أبحاث


كتب فاطيمة طيبى
31 يوليو 2023 4:54 م
-
بريطانيا : تراجع الثقة بمناخ الاعمال والاستثمارات التكنولوجية بعد مغادرة الاتحاد الأوروبي

بريطانيا : تراجع الثقة بمناخ الاعمال والاستثمارات التكنولوجية بعد مغادرة الاتحاد الأوروبي

اعداد ـ فاطيمة طيبي

قطاع التجزئة  في المملكة المتحدة رغم أهميته يدخل ضمن القطاعات الاقتصادية التقليدية، غير ان الاقتصاد البريطاني يستهدف خاصة  القطاعات ذات الطابع الإبداعي والابتكاري كالتكنولوجيا تحديدا .

تتعدد وجهات نظر اغلبية الخبراء، ففي استطلاع للرأي بين كبار المصنعين في المملكة المتحدة اعتقد بان هناك نوعا من التراجع  تنافسيا ، حيث بلغت نسبتها من 63 % عام 2021 الى 31 % عام 2022، فيما يرى 43 % من الافراد إن بريطانيا أصبحت أقل جاذبية للمستثمرين الأجانب.

ـ الموقع المهيمن في مجال ألعاب الفيديو:

مع هذا لم يتوانى رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك من أن يعيد  أن حكومته "مؤيدة للأعمال بلا تردد"، وخلال مؤتمر Business Connect صرح قائلا: "نحتاج إلى التأكيد من هنا أن هذا البلد هو الذي يحدث فيه الابتكار سريعا".

لم تمر سوى أيام معدودات على تصريح رئيس الوزراء البريطاني حتى تلقى لكمة قوية لم يكن يتخيلها، إذ شنت شركة مايكروسوفت عملاق التكنولوجيا العالمي هجوما عنيفا وصريحا على المملكة المتحدة ومناخ الأعمال فيها لتصف بريطانيا بأنها "مغلق  للعمل".

التصريح جاء من قبل برادفورد لي سميث نائب رئيس مجلس إدارة مايكروسوفت ردا على حظر هيئة المنافسة والأسواق في المملكة للاندماج المقترح بين شركة "أكتيفيجن بليزارد" التي تنتج لعبة الفيديو الشهيرة "كول إف ديوتي" وشركة مايكروسوفت في صفقة بقيمة 69 مليار دولار، وكان من شأن إتمام الصفقة أن يمنح شركة مايكروسوفت الأمريكية موقعا مهيمنا في مجال ألعاب الفيديو.

كانت تصريحات برادفورد سميث بمنزلة "بوابة الجحيم" التي فتحت سيلا من الأسئلة والتساؤلات حول مناخ الأعمال في المملكة المتحدة وإلى أي مدة يمكن لرؤوس الأموال والشركات العالمية التعامل مع بريطانيا كسوق وواجهة استثمارية إيجابية للراغبين في الاستثمار، خاصة أن هجوم نائب رئيس مجلس إدارة مايكروسوفت لم يقف عند هذا الحد، بل واصل الهجوم قائلا "الاتحاد الأوروبي مكان أكثر جاذبية لبدء عمل تجاري إذا كنت تريد أن تبيعه يوما ما .. إن القناة الإنجليزية التي تفصل بريطانيا عن أوروبا تبدو أوسع من أي وقت مضى".

مع هذا فإن الأرقام والوقائع تدفع إلى الاعتقاد بأن تصريحات المسؤول في شركة مايكروسوفت كانت تحمل كثيرا من الغضب والتسرع في التعليق، فالمملكة المتحدة ثالث دولة في العالم في مجال التقنيات الحديثة، وبلغت قيمة صناعة التكنولوجيا فيها تريليون دولار لأول مرة العام الماضي 2022، لتأتي في الترتيب بعد الصين والولايات المتحدة من حيث الاستثمار، والأولى أوروبيا حيث توجد مسافة كبيرة بينها وبين أقرب منافسيها.

لكن تلك الحقائق لا تنفي ما قاله رجل الأعمال البريطاني إل.دي. جورج وجود تحديات حقيقية تواجه الاستثمار الأجنبي في المملكة المتحدة، ويشير إلى أن المملكة المتحدة تشهد حاليا أوجه تشابه مع وضعها الاقتصادي في منتصف سبعينيات القرن الماضي، عندما كان ينظر إلى بريطانيا على أنها رجل أوروبا المريض اقتصاديا بعد انضمامها إلى المجموعة الاقتصادية الأوروبية.

مضيفا  إن "هناك عددا من العوامل المرتبطة بالأعمال التجارية التي تقف وراء هذا التراجع:

1 ـ  هناك شكوك حول جودة الإدارة في الشركات البريطانية في الوقت الراهن والبعض يعدها الأسوأ في مجموعة السبع.

2 ـ  هناك عديد من مراكز الأبحاث ذات الثقل الدولي ترى أن الاستثمار من قبل الشركات البريطانية من بين أدنى المستويات في مجموعة السبع في الأعوام الأخيرة، وهذا يقوض الابتكار والتطوير الضروري للقدرة التنافسية .

3 ـ بعض الشركات لم تعد تهتم بالتدريب والتعليم لضمان الحصول على مهارات حديثة، ومرصد الهجرة التابع لجامعة أكسفورد أشار إلى أن الاعتماد المتزايد على العمالة المهاجرة الرخيصة من الخارج أعاق الشركات البريطانية . نتيجة لتلك العوامل، فإن مناخ الثقة في الأعمال والاستثمار يتراجع في المملكة المتحدة، خاصة بعد مغادرة الاتحاد الأوروبي الذي أوجد مشكلات متعددة للاقتصاد البريطاني، إلى الحد الذي جعل غرفة التجارة البريطانية ترى أن خروج المملكة المتحدة من عضوية النادي الأوروبي، كان بمنزلة فرض بريطانيا عقوبات فعلية على نفسها. لا ينفي الخبراء ما أشار إليه رجل الأعمال البريطاني إل.دي. جورج، مع هذا يرى البعض أن المشكلة ربما تكمن في السياسة أكثر منها في الاقتصاد.

ـ تعزيز مناخ الثقة:

من جانبها، قالت الدكتورة بيبر زيون الباحثة في مجال النظم السياسية ان "حزب المحافظين الحاكم يفخر دائما بأنه يمثل قطاع الأعمال، لكن الأعوام الأخيرة تظهر بوضوح أن الحزب يواجه وضعا داخليا مرتبكا، وفي بعض اللحظات عندما تولت ليز تراس رئاسة الوزراء كاد الاقتصاد البريطاني برمته ينهار نتيجة قراراتها غير المدروسة، لذلك في الأعوام الأخيرة لم يعد الحزب قادرا على إيجاد أو تعزيز مناخ الثقة في الاقتصاد البريطاني، ولذلك الشركات الكبرى تحذر من أن استمرار الاضطرابات داخل الحزب الحاكم والحكومة قد يضر بآفاق النمو المستقبلي".

وأضافت "يمكن تفهم صعوبة القيام بعملية إصلاح للأضرار الهائلة التي أصابت المالية العامة البريطانية نتيجة وباء كورونا والحرب الروسية - الأوكرانية وأزمة الطاقة، لكن زيادة الضرائب في بريطانيا لا يتناقض فقط مع أيديولوجية حزب المحافظين، وإنما يؤدي إلى نفور الاستثمارات الدولية، خاصة أن النظام الضريبي البريطاني معقد ومربك وقديم، وكثير من عمليات الإدراج في البورصة مرهقة ومكلفة".

مع هذا ترى نخبة من الخبراء أن فكرة أن المملكة المتحدة لم تعد مكانا ملائما للأعمال أو للاستثمارات الدولية فكرة تتصف بعدم الدقة، وأنها بالفعل وفي بعض القطاعات ربما فقدت تميزها النسبي التاريخي، لكنها بالتأكيد في قطاع التكنولوجيا لا تزال تتمتع بكثير من القدرات التي تجعل القطاع في مصاف القطاعات الجذابة للاستثمارات الدولية.

أغلب التقديرات تشير إلى أن شركات التكنولوجيا في المملكة المتحدة ستبلغ قيمتها 2.6 تريليون دولار هذا العام إذا استمرت في المسار الحالي، ولكنها قد تصل إلى 4 تريليونات دولار بدعم من الحكومة ومزيد من استثمارات رأس المال الخاص والدولي عام 2032، وتكشف تلك التقديرات أن المملكة المتحدة عند نقطة انعطاف قوية فإما أن تعزز نموها المستقبلي وريادتها في مجال التكنولوجيا الحديثة، أو تتراجع إلى الخلف لتفسح المجال لمنافسيها خاصة في القارة الآسيوية.

ـ تباطؤ خلال الأشهر الستة الماضية:

وتشير الإحصاءات الرسمية إلى أن استثمارات المستثمرين في مجال التكنولوجيا تباطأت خلال الأشهر الستة الماضية، وذلك كجزء من التباطؤ العام في الاقتصاد العالمي، وفي العام الماضي كانت المملكة المتحدة أقل من المتوسط العالمي في التراجع الاستثماري في التكنولوجيا، فبينما تقلصت الاستثمارات التكنولوجية على المستوى الدولي بنسبة 32 % كانت تلك النسبة 28 % في المملكة المتحدة، وجمعت الشركات الناشئة في بريطانيا 30 مليار دولار العام الماضي 2022، ورغم أن ذلك كان أعلى بنسبة 72 % من عام 2020، إلا أنها كانت أقل مما حققته عام 2021.

كما شهد العام الماضي انخفاضا في معدل إنشاء الشركات أحادية القرن - الشركات التي تقدر قيمتها بمليار دولار أو أكثر- إذ لم تنم بأكثر من 4 % فقط مقارنة بـ41 %   في  2021، بينما ارتفعت في الوقت ذاته أعداد شركات يونيكورن المستقبلية، أي: الشركات التي تراوح قيمتها بين 250 مليون دولار و800 مليون دولار بنسبة 41 % بين عامي 2021 و2022.

بدوره، يرى الدكتور لوجن أيسن أستاذ أنظمة الاستثمار في جامعة كامبريدج، أن الأرقام المشار إليها أعلاه تشير إلى تحسن دعم الشركات البريطانية لتوسيع نطاقها في مجال الاستثمار في مجال التكنولوجيا، لكن هذا لا يكفي من وجهة نظره لتحقيق صناعة بقيمة أربعة تريليونات دولار بحلول عام 2032 على تقديرات الحكومة.

أوضح أن تحقيق ذلك يتطلب ثلاثة أشياء:

ـ أولا : ربط رأس المال الاستثماري طويل الأجل بجميع مراحل نمو الشركة، وليس فقط في المراحل الأولى المرتبطة بالتأسيس، وهذا يتطلب زيادة الاستثمارات بنحو 15 ضعف ما هو عليه الآن.

ـ ثانيا :  هذه الأمور، تتمثل في ضخ مزيد من الاستثمارات ذات الطبيعة النوعية عبر التركيز على المواهب والقدرات الإبداعية في فروع تكنولوجية محددة، وسيسمح ذلك بارتفاع حجم التخصص وتضيق الفرصة على المنافسين للشركات البريطانية.

ـ ثالثا :  وأضاف أنه بغض النظر عن تصريحات مايكروسوفت بشأن مناخ الأعمال في المملكة المتحدة، فحقيقة الأمر أن بريطانيا ربما تكون الآن في حاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى إلى اتخاذ قرارات جريئة لإيجاد مناخ مفعم بالثقة والحيوية بالنسبة للشركات العاملة في مجال التكنولوجيا، باعتبار ذلك أحد المتطلبات المعاصرة للأعمال التجارية، لكنها أيضا في أمس الحاجة إلى إعادة ترتيب أوراقها الداخلية المبعثرة لتبعث برسالة إلى الشركات الدولية بأن بريطانيا تمتلك بنية تحتية قوية للأعمال بقوة عاملة تزيد على 30 مليون شخص، وأنها تعمل على إدخال تحسينات هائلة تعزز من مرونة الأسواق البريطانية، وتؤهلها لامتلاك مزيد من مقومات القوة في عالم الصناعات التكنولوجية المتطورة.

 

 


أخبار مرتبطة
 
24 أبريل 2024 3:33 متحالف صيني يرغب في إنشاء مدينة نسيجية متكاملة باستثمارات 300 مليون دولار23 أبريل 2024 3:14 موزير المالية: زيادة مخصصات الأجور إلى 575 مليار جنيه في العام المالي الحالي22 أبريل 2024 2:33 متوقعات صندوق النقد الدولي بارتفاع النمو العالمي في 2024 إلى 3.2%21 أبريل 2024 3:12 ملقاءات وزير المالية على هامش اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين بواشنطن17 أبريل 2024 9:43 صواشنطن: التحديات الدولية والإقليمية وتأثيرها على الأسواق الناشئة محاور مناقشة المشاط ومسئولي البنك الدولي15 أبريل 2024 2:34 ممفاعل الضبعة سيحل أزمة انقطاع الكهرباء بمصر وبدء إنتاج الطاقة بداية 202714 أبريل 2024 3:39 مبطاريات الطاقة الشمسية لتخزين الكهرباء7 أبريل 2024 1:23 مالدولة وضعت الحد الأقصى للاستثمارات العامة بتريليون جنيه لإفساح المجال للقطاع الخاص2 أبريل 2024 1:24 مالتيتانيوم .. السلاح الروسي الذي لا يعرفه احد31 مارس 2024 1:04 مأزمة أدوية تضرب العالم.. 26 دولة أوروبية أبلغت عن نقص في الأدوية في 2023

التعليقات