أبحاث


كتب فاطيمة طيبى
5 نوفمبر 2023 3:27 م
-
الاستراتيجية الدولية للمعادن الحيوية بحاجة لإعادة التركيز على جانب العرض وليس الطلب

الاستراتيجية الدولية للمعادن الحيوية بحاجة لإعادة التركيز على جانب العرض وليس الطلب

اعداد ـ فاطيمة طيبي

السنوات القليلة المقبلة ستشهد تغيرا في اتجاه خارطة التعاون  التقني والاقتصادي المستقبلي  وبالتالي تغيرات جذرية في مجال إنتاج الطاقة والذي يصنع هذا التغير اتجاه القوى العظمى من الصين وامريكيا نحو افريقيا وتحديدا نحو الكونغو والذي لا يقل أهمية عن التحول التاريخي من الاعتماد على الفحم إلى النفط.

 وبينما تعمل الصناعات الأمريكية بالتخلي تدريجيا عن الوقود التقليدي، نجد ان الطلب على بعض أنواع المعادن وعلى قائمة اهمية هذه المعادن "الكوبالت".

الكوبالت الذي يعد المكون الرئيسي  في صناعة البطاريات الكهربائية وأجزاء اخرى من السيارات الكهربائية والهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر والقائمة تضل طويلة . هذا الطلب سيرتفع بشكل كبير، بحلول عام 2040  والسبب ارتفاع الاستخدام العالمي للمعدن أكثر من 20 ضعفا مقارنة بعام 2020.

ـ اقتصاد المستقبل :

إذا كان اقتصاد الغد سيعتمد على الكوبالت مثله مثل الكثير من المعادن النادرة والمهمة فإن جيوش الغد ستعتمد عليها لكونها ضرورية في تصنيع أجزاء من الطائرات المقاتلة والذخائر الدقيقة وتكنولوجيا التخفي من الرادارات، وفي ظل ذلك الاحتياج المتنامي للكوبالت وغيره من المواد الأرضية النادرة تظهر الى السطح المنافسة الشرسة بين كل من العملاقين الولايات المتحدة والصين .

وعلاقة هذه القوى العظمى بالكونغو الديمقراطية تحديدا لاحتوائها على اكبر مخزون من الكوبالت يفوق اضعاف  ما لدى بقية دول العالم مجتمعة ، وفي الوقت الذي تقوم فيه الصين بتكرير 80 % من الكوبالت في العالم و60 % من الليثيوم ما يجعلها تتصدر إنتاج المعادن الأخرى الضرورية في مجال انتقال الطاقة والتصنيع العسكري، بينما لا تمتلك الولايات المتحدة  ذلك والقدرة على إنتاج الكوبالت اضف اليه تراجع مخزونها من 13 ألف طن خلال الحرب الباردة إلى 333 طنا فقط في سنة 2021.

ـ افق المعادن الحيوية :

بينما تمضي البلدان المختلفة قدما لتعزيز العمل في مجال الطاقة النظيفة، يصبح هدف تحقيق أمن الطاقة بالرجوع المعادن الحيوية وبأسعار معقولة.

يقول الدكتور إن. دي. سميث أستاذ علم المعادن في جامعة جلاسكو، "التحول المستمر في مجال الطاقة يعمل على تحويل الاقتصاد الدولي إلى نظام كثيف الاستخدام للمعادن، كما أدى التحول العالمي لإزالة الكربون إلى زيادة الطلب على المعادن التي تعد ضرورية لتقنيات الطاقة النظيفة والمركبات الكهربائية، مثل الليثيوم والنيكل والكوبالت والجرافيت والنحاس والألمنيوم والعناصر الأرضية النادرة، فالسيارات الكهربائية على سبيل المثال تتطلب ستة أضعاف المدخلات المعدنية للسيارات التقليدية".

ويلقي الدكتور إن. دي. سميث الضوء على أن إنتاج عديد من المعادن المهمة والضرورية لتحول الطاقة يتركز جغرافيا في بعض المناطق، ففي عام 2019 استحوذت الكونغو الديمقراطية على نحو 70 % من إنتاج الكوبالت العالمي، في حين أسهمت الصين بنحو 60 % من الإنتاج العالمي للعناصر الأرضية النادرة، علاوة على ذلك فإن سلاسل التوريد لهذه المعادن المهمة التي تشمل التعدين والمعالجة والتكرير والتصنيع والاستخدام النهائي تخضع في الغالب لسيطرة عدد قليل من البلدان.

وفي الواقع فإن قطاع الطاقة بات محركا رئيسا للطلب على المعادن منذ منتصف عام 2010، وكشفت تقارير دولية عن زيادة قدرها ثلاثة أضعاف في الطلب على الليثيوم وزيادة بنسبة 70 % على الكوبالت وزيادة بنسبة 40 % في الطلب على النيكل خلال الفترة من 2017 إلى 2022، وبسبب السوق المتنامية لبطاريات الليثيوم أيون لتخزين الطاقة، زاد الطلب العالمي على الكوبالت لتصنيع البطاريات بمقدار 26 ضعفا خلال العقدين الأولين من هذا القرن، و اكثر ما حدث 82 %  من هذا النمو في الصين لوحدها .

ساعدت الوفرة المحلية في النفط والغاز الطبيعي في الولايات المتحدة في خفض الاعتماد الأمريكي على واردات الهيدروكربون، لكنها لا تزال تعتمد بشكل كبير على استيراد المعادن لتوسيع نطاق استخدام تكنولوجيا الطاقة النظيفة وسد الاحتياجات المتزايدة للبنية التحتية، ومن بين 50 معدنا تدخل ضمن قائمة المعادن الحرجة لعام 2022 تعتمد الولايات المتحدة على استيراد 12 معدنا بشكل كامل، و31 معدنا آخر تستورد أكثر من نصف احتياجاتها.

يشير عديد من الخبراء إلى أن هناك ستة معادن ذات أهمية كبيرة للطاقة النظيفة تواجه مخاطر في العرض في الأمد القصير، هي الكوبالت والديسبروسيوم والغاليوم والجرافيت الطبيعي والايريديوم والنيوديميوم وفي الأمد المتوسط سيرتفع هذا العدد إلى 12 ليضم الليثيوم والنيكل والجاليوم والبلاتين والمغنسيوم وكربيد السليكون.

ـ هيمنة الصين على سلاسل توريد المواد والمعادن المهمة:

وتشير الدكتورة روز مانموهن سينج أستاذة التجارة الدولية في مدرسة لندن للاقتصاد إلى هيمنة الصين على سلاسل توريد المواد والمعادن المهمة واعتماد الولايات المتحدة على المعادن المستوردة من الخارج وتحديدا من الصين في أكثر من نصف إمداداتها من 25 سلعة معدنية، وبالطبع فإن هذا يجعل الاقتصاد والصناعات الأمريكية عرضة لانقطاع الإمدادات القادمة من الصين خاصة في أوقات التوتر الجيوسياسي.

الا ان  الدكتورة روز مانموهن سينج ـ  ترى أن الاستراتيجية الدولية للمعادن في حاجة إلى إعادة النظر والتركيز على جانب العرض وليس الطلب. وتقول " تتحدث هنا عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بالتعاون لضمان أمن الطاقة النظيفة وينبغي أن تكون الأولوية الكبرى لتعزيز الروابط التجارية مع دول التعدين الكبرى، فتنسيق الطلب بين كبير المشترين لن يقدم حلا جذريا للمشكلة إنما في أفضل الأحوال يؤجل لحظة انفجار الاسواق".

مع هذا يعتقد بعض الخبراء أن مشكلة التي تجابه الولايات المتحدة  الامريكية والأوروبيين على السواء تلك التي  لها علاقة  بالعجز الواضح في  تحقيق الاكتفاء الذاتي في المعادن، فالاتحاد الأوروبي لن يستطيع و بحلول عام 2030   بتحقيق الا ما نسبته 10 % من احتياجاته من المعادن محليا، اما الولايات المتحدة  الامريكية سيحتاج المصنعون في نهاية المطاف إلى الحصول على معظم احتياجاتهم من المعادن من شركاء الولايات المتحدة في مجال التجارة الحرة مثل أستراليا وبلدان أمريكا الجنوبية. لهذا السبب الولايات المتحدة تتجه الان نحو افريقيا    وتحديدا الى جمهورية الكونغو الديمقراطية باعتبارها مصدرا رئيسا لعديد من المعادن الاستراتيجية وفي مقدمتها الكوبالت.

بدوره،يقول  كولين بيترسون الباحث في الشؤون الإفريقية، "لا تستطيع قوى السوق وحدها ضمان أمن المعادن بالنسبة إلى الولايات المتحدة، خاصة في مواجهة الهيمنة الصينية شبه الكاملة على هذا القطاع، وفي الأغلب ستحافظ واشنطن على القوانين التي توفر للكونغو أولوية الوصول إلى الأسواق الأمريكية بدون رسوم جمركية التي يفترض أن تنتهي صلاحياتها عام 2025".

من جهة اخرى ستعمل الإدارة الأمريكية على تعزيز وضعية شركات المعادن الأمريكية العاملة في إفريقيا عامة والكونغو الديمقراطية على وجه التحديد، لتحصل على   أكبر  قدر من الحصص تلبي بها احتياجاتها من احتياطيات المعادن الحيوية، إضافة إلى ذلكسيرتفع عدد الاستثمارات الأمريكية في الكونغو خاصة في مجال المعادن على تعزيز الشراكة الثنائية بين البلدين".

تكشف سوق المعادن الحيوية في الوقت الراهن أن فكرة عودة التجارة العالمية إلى عصر صراع القوى العظمى أصبح الآن مطروحا أكثر من أي وقت مضى وذلك  منذ نهاية الحرب الباردة، ما يدعو الى ارتفاع  مزيد من التوتر  في  مجال توازن علاقات القوى بين الولايات المتحدة والصين، الا ان استعراض القوى بين االجانبين سيتطلب الاعتماد على مصادر للمعادن لا يملك اي من الطرفين  السيادة عليها، ما يدفع الى ارتفاع مزيد من الحدة و التنافس لتأمين احتياجاتها الضخمة الى هذه المصادر الاولية للصناعة في البلدين  ما يستدعي ايجاد استلاء على هذه المصادر للقوة تحت مسمياة كثيرة  لضمان الحفاظ والهيمنة  على خطوط الإمداد الاستراتيجية.

 

 


أخبار مرتبطة
 
24 أبريل 2024 3:33 متحالف صيني يرغب في إنشاء مدينة نسيجية متكاملة باستثمارات 300 مليون دولار23 أبريل 2024 3:14 موزير المالية: زيادة مخصصات الأجور إلى 575 مليار جنيه في العام المالي الحالي22 أبريل 2024 2:33 متوقعات صندوق النقد الدولي بارتفاع النمو العالمي في 2024 إلى 3.2%21 أبريل 2024 3:12 ملقاءات وزير المالية على هامش اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين بواشنطن17 أبريل 2024 9:43 صواشنطن: التحديات الدولية والإقليمية وتأثيرها على الأسواق الناشئة محاور مناقشة المشاط ومسئولي البنك الدولي15 أبريل 2024 2:34 ممفاعل الضبعة سيحل أزمة انقطاع الكهرباء بمصر وبدء إنتاج الطاقة بداية 202714 أبريل 2024 3:39 مبطاريات الطاقة الشمسية لتخزين الكهرباء7 أبريل 2024 1:23 مالدولة وضعت الحد الأقصى للاستثمارات العامة بتريليون جنيه لإفساح المجال للقطاع الخاص2 أبريل 2024 1:24 مالتيتانيوم .. السلاح الروسي الذي لا يعرفه احد31 مارس 2024 1:04 مأزمة أدوية تضرب العالم.. 26 دولة أوروبية أبلغت عن نقص في الأدوية في 2023

التعليقات