مقال رئيس المركز


كتب فاطيمة طيبى
24 يوليو 2023 12:53 م
-
نحو امكانية إنشاء عملة عربية موحدة على طريق إصدار العملات الرقمية

نحو امكانية إنشاء عملة عربية موحدة على طريق إصدار العملات الرقمية

 نحو امكانية إنشاء عملة عربية موحدة على طريق إصدار العملات الرقمية

بقلم ـ الدكتور خالد الشافعي 

في واحدة من اجتماعات جامعة الدول العربية بالنصف الاخير من سنة 2012  تقدم اتحاد المصدرين والمستوردين العرب بمقترح    لامكانية وجود اتحاد عربي اقتصادي ومالي. وبالتالي دراسة امكانية وجود عملة عربية موحدة شانها بذلك شان الدول الأوروبية وعملتها اليورو .

وبين اليقين في الامال المستقبلية العريضة، وبين ما قد يؤول اليه عملية تطبيق هذه العملة تظهر اشكالية شح الامكانيات من ناحية وصعوبة التطبيق من ناحية اخرى، صعوبات طبيعية تحتمها بدايات اي مشروع جديد يرى النور.

ارى انه نظريا لما فرضه الواقع الاقتصادي وقتها كان امرا به شيء من الصعوبة، الا ان الامر سياسيا فيما يسمى بالربيع العربي كانت من الممكن ان تؤسس بدايات الفكرة ومحاولة تطبيقها متى سمحت الظروف بذلك ،مع ولادة  شكل جديد من التفكير الداعم  للتغييرلاطلاق عمله عربية موحدة .

 هناك نقطة مهمة اشير اليها، حتى نصل مرحلة دراسة امكانية وجود عملة عربية موحدة في البداية لابد ان ينشا اتحاد اقتصادي عربي، ولكي يحدث  مستقبلا لابد من ازاحة اي شكل من اشكال الخلافات السياسية بين الدول العربية كمرحلة اولى لتأتي بعدها مراحل اخرى اتباعا ،الغاء الجمارك ثم بنك عربي موحد تليها عملة عربية موحدة .

وهذا من المؤكد انه لن يحدث في يوم وليلة رغم حالات التنوع التي تزخر بها الطبيعة العربية، واول خطوة نحو تحقيق هذا  يتطلب الأمر أن تتحول تلك الدول إلى دول انتاجية ما يسمح لها وبكل جدارة الدخول في الاقتصاد العالمي رغم انني ارى ان بشائره تلوح في الافق .

هناك احداث متتالية ومتلاحقة تداعت بصورة سريعة على الساحة الاقتصادية العربية  لنتذكر شهر مايو من السنة الجارية والإعلان عن الانضمام لنظام الدفع الروسي الصيني، الذي من خلاله سيتم الحصول على تمويل من بنك التنمية الاسيوي باليوان، يسمح بتمويل المشتريات العربية خلال الفترة المقبلة من روسيا والصين باليوان. 

رغم مرور سنة كاملة على الحرب الدائرة بين روسيا واوكرانيا نجحت روسيا والصين في تغيير تجاراتهما الدولية وأصبحت 60 % منها بالعملات المحلية، ما يعني ان الدول العربية تستطيع ذلك ،والامر نفسه حدث بين مصر وتركيا . بتضررالدول الناشئة والنامية بسبب إفراط البنك الفيدرالي الأمريكي في رفع سعر الفائدة استدعى ايجاد مصادر بديلة لتفادي الوقوع تحت طائلة التضخم والتبعية المطلقة للدولار.  وارى في حدوث  هذا امرا حتميا ترجمه الواقع  نتيجة لما قامت به الولايات المتحدة الأمريكية لسحبها للدولار من العالم من اجل تخفيض التضخم  تسبب في وقوع العديد من الدول الناشئة تحت ازمات الفقر.

لكن السؤال  الذي يتبادر الى ذهني ، اين دورالبنك وصندوق النقد الدوليين لفرض سلطتهما لمنع هذه الاجراءات المجحفة والقرارات التعنتية التي تحمل صفة الميكيافيلية  وما ارى هذا بالغريب عن امريكا لحماية مصالحها على حساب شعوب العالم، قد يؤدي لوقوع كارثة لا نعرف اين سيتجه العالم بعدها .

اود ان اعود بشريط الاحداث العالمية الى 1944 الى اتفاقية "بريتون وودز" الذي كان الهدف منها  تحقيق استقرار الاقتصاد العالمي و التي تم فيها تثبيت سعر صرف الدولار الأميركي أمام الذهب على ان تثبت عملات الدول أمام الدولار الأميركي. وعدم السماح لسعر صرف العملة بالتقلب أكثر من 2% صعودا وهبوطًا من القيمة الثابتة أمام الدولار.  ولذلك يعتبر نظام مشابه لمعيار الذهب ويوصف في بعض الأحيان بأنه معيار تبادل الذهب.

الذي يدفعني الى التذكير بهذا ان الاتفاقية  سمحت للولايات المتحدة باستخدام الدولار في التجارة الدولية، ولم تنص على افراط الادارة الامريكية في طباعة الدولار من أجل غزو الفضاء، ليدفع العالم باكمله فاتورة التضخم والامثلة كثيرة اخرها "كوفيد 19" .

 والنتيجة الحتمية انه مادام امريكا لا تريد في اي حال من الاحوال العدول اوالتراجع عنه اذن من الطبيعي جدا ان يكون للدول النامية وقفة للمواجهة . هذا  ما يفسر الجهود والخطوات الفعالة بين الدول العربية للتكامل اتجاه موقف واحد للانضمام إلى النظام المالي الروسي الصيني، لتفادي مواجهة امريكا لدولة واحدة ، لكن وعلى الجانب الاخرهناك بعضا من البنوك المركزية في طريقها لاصدار عملات رقمية كوجه آخر للتطور تبحث عنه الجهات المصرفية في العالم  في وقت فيه بعض من البنوك المركزية ترى ضالتها في هذه العملات المشفرة.

 والذي اود ان اساله مدى اهتمام البنوك المركزية لإصدارعملتها الرقمية .. فالصين، الهند، نيجيريا، وجزر الباهاما قامت بطرح عملات رقمية بالفعل، بينما تستعد دول أخرى مثل اليابان والسويد لذلك . وهنا لابد وان يكون لامريكا دورا في هذا العالم الرقمي المتغير اذ تدرس الان بالفعل  إصدار الدولار الرقمي  وارى انه  بإصداره سيشهد العالم ضجة اخرى ويعود مجددا للحديث عن عالم العملات المشفرة.لكن هل بهذا سيعرف الصراع الدولي شكلا جديدا من الهدنة ؟

ارى ان البنوك المركزية بإصدارها عملتها الرقمية من الواضح انها تعبر من خلال هذا الاهتمام عن صورة اخرى حديثة لما يسمى بالتطبيق الجديد لإحدى نظريات الصراع، فمثلا بالتطورالمستمرنجد ان المال والمدفوعات يتطوران جنب الى جنب والذي اصبح اكثر فعالية  في العصر الرقمي، والسبب الاكثرية تسدد المدفوعات المالية بشكل متزايد رقميا، وتتسوق عبر الإنترنت، مما تراجع استعمال النقود، لتنتقل تدريجيا من المحافظ  إلى الهواتف الذكية والأجهزة الإلكترونية الأخرى، فالعملات الرقمية للبنوك المركزية باتت ضرورية في عالمنا الرقمي لكي تستطيع البنوك المركزية الحفاظ على الدور المنوط بها، وان يظل التعامل معها على أساس أنها قوة استقرار في قلب نظام المدفوعات ولحماية السيادة النقدية للدولة .

كما ارى أن أحد الأسباب الأخرى التي تدفع البنوك المركزية إلى إصدارعملتها الرقمية يعود لانخفاض السريع في الدفع نقدا بصورة مباشرة، فعلى سبيل المثال انخفض استخدام العملات النقدية في القارة الأوروبية خلال الفترة ما بين 2014 ـ 2021 بنحو الثلث، وفي النرويج انخفض استخدام العملة الوطنية من إجمالي معاملات الدفع بنحو 3 %، ويعني هذا تراجع في قوة البنوك المركزية المصدر الوحيد للقيمة النقدية، مما تطلب منها الاسراع بإعادة تقييم دورها في النظام النقدي.

وتراجع استخدام النقود ترافق أيضا مع إقبال متزايد من المستهلكين في عديد من الاقتصادات في التداول أو التعامل في الأصول الرقمية، واستخدامهم العملة الرقمية للبنك المركزي يدل على الثقة، بالاضافة الى الفوائد والجاذبية التي سيجنيها مستخدمو العملات الرقمية للبنوك المركزية، فبدون تلك الفوائد لا يوجد مبرر للتخلي عن النقد أو بطاقات الائتمان لمصلحة المدفوعات الرقمية .

اما الهدف الرئيسي للعملات الرقمية للبنوك المركزية إيجاد أنظمة بديلة لتحسين مرونة الاقتصاد، فالاختبار الحقيقي لتلك العملات لن يتركز في مجال المدفوعات فحسب، بل الأهم إلى أي مدى ستستخدم في مجال الاستثمار، الذي سيترجم مدى نجاح العملات الرقمية للبنوك المركزية . وبفضل العملات الرقمية للبنوك المركزية باتت هذه البنوك أكثر قوة وسيطرة بالتعامل المباشر مع المواطنين.

 



التعليقات