أبحاث


كتب فاطيمة طيبى
16 أغسطس 2023 5:33 م
-
الإصلاح الاقتصادي الشامل في تعزيز المنافسة و زيادة الإنتاجية الحل الجذري للازمة في ايطاليا

الإصلاح الاقتصادي الشامل في  تعزيز المنافسة و زيادة الإنتاجية الحل الجذري للازمة في ايطاليا

 

اعداد ـ فاطيمة طيبي

المصادرالتاريخية تعددت في اعتماد عدد الحكومات التي حكمت ايطاليا ومدى تقديم صورة يقينية  للوضع الاقتصادي الإيطالي الحالي ، فهناك ما يشبه الإجماع بأن المشكلة الاقتصادية الإيطالية مشكلة تزداد تعقيدا الاراء تعددت بين الخبراء الا ان السبب وفي الغالب واحد . وفيما يخص هذا التفاوت الغامض في التطورالانتاجي للاقتصاد الايطالي  رغم عراقة هذا البلد يدعو الى كثير من التامل .

تقول الدكتورة كرستين وليام أستاذة التاريخ الاقتصادي في جامعة بروملي: "أدت الزيادة الإنتاجية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى تحول إيطاليا من دولة زراعية فقيرة - إلى حد كبير- إلى واحدة من القوى الصناعية الرائدة في العالم، لكن بحلول أوائل التسعينيات من القرن الماضي توقف المحرك الإيطالي، وأصبحت إيطاليا أقل كفاءة بشكل مطرد في مجال استثمار رأس المال وتطوير العمالة، ونتيجة لذلك كان النمو الاقتصادي بطيء بشكل مؤلم منذ ذلك الحين حتى الآن".

ـ قلق المجتمع الاقتصادي من الازمة الاقتصادية الراهنة :

ربما يكون السبب الرئيس أن الاقتصاد الإيطالي بات متشابكا لصعوبة وجود حلول نافذة للمشاكل التي باتت تترسب مع الوقت وتزداد تعقيدا لعدم وجود حلول يقينية نافذة وسريعة ولذلك نعتبر ان  هذا فيه نوع من التهديد المباشر  و المصيري بالنسبة للاتحاد الأوروبي ككل. فإيطاليا ليست اليونان وسيكون صعبا أو مستحيلا على أوروبا أن تساندها وتساعدها على الوقوف من جديد ، ربما يمكن مساندتها لدفع بعجلة النمو قليلا لكن هذا ليس معناه بالضرورة الاعتماد كليا على المساعدات الخارجية . 

و نرى ان في انهيار الاقتصاد الإيطالي - يعتبر الثالث في الترتيب بعد ألمانيا وفرنسا أوروبيا- لا يعني انهيار الاتحاد الأوروبي فحسب، وإنما يعني أزمة اقتصادية في مجمل القارة تستمر لأعوام وربما عقود، تدفع بها الى الخروج دون    شك  من المنافسة الوقتية  بين الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي لايجاد ترتيبا ضمن اقتصادات دول العالم .

 و يقول ماثيو بيري الباحث الاقتصادي في الشأن الأوروبي: "جذور المشكلة الاقتصادية الإيطالية تكمن في مزيج قاتل من الديون المفرطة والتركيبة السكانية المختلة وعدم الاستقرار السياسي. فبالنسبة للديون فإيطاليا واحدة من أكثر البلدان المثقلة بالديون في أوروبا، حيث يبلغ الدين العام والخاص أكثر من 330 % من الناتج المحلي الإجمالي، والدراسات الحديثة تؤكد أنه بمجرد أن يتجاوز إجمالي الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 300 % يبدأ النمو الاقتصادي في الانخفاض، ويبدأ أيضا مستوى معيشة السكان في التراجع، وبالفعل تجاوزت إيطاليا عقبة الدين المفرطة في عام 2010 ومنذ ذلك التاريخ بدأ نموها في التراجع بشكل ملفت وملحوظ .

ويضيف: "لا تعاني إيطاليا أزمة ديون لا تستطيع حلها فحسب، فالاقتصاد يحتاج الى افراد قادرين على تحمل المسئولية الصعبة باعمار تتراوح ما بين الشباب واقصاهم الخمس وستون سنة   قمة القدرة على التفاني في العمل  الا انه ومنذ عام 2012 انقلب النمو السكاني من إيجابي إلى سلبي وبدأ عدد الفئة السكانها اغلبها  فوق 65 في التزايد، والآن باتت إيطاليا تمتلك أعلى نسبة منهم والذين تزيد أعمارهم عن 65 عاما في جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ومع انخفاض معدلات النمو الاقتصادي يتهرب  الشباب من مسئولية  تكوين أسرة، والنتيجة تراجع  في معدلات المواليد  وبالتالي خلل مستقبلي في قوة العمل، ومن ثم تفتقر  لإيطاليا  بالخصوص على وجود عائدات ضريبية مستقبلية لسداد ديونها. ويعتقد الخبراء أن الشيخوخة السكانية في إيطاليا إلى جانب معدلات المواليد المنخفضة سببها المباشر تقلص مع تراجع  عدد السكان في البلاد، حيث يتوقع أن يتراجع عددهم من 54.2 مليون نسمة بحلول عام 2050 إلى 47.7 مليون بحلول عام 2070، ودون نجاح إيطاليا في في ترتيب الحلول الفعلية سيكون النتيجة الحتمية  عدم القدرة على تعزيز نموها الاقتصادي للسنوات المستقبلية القادمة والتي تعتمد لنجاحها على الخطط الناجحة والمدروسة .

ـ اسباب التراجع :

وحول أسباب تراجع أعداد المواليد في إيطاليا صرح ماسيميليانو فاليري المدير العام للإحصاء في إيطاليا لوسائل الإعلام بأن السبب يعود إلى "امتلاك إيطاليا أدنى معدل مشاركة نسائية في العمل في أوروبا ضئيلا ، إذ تبلغ تلك النسبة 57 % مقابل 75 % في ألمانيا و81 في السويد".

وقد يبدو هذا التفسير غريبا بعض الشيء، إذ يتوقع أن يؤدي انخفاض نسبة النساء في قوة العمل إلى زيادة المواليد نظرا لتفرغهن والبقاء في المنزل، إلا أن المدير العام للإحصاء في إيطاليا أوضح قائلا: "لماذا أذكر ذلك؟ حسنا، لأن عديدا من الدراسات أثبتت أنه إذا كانت المرأة قادرة على العمل فستنجب مزيدا من الأطفال". وأضاف: "عدم القدرة على العمل يجعل النساء أقل أمانا من الناحية المالية ولا يشجعهن على تكوين أسرة".

وبالفعل فقد أنشأت الحكومة الإيطالية الجديدة وزارة الأسرة كوسيلة لمعالجة تلك المشكلة، مع هذا فإن الدكتور مايسن كارتر الخبير في علم السكان في الأمم المتحدة يرى أن ذلك لا يمثل حلا جذريا للمشكلة الإيطالية، وأن هناك حاجة ماسة إلى إجراءات أخرى مساندة.

 حيث يؤكد أن بقية أوروبا ليست بعيدة عن إيطاليا من حيث المنحدر السكاني، لكن المشكلة الإيطالية هي الأكبر في أوروبا، وعادة يستغرق الأمر عدة أجيال لعكس الاتجاه السلبي للنمو السكاني، حيث إن العدد الإجمالي للنساء اللواتي يتمتعن بالقدرة على الإنجاب قد قل من نفسه مع مرور الوقت، و"علينا أن ندرك أن معدلات الخصوبة المنخفضة ليست سوى جزء من المشكلة، وهذا يقودنا إلى أهمية الاستفادة من الهجرة كاحتمال آخر عند مواجهة هذه المشكلة".

المشكلة السكانية وتعقيدات قضية الديون الإيطالية وضخامتها، يجعل البنك المركزي الأوروبي على علم بأن إيطاليا لا تستطيع سداد ما عليها من التزامات مالية، ومن ثم عليه مواصلة صياغة أدوات سياسية لمنع السندات الإيطالية من الانهيار، وقد ترجم المصرف الأوروبي هذا الإدراك في استعداده لتبني سياسات مالية متناقضة ليتفادى انهيار الاقتصاد الإيطالي.

وارتفاع التضخم في بلدان منطقة اليورو يحتم على المركزي الأوروبي رفع أسعار الفائدة، وبالطبع يضغط هذا على إيطاليا ويزيد من أقساط فوائد الدين واجبة السداد، ويجعل تكلفة الاستدانة أعلى، لكن في الوقت ذاته أقر المصرف الأوروبي منذ بعض الوقت أداة سياسية جديدة تسمح بشراء السندات الإيطالية إذا ما اتجهت نحو الانهيار، وهذا يعني عمليا أن البنك المركزي بات لديه مزيج غريب من سياسة رفع الفائدة والتيسير الكمي للسندات السيادية الإيطالية في ذات الوقت.

ـ الرهان على العامل الزمني لتفادي الانهيار:

مع هذا فإن بعض الخبراء يعتقدون أن الوقت لم ينفد أمام إيطاليا لتفادى السقوط الكبير، لكن هناك شروطا للنجاة، ففي العام الماضي 2022  نمت إيطاليا بشكل أسرع من كل من فرنسا وألمانيا، وكان ذلك يعود في جزء منه إلى الآثار الإيجابية للأموال التي حصلت عليها من صندوق التعافي التابع للاتحاد الأوروبي كمساعدة لمواجهة تداعيات جائحة كورونا، وكانت تلك المساعدات مرتبطة بإصلاحات داعمة للنمو مقابل كل شريحة مالية تحصل عليها إيطاليا.

من جهته، يقول   الدكتور أوين هنري أستاذ الاقتصاد الدولي في مدرسة لندن للتجارة: "لا يزال أداء إيطاليا على المدى الطويل مؤسفا، فنمو الناتج المحلي للفرد يقترب من الصفر منذ عام 2000 وهو الأسوأ في نادي منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية للبلدان الغنية، ويمكن أن تواجه ركودا اقتصاديا هذا العام، وللخروج من الألم الاقتصادية لا بد من عملية إصلاح اقتصادي شامل تعزز المنافسة وبالتالي تعزز زيادة الإنتاجية، وهذا يتطلب تغييرات تشريعية للتصدي للمؤسسات التي تقاوم الإصلاحات المؤيدة للنمو".

ويضيف: "أسواق العمل في إيطاليا تتسم بالجمود، وهناك حاجة إلى مزيد من تحريرها للحد من البطالة وزيادة مشاركة النساء في العمل، ورفع الحماية المقدمة لبعض الشركات الإيطالية، التي تحول دون المنافسة، كما أن إيطاليا في أمس الحاجة إلى تقليص فجوة التفاوت الإقليمي، فجنوب إيطاليا يمثل ثلث السكان وربع الاقتصاد، مع هذا فإنه تراجع خلال العقدين الماضيين سواء في مجال التعليم أو التوظيف".

باختصار تحتاج إيطاليا إلى إصلاحات جذرية تضمن لها تحقيق أداء اقتصادي أفضل، ودون تحسن الأداء الاقتصادي في إيطاليا، فإن الذي يبدو الآن اهتزاز اقتصادي من حين إلى آخر قد يتحول إلى زلزال يقود للانهيار التام، وأوروبا تعلم أن إيطاليا لن تذهب إلى الجحيم الاقتصادي بمفردها، إذ يمكن أن تأخذ معها بلدان القارة بأكملها.

 


أخبار مرتبطة
 
24 أبريل 2024 3:33 متحالف صيني يرغب في إنشاء مدينة نسيجية متكاملة باستثمارات 300 مليون دولار23 أبريل 2024 3:14 موزير المالية: زيادة مخصصات الأجور إلى 575 مليار جنيه في العام المالي الحالي22 أبريل 2024 2:33 متوقعات صندوق النقد الدولي بارتفاع النمو العالمي في 2024 إلى 3.2%21 أبريل 2024 3:12 ملقاءات وزير المالية على هامش اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين بواشنطن17 أبريل 2024 9:43 صواشنطن: التحديات الدولية والإقليمية وتأثيرها على الأسواق الناشئة محاور مناقشة المشاط ومسئولي البنك الدولي15 أبريل 2024 2:34 ممفاعل الضبعة سيحل أزمة انقطاع الكهرباء بمصر وبدء إنتاج الطاقة بداية 202714 أبريل 2024 3:39 مبطاريات الطاقة الشمسية لتخزين الكهرباء7 أبريل 2024 1:23 مالدولة وضعت الحد الأقصى للاستثمارات العامة بتريليون جنيه لإفساح المجال للقطاع الخاص2 أبريل 2024 1:24 مالتيتانيوم .. السلاح الروسي الذي لا يعرفه احد31 مارس 2024 1:04 مأزمة أدوية تضرب العالم.. 26 دولة أوروبية أبلغت عن نقص في الأدوية في 2023

التعليقات