهرباء بمصر وبدء إنتاج الطاقة بداية 202714 أبريل 2024 3:39 مبطاريات الطاقة الشمسية لتخزين الكهرباء7 أبريل 2024 1:23 مالدولة وضعت الحد الأقصى للاستثمارات العامة بتريليون جنيه لإفساح المجال للقطاع الخاص2 أبريل 2024 1:24 مالتيتانيوم .. السلاح الروسي الذي لا يعرفه احد31 مارس 2024 1:04 مأزمة أدوية تضرب العالم.. 26 دولة أوروبية أبلغت عن نقص في الأدوية في 2023

التعليقات